يبدو أن مسلسل تفريغ الشركات من الأصول المدرة التي حققت عوائد جيدة لها ولمساهميها مستمر، لكن هذه المرة بطرق غير قانونية تتجلى في بعض عمليات الاستحواذات التي تجرى في السوق من مجاميع وأفراد تستهدف هذه الشركات بطرق ملتوية، رغبة في اقتناء الثمين من هذه الأصول، حيث كشفت مصادر استثمارية لـ "الجريدة" أن عمليات تحقيق تدقيق أجرتها الجهات الرقابية أخيرا حول استقالات تمت في مجالس إدارات شركات اعتراضا على بعض العمليات غير السليمة التي جرت بهدف تفريغ هذه الشركات من أهم وأجود أصولها.

وقالت المصادر إن الفترة الماضية شهدت قيام بعض الشركات بالاستحواذ على شركات أخرى، وأتمت عمليات تخارج أعلنت الشركة من خلالها تحقيق خسائر كبيرة، إذ استندت في ذلك الى صعوبة التخلص من هذه الأصول في ظل الظروف الحالية الصعبة التي تندر فيها السيولة المتوافرة، وبالتالي لا بأس من التخارج منها لطالما تنوي الجهات التي قامت بعمليات الاستحواذ الدخول في أنشطة جديدة تحقق لها عائداً أفضل لها ولمساهميها.

Ad

ودخلت بعض الشركات أخيرا على أخرى مدرجة وغير مدرجة من خلال مد حبل الأمل الزائف للمساهمين الصغار بأن الشركة على وشك الخروج من أزمتها، وأن الشريك الاستراتيجي القادم عن طريق عملية الاستحواذ سيعمل على تعديل هيكل الشركة ماليا وإداريا، وسيضخ الأموال في عروق الشركة، ليفيق هؤلاء المساهمون من الغيبوبة، ليجدوا شركاتهم "خاوية على عروشها" يعد تفريغها من أصولها.

واستغربت المصادر قيام بعض الشركات بالاستحواذ على أخرى تعاني مشكلات في قوامها المالي والإداري، وفسرت ذلك بأن مهمة إدارات الشركات في تلك الظروف هي تفريغ تلك الشركات من الأصول الجيدة والمتميزة كافة، وهو ما يبرر حرص تلك الشركات على إتمام بعض التخارجات وتحقيق الخسائر من عملية إتمامها.

«حكم الأقلية»

وذكرت المصادر ان السبب الرئيسي وراء كافة السلبيات والمشاكل التي يعانيها السوق الكويتي هي تمكين فئة قليلة من المساهمين للسيطرة على مقدرات ومصالح الأغلبية «المتفرقة»، الأمر الذي يمكّن الأقلية التي تمتلك غالبية الأسهم من السيطرة على مجالس الإدارات والتربح من خلال إبرام صفقات وعقود وهمية، والتربح بطرق ملتوية من خلال تصفية تلك الأصول.

طامة كبرى

ولفتت المصادر الى أن توجه وزارة التجارة والصناعة بإلغاء دورها الرقابي، والانتقال الى الدور الإجرائي من خلال إصدار قرار "العمومية سيدة قراراتها" يعد طامة كبرى، إذ إن حقوق الأقلية التي خلقت التشريعات من أجل الحفاظ عليها ومنع أي تعديات عليها ستكون في مهب الرياح، لطالما ستكون الأولوية في اتخاذ القرار "لأصحاب كبار الملاك، خاصة أنه لم يعتد بعملية التصويت التراكمي في الجمعيات العمومية.

وبينت أن المادة 269 من قانون الشركات ألزمت وزارة التجارة والصناعة ببحث أي شكوى تقدم من كل ذي مصلحة، فيما يتعلق بتنفيذ أحكام القانون، كما أن المادة 297 تشير الى أنه في حال تبين وجود مخالفات لأحكام القانون أو عقد الشركة، أو أن القائمين على إدارة الشركة أو مؤسسيها قد تصرفوا تصرفات تضر بمصالح الشركة أو مساهميها أن يتم الدعوة الى عقد جمعية عمومية لتصحيح هذه المخالفات، مشيرة الى أنه في حال ترك الحبل على غاربه ونقل الشكاوى الى طريق القضاء يعني طول فترة استرداد الحقوق.

ولفتت الى أن إيقاف الشركات أو شطبها يساهم في طمس الحقيقة ويساعد المتسببين في خسارة تلك الشركات والمتربحين منها على الإفلات من العقاب، والتمتع بما تحصلوا عليه من دون وجه حق، مضيفين أنه بدلا من اتخاذ القرارات بالإيقاف والشطب والقضاء على البقية المتبقية من استثمارات المساهمين الصغار ينبغي على الجهات الرقابية تحويل المسؤولين الى النيابة بما تحت أيديهم من مستندات ووثائق تثبت تلاعبهم والتداولات والصفقات والمشروعات الوهمية.

من التفريغ إلى التفريخ

وأشارت المصادر الى أن غالبية الشركات المتعثرة هي شركات تم تأسيسها من خلال سياسة التفريخ التي اتبعتها العديد من الشركات قبل الأزمة وفي أوقات الرواج، حيث حولت بعض إداراتها أو أصولها الى شركات مستقلة للحصول على المزيد من القروض والإمعان في ذلك من خلال سعيها لإدراج تلك الشركات لجمع المزيد من الأموال عبر طرح أسهم تلك الشركات في البورصة، ثم التلاعب في تداولات تلك الأسهم من خلال خلق مستويات وفجوات سعرية غير حقيقية عبر المضاربات.

«تفحيص وتمحيص»

وأكدت ضرورة متابعة «هيئة الأسواق» و«وزارة التجارة والصناعة» عمليات الشركات و"تفحيص وتمحيص" على كل العقود والمواثيق التي تتعلق بعمليات نقل وبيع الأصول.

وأضافت أنه يحق للشركاء والمساهمين الذين يملكون 5 في المئة على الأقل من رأسمال الشركة في تعيين مدقق حسابات لإجراء تفتيش على الشركة، أن يتقدموا بطلب لوزارة التجارة والصناعة، مبينا فيه مبررات هذا الطلب والوقائع التي ينسبونها إلى المدير أو أعضاء مجلس الإدارة أو مراقب الحسابات أو الرئيس التنفيذي للشركة والمخالفات التي ارتكبوها في أدائهم لواجباتهم، ثم يمكن الاستفادة من ذلك الخيار في التدقيق على أصول الشركة، وماذا جرى عليها؟

اتفاق غير معلن

ولفتت المصادر الى أنه بعد رفض النيابة العامة بعض الملفات المحالة إليها من وزارة التجارة والصناعة بخصوص الشركات الممتنعة عن تقديم بياناتها المالية أو ميزانياتها هناك اتجاه للبنك المركزي والتجارة وإدارة سوق الكويت للأوراق المالية لرمي كرة المسؤولية أمام مساهمي الشركات لتحمّل مسؤولية اتخاذ الإجراءات القانونية، حيث إن معظم العقوبات المدونة لدى الجهات الرقابية لا تتعدى توقيع المخالفة أو فرض عقوبات وغرامات على الشركات، تدفعها من أموال مساهميها من دون الكشف عنها.

وذكر أن إجراءات وزارة التجارة تقتصر فقط على تلاوة مخالفات الشركات التي تقع تحت إدارتها في الجمعيات العمومية، وإصرارها على ذلك حسب نص المادة 178 من قانون الشركات، إضافة إلى إجراءات بنك الكويت المركزي، بإلزام الشركات الاستثمارية والبنوك بضرورة الكشف عن المخالفات والعقوبات التي يتم توقيعها على الشركات المخالفة، وهكذا تشير إلى الرؤية الجديدة للجهات الرقابية في توضيح الأخطاء والتجاوزات والعقوبات أمام المساهمين، فعلى سبيل المثال تصل عقوبات "المركزي" إلى توقيع غرامات مالية بمئات الألوف على المساهمين دفعها وعندئذ عليهم محاسبة إدارات شركاتهم.

تبقى الإشارة إلى أن الجمعيات العمومية قلّما تشهد تحركا حاسما للمساهمين، وأن مجالس الإدارات تدير العموميات باسم الأغلبية، ولا عزاء للآخرين مهما كانت اعتراضاتهم وجيهة.

ورجحت المصادر وجود شبه اتفاق غير معلن بين الجهات الرقابية على وضع المخالفات غير السليمة أمام مساهمي الشركات لإبعاد المسؤولية عنها، وفضح الإدارات والقرارات غير السليمة، وترك الإجراءات القانونية والإحالة إلى النيابة إلى قرار المساهمين حسب رؤيتهم للتجاوزات المرتكبة.