فاز رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي مرة أخرى، فمع صدور نتائج الانتخابات العامة، حصد مودي مجدداً، كما فعل قبل خمس سنوات، الأكثرية المطلقة لحزبه بهاراتيا جاناتا، حائزاً أكثر من 300 مقعد في مجلس الشعب، وهو المجلس الأدنى في البرلمان الهندي. أما التحالف التقدمي المتحد، وهو ائتلاف يقوده المؤتمر الوطني الهندي، فلم يحصل إلا على 52 مقعداً، مواجهاً رفضاً مذهلاً لم يختبره أي حزب سيطر على الجزء الأكبر من السياسات الهندية منذ الانفصال والاستقلال عام 1947.
حيّر مودي مرة أخرى المحللين الذين اعتقدوا عموماً أنه سيواجه صعوبة في الحفاظ على قيادة واضحة وأنه سيحتاج على الأرجح إلى تشكيل ائتلاف لكي يحكم، وتوقعوا تراجع شعبيته نتيجة الضريبة على السلع والخدمات التي فُرضت في شهر يونيو عام 2017، وشكّلت عبئاً على الشركات الصغيرة، وتسببت ببلبلة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، ذكروا سحب 86% من العملة المستعملة من التداول في شهر نوفمبر عام 2016، علماً أن هذه الخطوة هدفت إلى علاج ما عُرف بالمال الأسود، إلا أنها ولّدت الذعر والفوضى، كذلك اعتُبر دخل المزارعين المنخفض وضعف توليد الوظائف في قطاع التصنيع من المسائل التي قد تنعكس سلباً على فرص إعادة انتخاب مودي. علاوة على ذلك، سادت بين النخبة المثقفة ووسائل الإعلام فكرة أن مكانة الهند كدولة علمانية، كما تؤكدها مقدمة دستورها الذي اعتُمد عام 1949، معرضة للخطر بسبب حزب بهاراتيا جاناتا، الذي تُلقبه الصحف الهندية بحزب الزعفران. ومن المعروف أن لون الزعفران يمثل الزهد والتقشف في الهندوسية ويظهر رمزياً في ألوان علم الهند الثلاثة. إذاً، لمَ حقق مودي انتصاراً ساحقاً آخر رغم هذه الأفكار السائدة؟أولاً، برهن مودي أنه سيّد الظهور بمظهر براق، مولياً اهتماماً كبيراً لصورته الذاتية المنمقة، والدقيقة، والمحددة بإتقان. تحدى مودي، الذي صوّر نفسه على أنه معادٍ للنخبة بأصوله المتواضعة كبائع شاي، عقوداً من البيروقراطية والبروتوكول المتجذرين، وقد يذكر المراقبون أيضاً أن مودي، كما يراه البعض من الشعب، هو الهند والهند هي مودي، كذلك نجح مودي بمهارة وإتقان في إبراز لون الزعفران في المنتديات العامة. ونحو نهاية العملية الانتخابية، انسحب إلى كيدارناث في الهملايا، التي تشتهر بمعبد مخصص للإله شيفا في الثالوث الهندوسي. هناك مارس التأمل في شال من الزعفران مدة 17 ساعة، أما مقر مودي فهو المدينة الهندوسية المقدسة بنارس التي تشتهر بمعبدها كاشي فيشواناث على ضفاف نهر الغانج المكرّس أيضاً للإله شيفا.ثانياً، يبدو أن الجزء الأكبر من القاعدة الانتخابية ينظر بعين الريبة إلى سلالة نهرو غاندي التي حكمت الهند طوال سنوات منذ عام 1947. مثّل خصم مودي الرئيس راهول غاندي، المتحدر من رئيس وزراء الهند الأول جواهر لال نهرو وحفيد إنديرا غاندي، قيم حزب المؤتمر التي تُعتبر على الأرجح إرثاً. دعمت هذه القيم الهند طوال سنوات كثيرة بعد الاستقلال: الاشتراكية الديمقراطية، العلمانية والشمولية، سيطرة الحكومة على الاقتصاد، العدالة الاجتماعية، والريبة من المؤسسات الخاصة. نتيجة لذلك، شُبّه نهرو بشجرة تين هندي ضخمة أمنت الظل والحماية، إنما لم ينمُ تحتها أي نبات. وبعدما شهدت الطبقة الوسطى الهندوسية بغالبيتها ثمار تخفيف القيود الاقتصادية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، صارت تدرك يقيناً اليوم فوائد الأسواق الحرة: النزعة الاستهلاكية، تكوين رأس المال، والمنافسة. ثالثاً صوّر مودي نفسه على أنه حامي الهند من خصومها. نحو منتصف عام 2017، تواجه الجيش الهندي وجيش التحرير الشعبي الصيني عالياً في جبال دونغكيا في دوكلام، وهي منطقة تتنازع عليها الصين وبوتان، أحد حلفاء الهند. تدخل آنذاك الجنود الهنود داعمين بوتان بهدف منع الصينيين من بناء طريق، ما أدى إلى مواجهة كارثية. وفي وقت ليس ببعيد، في شهر فبراير، ضرب سلاح الجو الهندي اهدافاً في باكستان عقب اعتداء إرهابي نُفذ في منطقة بولواما في كشمير. شكّل هذا رداً على تفجير انتحاري أدى إلى مقتل نحو أربعين شخصاً من العاملين في أجهزة الأمن الهندية. أعلن جيش محمد، وهو منظمة سنية متطرفة تسعى إلى طرد الهند من كشمير، مسؤوليته عن الاعتداء. وفي هاتين الحادثتين كلتيهما، تبنت الهند موقفاً عسكرياً عدائياً للدفاع عن مصالحها. إذاً، شكّل الظهور بالمظهر المناسب، غياب الشمس عن سلالة سياسية، والقومية الهندية القوى الحازمة وراء انتصار مودي. وهكذا خرج مودي، الذي يُعتبر أساساً شخصية قوية في الهند، أكثر قوة بعد فوزه بالأكثرية في عمليتين انتخابيتين متعاقبتين. أما على الصعيد الجيو-سياسي، فالهند موالية للولايات المتحدة ومن الضروري أن تظل شريكاً أميركياً مهماً بغية التصدي للصين، محاربة التطرف الإسلامي، والترويج للتجارة والاستثمار المباشر. * فرانك شيل* "ذي أميركان سبيكتايتور"
مقالات
لمَ حقق رئيس الوزراء الهندي مودي نصراً كبيراً؟
02-06-2019