رولا حمادة لـ الجريدة•: عندما كتبَت المرأة السيناريو أصبحت المواضيع أعمق
جسدت شخصية «سوزان» في المسلسل الرمضاني «خمسة ونصف»
عن شخصيتها المتأرجحة بين الحقد والرغبة في الانتقام والحزن، تحدثت إلى «الجريدة»:
• مشاعر متناقضة كثيرة في «سوزان»... لحظات حزن وألم من جهة مقابل لحظات غضب وحقد وانتقام، ما أهمية إبراز تلك التفاصيل في تركيب الشخصية؟
- برأيي لا إنسان خيّر في المطلق أو شرّير، بل يتفاعل إيجاباً وسلباً مع الظروف الملمّة به وبحسب محيطه، وكذلك «سوزان»، التي عملت على إظهار الالتباس في شخصيتها التي تتبدّل وفق ظروفها وما يحيط بها. فسلّط المخرج فيليب الأسمر الضوء على تلك التفاصيل، عامداً إلى إبراز لغة العيون وحركة الجسد، فلو لم يعط حيّزًا لإظهارها لما تلقفها الجمهور، وتفاعل مع الشخصيات سلباً وإيجاباً.
• أديت دور الأم المفجوعة بفقدان وحيدها في «وأشرقت الشمس» إلا أن الأداء في «خمسة ونصف» متمايز جداً، فكيف تحقق ذلك؟
- إن خلفية الشخصية وثقافتها وبيئتها ومحيطها تنعكس في كيفية تركيب هويتها وتفاعلها مع الأحداث، «فياسمين» فقيرة مغلوبة على أمرها، بينما «سوزان» من بيئة أرستقراطية ذات نفوذ سياسيّة، صاحبة شخصية قويّة ومثقفة.• ثمة حرب نظرات باردة تسيطر على العلاقة بين سوزان وغمار وبيان (نادين نجيم)؟
- أوّلا لاشك أن قصي ونادين ممثلان رائعان انسجمنا كثيراً معاً، وثانيًا، ركّز المخرج على تعابير وجهنا، خصوصا النظرات المتبادلة بيني وبينهما، لأنه يدرك تماماً أهمية لحظة الصمت التي توازي قيمة الحوار.• ثنائيتك بالممثل القدير رفيق علي أحمد، هل تعزين ذلك إلى خبرتكما الطويلة في المسرح؟
- لا يمكن تطبيق مبادئ المسرح في التلفزيون أو العكس، فلكل منهما خصوصية. كما توافر الانسجام بيني وبين قصي ونادين، كذلك في الثنائية مع رفيق علي أحمد، لاسيما أنه تجمعنا علاقة صداقة، وأعمال فنية عدّة، لذا توافرت العناصر اللازمة لتمايز ثنائيتنا، ومن أهمها قدرتنا على فهم بعضنا البعض بالنظرات من دون أن نضطر إلى تبادل الكلام في أثناء التصوير.• برأيك ما نقاط القوة المتوافرة في هذا المسلسل؟
- إضافة إلى القصة الجميلة هناك الإخراج الذي شكّل إضافة نوعيّة، فضلا عن أسلوب التصوير الرائع ومواقع التصوير، والاهتمام بإطلالة الممثلين الذين تم اختيارهم بعناية لكل الأدوار، الرئيسية والثانوية. وبكل موضوعية، ثمة احترافية في الأداء مردها إلى وضع الممثل المناسب بالموقع المناسب، وهذا الأمر لا ينطبق على سائر المسلسلات الرمضانية اللبنانية، واللبنانية المشتركة التي أتابعها، حيث هناك تفاوت في مستوى الأداء على مستوى الأدوار المساندة والثانوية.• تطرّق المسلسل إلى مواضيع الفساد والسياسة والعنف ضد المرأة، فما انعكاس ذلك على واقعية الدراما؟
- عندما نتحدث عن مشاكلنا الحقيقية نقدّم دراما لبنانية صحيحة، ولاحظنا أن المسلسلات الرمضانية المحلية هذا العام تناولت شكلا من أشكال الفساد.• لم تعد القصص الدرامية مرتكزة على ثنائية الحبّ ما رأيك؟
- انطلاقًا من مراقبتي للواقع الدرامي المحلي، اقتنعت، أنه عندما بدأت المرأة تكتب، تغيّرت المواضيع الدرامية، أي رأينا مساواة أكبر بين الرجل والمرأة، وأهمية أكبر لكل جيل ولكل دور. فلم تعد الدراما ترتكز على قصص الحب السطحية، بل تطرح إشكاليات أعمق. أمّا سبب إيلاء أهمية للأدوار المساندة الثانوية، فأعزو ذلك إلى أن أولى النساء الكاتبات كن ممثلات، مثل منى طايع وكلوديا مرشليان، لذا هما مدركتان تمامًا مشكلات الممثلين، فكتبتا بطولات جماعية. رغم أن ثنائية الحب بمنزلة طعم لجذب الجمهور، إنما ما يدور حولهما يتناول أهم المواضيع الحياتية اليومية التي يؤديها أفضل الممثلين.• هل تخطينا أزمة النصوص الدرامية؟
- لاتزال هناك أزمة في النصوص والإخراج على حد سواء، لأن منتجينا لا يفسحون في المجال أمام المواهب الجديدة، فهم معتادون على أسماء معيّنة، يلتزمون معها، رغم أن هناك كتّابا ومخرجين لامعين غير معروفين بعد.• هناك سخاء إنتاجي ينعكس على مستوى اختيار فريق العمل؟
- طبعاً، عندما تتوافر الأموال اللازمة للإنتاج عندها يتمّ اختيار الأفضل بدءاً من النصوص مروراً بالإخراج واختيار فريق العمل، وصولا إلى توافر التقنيات الأهم. في ظلّ الأزمة الاقتصادية اللبنانية نشكر شركتي الإنتاج اللتين تسخيان على الأعمال (إيغل فيلمز، وشركة الصبّاح)، خصوصا أن الدراما اللبنانية ليست تجارة مربحة في ظل الصعوبات المادية التي تمرّ بها محطات التلفزة.• هل هناك وعي أكبر لأهمية الممثل اللبناني وقدراته وعطاءاته التمثيلية؟
- أتمنى ذلك. لا أعتبره وعياً إلا إذا تكرر في المراحل المقبلة، لأن الممثل المذكور من قبلك لا يقبل بالشروط التي يقبل بها أي ممثل آخر، لهذا السبب يشارك في المسلسلات الرمضانية فحسب، حيث تكون الإنتاجات أضخم وأهم. إلى ذلك يتميّز هؤلاء بالنضوج الفنّي، وما الفنّ سوى تراكم خبرات، ومع تقدّم العمر يصبح هناك عمق في لغة العيون، يجعل المشاهد يرى الأبعاد الإنسانية للشخصية.• لهذا السبب سخّرت خبراتك في التعبير بلغة العيون والجسد في شخصية سوزان؟
- رغبت في تركيب هذه الشخصية انطلاقًا من الوعي والنضوج الفنيّ العالي الذي يأتي بفضل تراكم الأعمال، والذي يجب الاجتهاد في سبيل بلوغه. برأيي لا عباقرة في التمثيل، لأن الفنان يمكن أن يقدّم أول لوحة، أول معزوفة، أول مسلسل أو فيلم، إنما تحتاج استمراريته إلى مجهود، لأن العفوية التي ارتكز عليها في البداية تنتهي ليبدأ بعدها العمل الجديّ. كلما نظر الجمهور إلى الفنان بعين كبيرة، أصبح الجهد مضاعفاً بهدف المثابرة لبلوغ الموقع الذي وضعنا الجمهور فيه، حتى نتخطاه ونتخطى أنفسنا.• هل هناك أعمال مسرحية جديدة؟
- نجهز حاليا مسرحية سُتعرض في سبتمبر المقبل على مسرح مونو. وهناك مشاريع درامية قيد الدراسة.• هل يمكن أن يتعب الممثل من المسرح بعد سنيّ الخبرة والعمل؟
- لا يمكن للممثل المسرحي التخلّي عن المسرح، لأنه الأساس في مسيرته المهنية.• أي طاقة تكتسبين منه؟
- إن لحظة العرض خاصة بالجمهور، أمّا المرحلة التي تسبقه، فهي الأساس. يجددّ الممثل أدواته كالصوت والتعبير والإحساس والجسد في أثناء التمارين، كما أن التكرار يجعله يكتسب قدرات في أداء جملة معيّنة مرّات عدّة بإحساس مختلف وطريقة مختلفة فنكتشف ذواتنا من جديد ونغوص في أعماقنا.• هل تستخدمين تلك التمارين لأداء دورك التلفزيوني؟
- نحضّر الشخصية بشكل فرد يقبل الوصول إلى موقع التصوير، حيث لا وقت متوافر للتمارين، نظرا لكلفة الإنتاج التلفزيوني، من هنا أهمية اختيار الممثلين الأكثر خبرة للأدوار الصعبة.• إلى أي مدى يمكن تحقيق التغيير في الفساد من خلال العالم الافتراضي؟
- إن مواقع التواصل الاجتماعي بمنزلة موقع «لفشّ خلق» الناس الذين يعبّرون عن آرائهم، فتتعاطف مع بعضها البعض. صحيح أن النقمة تبقى افتراضية، لأن الشعب اللبناني لا يتحرك أبداً لتغيير الواقع، فيكتفي بالثورة في العالم الافتراضي، ومن ثم عندما تأتي الانتخابات يعيد انتخاب الطبقة السياسية نفسها التي يثور عليها.• ألا تظنين أنه لم يعد هناك احترام للرأي الآخر؟
- انطلاقاً من تجربتي الخاصة في السوشيال ميديا، وانطلاقاً من أننا مجتمع يلتزم معايير أخلاقية معيّنة تربى عليها، تبقى نسبة إبداء الرأي بتجريح محدودة جداً. على كل إذا تخطّى أحدهم حدود الاحترام ليس بالضرورة أن يتلقى تعليقات بالمستوى نفسه، فهذه لم تعد حريّة رأي!النقمة الشعبية افتراضية ولا تحرّك لتغيير الواقع