أزهري مستنير!
أُعجب الشيخ حسن العطار– شيخ الأزهر الأسبق– بموضوعية وجرأة الأسئلة التي يطرحها شاب قادم من صعيد مصر، يعيش حياته بالقاهرة في تقتير شديد بما يصل إليه من والدته التي تعمل فلاحة في طهطا، فأراد شيخ الأزهر أن يساعد هذا الطالب الفذ فاستدعاه إلى مكتبه:- يا رفاعة، كلمني قائد القلعة يريد أن أختار له مدرّساً للغة العربية ليدرّس أولاده، نظير أربعة قروش للدرس.- شكر الله سعيك يا سيدي، وسأبذل قصارى جهدي لتأكيد حُسن اختيارك لي لهذه المهمة.
***• وانتشر بين كبار الأتراك من جُلساء والي مصر– محمد علي– الحديث عن هذا المدرس، الذي يناقش أفراد البعثة الفرنسية في التاريخ والجغرافيا، فصاروا يتسابقون إليه ليدرّس أولادهم... وأخذ اسم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي يتردد كثيراً في النشاطات الاجتماعية، بل والرسمية، وفي قلعة الوالي الذي طلب يوماً الشيخ حسن العطار ليسأله:- إيش دي رفاعة التهتاوي؟!- يا صاحب النِّعم هذا الشاب نابغة.- هو يتكلم عثمانلي؟- نعم يا ولي النعم، إنه يجيد ثلاث لغات، ومنها التركية.- هو مش صعيدي فلاح؟- يا ولي النعم، هو من الصعيد وفلاح ومصري قح.- أنا لازم شوف هذا التهتاوي.*** • وبعد أن اكتسب الطهطاوي هذه السمعة في أوساط أصحاب المقامات الرفيعة من المسؤولين... طلبه شيخ الأزهر ليزف إليه خبر ترشحه ليكون إماماً لبعثة من الشباب الذين سيدرسون في فرنسا.- إماماً للبعثة يا شيخ حسن؟... وليس مبتعثاً مثلهم؟- وما يمنعك من الدراسة؟... ستكون معهم في أي مكان يذهبون إليه وتقرأ ما يقرأون، وتناقش ما يناقشون، المهم أن ترعى خطواتهم من الناحية السلوكية والأخلاقية، وتحثهم على مكارم الأخلاق، تلك هي وصية ولي النعم لك ولهم.- أعدك يا والدي أن أكون عند حسن ظنك بي.- إياك أن تغير جبتك وعمامتك.- ماذا عن أفكاري؟- غيرها... ولكن ضمن القرآن والسنة ومكارم الأخلاق.***• وسافرت البعثة وإمامها الشيخ رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، وبعد وصولهم بفترة وجيزة أخذ الشيخ رفاعة يدون بدفتره الخاص: "الحياة في بلاد الفرنجة تطفح بالمغريات، وبذلت جهداً كبيراً لجعل شباب البعثة يملؤون فراغهم بالقراءة، بحيث لم أترك لهم شاردة ولا واردة إلا وكنت أناقشهم فيها، ليستفيدوا من التطور العلمي، ويتميزوا فيه لنقله إلى بلادنا، مع حرصنا على الجانب الأخلاقي النابع من روح قرآننا وديننا، وأشكر الله وأحمده حمداً كثيراً إذ وفقني في مهمتي".***• وبعد أربع سنوات أمضاها الشيخ الأزهري في فرنسا عاد ليصيح بأعلى صوته في كل المحافل والمنتديات المصرية سياسية كانت أو اجتماعية:- أيها العرب، أيها المسلمون أنتم متخلفون، والأسباب كثيرة.• وكتب حيثياته في كتابه الرائع "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".• هناك من يرى أن الطهطاوي هو أول من بعث روح التطور في الأمة.