تبوح منطقة تونا الجبل بأسرارها الفريدة كلما زادت أعمال التنقيب الأثري بها، حيث كشفت بعثة مدرسة حفائر المركز العلمي للتدريب بمصر الوسطى أخيرا عن بقايا بيت أثري كان جزءا من مجمع سكني من العصر البطلمي.وقال المدير العام لآثار مصر الوسطى جمال السمسطاوي، إن أعمال الحفائر في تلك النطقة التي تقع جنوب القاهرة إن المنزل مكون من ثلاث غرف، وصمم على الطراز البرجي للمنازل، وهو الطراز الشائع خلال العصر البطلمي.
وعثرت البعثة على بقايا امفورات من القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي، وبقايا عظام حيوانية لأحصنة وحمير، وأربعة أوستراكات مكتوب عليها نص باللغة اليونانية والخط الديموطيقي.وتم العثور أيضا على مجموعة من العملات الفضية كانت موجودة داخل صرة من الكتان موضوعة أسفل أحد أركان أرضية المنزل، وبدراسة هذه العملات تبين أنها ترجع للفترة ما بين الملك بطليموس التاسع والملك بطليموس الحادي عشر.من جانبه، قال مدير موقع مدرسة الحفائر أحمد حماد، إنه تم تدريب الملتحقين بالمدرسة على أساليب الحفاظ على نتاج الحفائر من عظام حيوانية، وتصنيفها من حيث عظام الثديات والطيور والأسماك والزاحف، وأساليب التفرقة بينهم.
معالم تونا الجبل
ومن المعروف أن قرية تونا الجبل تزخر بالأبنية والسراديب والمقابر، خاصة مقابر الحيوانات، فتوجد بالقرية مقابر قردة البابون وطيور الإيبيس وبيضها، وهي الحيوانات المقدسة للإله تحوت، إضافة إلى جبانة مدينة هيرموبوليس، ومقبرة الكاهن بيتوسريس الكاهن الأكبر للإله تحوت، والتي ترجع إلى عصر البطالمة. أما السراديب، وهي ممرات محفورة في الصخر، فقد كانت مخصصة لدفن طيور أبو منجل المقدس، والقردة بعد تحنيطها.ومن أشهر ما يميز القرية وجود جبانة تونا الجبل، وهي الجبانة المتأخرة لمدينة الأشمونين وتمثّل أهمية خاصة، لأنها تبرز مظاهر التزاوج الفني بين الفن المصري القديم والفن اليوناني، وتضم المنطقة آثارا عدة، منها إحدى لوحات حدود مدينة أخناتون، وهي أحسن لوحات حدود المدينة حفظاً، نحتت في أحد صخور المنطقة قبل مدخل جبانة تونا الجبل، وعليها صور إخناتون ونفرتيتي وبناتهما يتعبدون للإله آتون، إضافة إلى النص المصاحب والمتكرر في كل اللوحات تقريباً، وأسفل اللوحة توجد أجزاء من تماثيل مجسمة لكل من إخناتون ونفرتيتي وبناتهما.كما توجد مقبرة إيزادورا، ومقبرة بيتوزيريس، والأولى عبارة عن مجموعة ضخمة من الممرات المنقورة في الصخر، والتي كانت مخصصة لدفن طيور أبومنجل المقدسة، وكذلك القردة بعد تحنيطها، وكانت المومياوات توضع في توابيت فخارية أو خشبية أو حجرية، وتضمنت السطوح الخارجية لبعضها نصوصاً بالخط الديموطيقي. وسميت مقبرة إيزادورا على اسم فتاة قيل إن اسمها إيزادورا، عاشت فيما يبدو في القرن الثاني قبل الميلاد، وغرقت وهي تعبر نهر النيل للقاء حبيبها. وقد رثاها والدها بمرثية شعرية كتبت باليونانية، وسجلت على جدران المقبرة.أما مقبرة بيتوزيريس فهي مقبرة فريدة في عمارتها وفنونها، فعمارتها تماثل عمارة المعابد المصرية في الدولة الحديثة، وفنونها جمعت بين الفنين المصري واليوناني في بعض الحالات، وفي حالات أخرى أبرزت الفن المصري بخصائصه الأصيلة، والفن اليوناني بخصائصه المميزة له.وكان بيتوزيريس الكاهن الأول للإله جحوتي سيد الأشمونين، وقد أعد لنفسه ولوالده ولشقيقه هذه المقبرة، حيث دفنوا فيها جميعاً. وتزخر المقبرة بالعديد من المناظر الدنيوية، مثل الزراعة والحصاد، وجمع العنب وعصره، ورعي الطيور والحيوانات، والمنظر الشهير لبقرة تلد، إضافة إلى مناظر الصناعات الحرفية المتعددة والدينية، مثل الجنازة ومقدمي القرابين، وعبادة الآلهة، وبعض فصول كتب الموتى.كما توجد بالقرية الساقية الرومانية وهي صهريج أو خزان مياه شيّد تحت سطح الأرض بالطوب الأحمر، وتبدو على شكل بئر أسطوانية يصل عمقها إلى حوالي 40 متراً، وهي أضخم خزان مياه من نوعه في مصر، وقد شيد في العصر الروماني.