إخوة يوسف!
إذا كانت القضية الفلسطينية لا تزال ضمن أولويات دول الخليج أو جزءاً من استراتيجية أمنها الإقليمي مع الاستعداد لتقديم مليارات الدولارات لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وفك الحصار عنه فمن الأولى أن يتحوّل الاهتمام بالقضية الفلسطينية باتجاه دعم الفلسطينيين مباشرة.
تعامل العرب مع القضية الفلسطينية في عهد ترامب ونتنياهو يذكرنا بقصة نبي الله يوسف، عليه السلام، مع إخوته، وفكرة التخلص منه من خلال إلقائه في البئر حياً حتى يخلو لهم وجه أبيهم، وصفقة القرن التي يهندسها صهر الرئيس الأميركي كوشنر الصهيوني هي الجب الذي يراد أن ترمى فيه فلسطين بأرضها وقدسها وشعبها وأجيال اللاجئين ممن هجرتهم الصهيونية بمباركة بريطانيا والولايات المتحدة منذ عام 1948.ومع الأسف الشديد، فإن دول الخليج التي طالما كانت أحد حصون القضية الفلسطينية خصوصاً فيما يخص الدعم المالي واستخدام الثروة النفطية فيه كسلاح مكمل للبندقية العربية قد تم اختيارها مقبرة للفلسطينيين، وذلك من خلال المؤتمر الاقتصادي المزمع إقامته في البحرين بعد عيد الفطر.
وما يرثى له الحال أن يكون الخليج بموروثه العربي والإسلامي هو أداة خنق القضية الفلسطينية بأبعادها القومية والدينية والإنسانية في وقت تعيش فيه الحكومة الصهيونية وراعيتها الإدارة الأميركية الحالية أضعف حالاتها، بل يشهد الطرفان ترنحاً سياسياً غير مسبوق في تاريخهما، فالرئيس الأميركي بات أبرز شخصية منبوذة في العالم وحتى في الداخل الأميركي، فلم يبق لديه من أصدقاء ولا مستشارين ولا مؤسسات الدولة العميقة إلا انتقدته بقوة، في حين يستعد الكونغرس للبدء بإجراءات عزله، أما نتنياهو الذي وفر له ترامب كل ما يملك من نفوذ ودعم، وراح يوهم العالم أن العرب باتوا أصدقاءه فقد فشل في تشكيل حكومة رفضها حتى اليمين الإسرائيلي المتطرف، كما تحاصره تهم الملاحقة القضائية في قضايا الفساد، ومع ذلك يراهن العرب على هذين الحصانين الخاسرين اللذين فقدا حتى هيبتهما العسكرية، فإسرائيل وقبتها الحديدية تهاوت أمام بضعة صواريخ قادمة من غزة، وترامب سحب أسطوله الحربي من مياه الخليج بعدما شفط مئات المليارات من الدول الخليجية، وبدأ بلحس تهديداته لإيران والتلميح للحوار دون شروط مسبقة.أما منتدى البحرين فقد قاطعه الفلسطينيون بكل انتماءاتهم بما في ذلك السلطة الفلسطينية التي وقعت مع إسرائيل اتفاقية السلام منذ ثلاثين سنة، بل ألمحت إلى الخروج من كل تلك الالتزامات، ولا توجد أية مؤشرات لمشاركة إقليمية أو عالمية فعالة لإنجاح هذا المشروع الأميركي على حساب أموال الخليجيين.صفقة القرن في الحقيقة ولدت ميتة وأعلنت معظم الدول العربية وفي مقدمتها مصر والأردن والمغرب والعراق والجزائر وتونس ولبنان وكذلك تركيا وماليزيا وباكستان وإندونيسيا وغيرها رفضها للمشروع، فحري ألا تكون دول الخليج في فوهة المدفع دون أن تحقق لها هذه الصفقة أي مصالح سياسية أو أمنية في وقت تعاني ميزانياتها عجوزات مالية غير مسبوقة وتنتظرها مشاريع كبرى لضمان تنويع مصادر الدخل.لكن إذا كانت القضية الفلسطينية لا تزال ضمن أولويات دول الخليج أو جزءاً من استراتيجية أمنها الإقليمي مع الاستعداد لتقديم مليارات الدولارات لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وفك الحصار عنه فمن الأولى أن يتحوّل الاهتمام بالقضية الفلسطينية باتجاه دعم الفلسطينيين مباشرة وضخ الأموال المعلن عنها باسم القضية الفلسطينية مباشرة دون وصاية الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني، تطبيقاً للجانب الإيجابي من قصة يوسف وإخوته "هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا".