خاص

الشاعر السوري علاء زريفة لـ الجريدة•: الحرب لا تصنع شاعراً

نشر في 30-05-2019
آخر تحديث 30-05-2019 | 00:00
 الشاعر السوري علاء زريفة هموم
الشاعر السوري علاء زريفة هموم
يحمل الشاعر السوري علاء زريفة هموم بلاده التي مزقتها الحرب، ويمضي في طريق قصيدته، راسماً سطور شعره بمداد يمتزج فيه جمال الحب بالوجع والمشاعر الإنسانية الفياضة، وفي حوار لـ "الجريدة" قال إن الحرب لا تصنع شاعراً، وأنه لا قصيدة بمقدورها التعبير عن الوجع الإنساني الرهيب في سورية، معتبراً أن الشاعر يدافع عن الجمال المتبقي في محيط من الجنون والدموية والانتماءات القاتلة.. وإلى نص الحوار:

• حدثني عن سنوات نشأتك الأولى في سورية، وكيف شكلّت وعيك الفكري وموهبتك الإبداعية؟

- رحلتي مع الشعر بدأت في سنّ مبكرة نسبياً، حين كان عمري ستة عشر عاماً. كنت متأثراً بما قرأته وحفظته من عيون الشعر العربي قديمه وحديثه. كتاباتي الأولى كانت حول الحب، كأي مراهق، وكان للشاعر السوري الكبير نزار قباني تأثير كبير عليّ. بدأت بكتابة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، محاولاً تقليده ومجاراة أسلوبه، ومن ثم تأثرت بالشاعر الكبير محمود درويش، والرائع أمل دنقل وغيرهم كثيرون. ولبثت فترة طويلة للتحرر من ظلالهم العالية عليّ. كانت البدايات مجرد حالات بدائية لخلق ذات شعرية خاصة تشبهني، واتجهت لكتابة قصيدة النثر بعد قراءات كثيرة للعديد من الأسماء الكبيرة عربا وغربيين.

كانت إشكاليتي ومازالت الحرية والأنسنة، بعيداً عن أي أدلجة أو تبعية لأي مطلق أو مذهب فكري، والرغبة في اكتشاف عوالم جديدة للوجود الإنساني ضمن ثنائيات أو متناقضات (الحياة والموت، الروح والجسد، اللذة والخطيئة.. إلخ)، لطالما شغلت العقل شرقاً وغرباً، عساني أجد أجوبتي الخاصة، ومجرباً كتابة قصيدة تاريخية فلسفية مجردة تتميز بالرمزية.

دعني أعترف أنها اعتبرت نخبوية نوعاً ما، كما في كتابي الأول «المسيح الصغير» الصادر عن دار الدراويش في بلغاريا، حاولت من خلال التجربة إخراجها بصورة أوضح وأكثر قرباً من النفس الشعبي في كتابي الثاني «شوكولا»، الصادر عن دار دلمون الجديدة في دمشق، وعملت على تطوير أسلوبي في كتابي الثالث الذي سيصدر قريباً.

• الوضع المؤلم في سورية اليوم كيف انعكست أصداؤه على قصيدتك؟

- يقول الشاعر الفرنسي بروست: «الحياة الوحيدة المعيشة هي الأدب»، بمعنى أن الأدب هو التأريخ الحقيقي لأوجاع الناس، وهو المعبّر الرسمي عن نزعاتهم ورغباتهم في كل زمان ومكان.

الحرب العبثية التي عاشتها وتعيشها سورية أحدثت جرحاً عميقاً لايزال ينزف، والأديب الحقيقي هو ضمير وصوت الناس، ولا يمكن أن يكون بمعزل عنهم وإلا اعتبر خائناً لإنسانيته. ولا يمكن الكتابة عن الدمار والوحشية والخراب الروحي قبل المادي. ليست هناك قصيدة قادرة على هذا الوجع الإنساني الرهيب، لكنني حاولت، تحديداً في مجموعتي «المسيح الصغير»، أن أعيد الشرعية للموت الفردي أي الاستشهاد كحالة عظمى لانتشال هذا الجمع المتقاتل، وأن أجعل الشهيد مخلصاً قضى نحبه ودافعاً حياته ثمناً لآثام جمعية يحمل وزرها جميعنا كسوريين أحياء اليوم. وليكون مؤسسا لوطن حقيقي مبني على أسس حقيقية من العلمانية والمدنية والهوية الوطنية الجامعة والعدالة الاجتماعية، كما كتبت عن طبيعة الحرب وتأثيرها العميق في كل تفاصيل الحياة.

• «أبي لوحة معدنية» تختلط فيها التجربة الإنسانية مع رائحة البارود.. كيف تصنع الحرب شاعراً أو قصيدة بمذاق مختلف؟

- أعتقد أن الحرب لا تصنع شاعراً بالمعنى المادي للكلمة. الشاعر في حالة قبيحة وغبية كما الحرب، يحاول دائما الدفاع عن جدوى الإنسان ضد الوحش، وعن قيمة الحياة مقابل من ينشرون الموت.. الشاعر يدافع عن الجمال المتبقي في محيط من الجنون والدموية والانتماءات القاتلة.

قصيدتي «أبي لوحة معدنية» تصوير لحال الإنسان السوري اليوم، الذي تحوَّل إلى دريئة تتلقى الرصاص بصدر عارٍ من كل حدب وصوب، وتمضغ بؤسها يوميا وتنتهي بشكل مأساوي هو موت مجاني كرقم فحسب.. موت له أشكال متعددة بدأت بالتطرف الإسلامي والإرهابية والقتل والقتل المضاد واليوم بالحصار الاقتصادي الخانق.

هي قصيدة تترجم بشكل ما وجه إنسان أرهقته الحياة، وجعلته خالياً من أي حس أو دافع.. يمكنك أن تقرأ القصيدة بهذا المنحى.. هذه القصيدة كغيرها أحاول فيها ملامسة المحرمات الفكرية والنفسية في حال من التمرد والمشاكسة الفلسفية، لأدفع القارئ إلى تعزيز ملكاته في الإصغاء والحوار.

• «روميو ميتاً»، هل تكتب من خلالها شهادة وفاة الحب، أم تقدم رسالة خافية مفادها أن الحب هو المناهض الأخير للحرب؟!

- لا يمكن للحب أن يموت تماماً، ولا أسعى في هذه القصيدة إلى أن أدفنه. أعتقد أن الحب كذبة صادقة، كما يقول درويش، لكنه أيضا كذبة متحولة، عاطفة زائلة يحاول الشاعر أن يمنحها صفة الأبدية. إنه يعمل على أن يجمل دوما صورة المرأة في روحه وخياله. المرأة الفكرة هي أساس العشق والحب في نفس أي شاعر.

روميو في القصيدة يصف بجسارة فناءه الشخصي في ذات فكرته الأنثى ودائه السقيم الذي ينتهي بالخلاص أو نوع من الشفاء المعنوي لقلبه المعطوب، متجاوزا عتبة ألمه، ونازفاً كل دمه فداء عاطفته المصلوبة أمام واقع لا يسعفه أن يلتقط حلمه كاملاً، هكذا هي قصص الحب الرائعة يجب ألا تكتمل.

الحب هو دفاع مستميت عن الجمالي والأزلي والكوني العام خارج أي طوق أو صندوق فكري تقليدي، إنه المشاع اللانهائي لفرديتنا. نحن نحب لكي نمتلئ بإنسانيتنا ونخلق بأرواحنا من خلال الجسد والمنطوق الشعري لغة.

وبالعودة إلى الحرب مقابل الحب كحالة مناهضة، يمكنني أن أشبه الأمر بموسيقى تعزف في الذاكرة المهشمة لأناس يواجهونها ويدفعون ثمنها. إنه بمنزلة إكسير الحياة قد يكون وردة تخرج من بين الصخر أو مطراً يهطل على شهيد، أو رقصاً كما في رائعة كازانتزاكيس زوربا ساخرة من عجز الموت السفاح أمام مقدرة الحياة على الحياة على ابتلاع آلامها والتنفس مُجدداً.

• أيهما برأيك أكثر قدرة على أن يسود المشهد الأدبي في هذا التوقيت الفارق من عمر سورية: الشعر أم الرواية؟

- لا يمكننا اليوم الحديث عن مشهد ثقافي معافى في سورية، فالحرب المستمرة منذ تسع سنوات جاءت على الأخضر واليابس، والوسط الثقافي شأنه شأن السياسي منقسم على نفسه، وهو عرضة للتجاذب والاصطفاف وتسجيل الولاءات ويملؤه نموذج «الميديكور» شعراً ورواية.

لسنا بخير أبدا، فالشعر اليوم يكاد يخبو كما في كل العالم ليس في سورية فقط، والقارئ أصبح استهلاكياً وقليل الصبر أمام معجزات العصر من تكنولوجيا ووسائل تواصل اجتماعي تجعل الاستسهال والكتابة المثيرة للغرائز والعواطف، كما نشهد حالة من الفوضى العارمة من ظهور طفيليين كثر ومنح ألقاب بالمجان.

أما الرواية فلاتزال تسجيلية في إطارها الاستعراضي، تحاول أن ترسم ملامح المأساة السورية ولا تحاكيها كما يجب. ولا يمكن تجسيد الحرب اليوم، لأنها ستخرج بصورة انفعالية مرتبطة بتيار أو أيديولوجية معيّنة، لذلك لا أرى مفاضلة ثابتة بين الجنسين الشعر أو النثر، لأننا ببساطة نعاني أزمة كتابة وكتّاب على حد سواء.

في بداياتي حاولت تقليد نزار قباني وتأثرت بدرويش ودنقل

ليست هناك قصيدة قادرة على هذا الوجع الإنساني الرهيب في سورية
back to top