يوم القدس في المسجد الأقصى
لن يتوانى الفلسطينيون العاديون عن القيام بكل ما يستطيعون فعله للحفاظ على القدس، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وكل المقدسات، ومن تعمق في مشهد القدس يوم الجمعة الأخيرة من رمضان يستطيع أن يفهم ما يدور في وجدان كل فلسطيني وفلسطينية تجاه القدس.
صادف يوم القدس هذا العام في الجمعة الأخيرة من رمضان أن تكون ليلته ليلة القدر، حيث أكثر من أربعمئة ألف فلسطيني وفلسطينية، أي ما يقارب نصف المليون نجحوا في الوصول إلى المسجد الأقصى في هذه الجمعة رغم الحواجز والمضايقات والقمع، ورغم منع كل سكان قطاع غزة، وأكثر من ثمانين في المئة من شباب ورجال الضفة الغربية، من دخول القدس.آلاف من الشباب أُعيدوا عن الحواجز، وكثيرون منهم أصيبوا بالجراح وهم يقفزون عن الجدار كي يصلوا إلى القدس، ولم يتورع جنود الاحتلال عن إطلاق الرصاص الحي على شبان حاولوا العبور للقدس فأردوا برصاصهم الفتى، أو بالأحرى الطفل، عبدالله لؤي غيث الذي لم يتجاوز عمره ستة عشر عاما، وأصابوا بجراح فتيانا آخرين.وأضاف جنود الاحتلال شهيداً آخر هو الشاب يوسف وجيه من قرية عبوين، الذي ادعوا أنه هاجم الجنود في منطقة باب العامود، لكن الشعب الفلسطيني فهم بعمق الرسالة التي حاول نتنياهو وفريق ترامب إرسالها، عبر ما يسمى "صفقة القرن" ومضمونها أن عنوان المعركة الدائرة على فلسطين هي القدس.
ولذلك لم، ولن، يتوانى الفلسطينيون العاديون عن القيام بكل ما يستطيعون فعله للحفاظ على القدس، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وكل المقدسات، ومن تعمق في مشهد القدس يوم الجمعة الأخيرة من رمضان يستطيع أن يفهم ما يدور في وجدان كل فلسطيني وفلسطينية تجاه القدس. مئات آلاف الرجال والنساء والشيوخ والأطفال يتحملون حرارة الصيف، وظمأ الصيام، ومشاق السفر، كي يصلوا إلى القدس، وآلاف المتطوعين من مسعفين ومرشدين ومنظمين، يتطوعون دون مقابل لإسناد المصلين. وتجار وسكان البلدة القديمة يتبارون في تقديم الطعام والشراب للصائمين، دون تمويل أو توجيه من أحد، وحملة رشاشات الماء الذين يتجولون في ساحات الأقصى للتخفيف من حرارة الصيف القائظ، وبعضهم أفراد يحملون مجرد زجاجة ماء صغيرة يرشون الماء منها على الناس.ونشطاء ومتطوعو الإسعاف يتبارون في تقديم العلاج والمساعدة لكل من يتعرض لعارض صحي، وروح التكافل والتضامن الرائعة التي رأيناها في القدس، وفي المسجد الأقصى، ذكرتنا بمظاهر العطاء نفسها التي شهدتها القدس في معركتها الباسلة قبل نحو عامين ضد بوابات نتنياهو، والتي تحولت إلى هبّة شعبية انتصرت على نتنياهو، وأجبرته على التراجع. وذكرتنا أيضا بما عشناه كشعب بكامله أيام الانتفاضة الشعبية الأولى، والتي جسدت مبادئ تنظيم النفس، والاعتماد على النفس، وتحدي إجراءات وقوانين الاحتلال، ولم تكن مصادفة أن نلتقي ونحن نسير في شوارع القدس رجالا، بادروا لسرد ذكريات شبابهم ونضالهم المشترك أيام الانتفاضة الأولى. نعم كان يوم الجمعة، يوم القدس بلا منازع، ولكن من أحياه، وصانه، وقدم دماء شهدائه، وجراح أبنائه، وعطائه، كان الشعب الفلسطيني قبل أي كان، فهل تُسمع رسالة القدس التي نبضت بها أفئدة الفلسطينيين؟ * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية