ودّع رمضان بالتحلل من مظالمك
هذا الشهر الكريم قد غادرنا، تنافس فيه الناس بالطاعة، وأكثروا فيه من العمل الصالح، وتسابقوا لأداء الواجبات وتقديم النوافل، إنها بركة الشهر الفضيل، الذي ينتظره المسلمون عاماً بعد عام، لكن ليس هذا فحسب ما هو واجب علينا في الدين.في شريعة الله تعالى حقوق لرب العباد، وحقوق للعباد، فطوبى لمن وفّى بالأولى وكفّى بالثانية، والخسارة لمن فرط في إحداها، وعاقبة السوء لمن جحد الأولى وبخس الثانية.
بقدر ما تهتم بصلاتك وصيامك وزكاتك عليك تعظيم حق الناس عليك، من ترعاهم ومن تعولهم، من تتولى أمرهم أو من ولّيت عليهم، ومن تجاورهم، ومن تتصرف بأموالهم، وعامة الناس، فلكل إنسان تعامله حق عليك أن تعدل معه وتعطيه حقه ولا تبخس منه شيئاً.قد ختمت القرآن الكريم في هذا الشهر، فلعلك مررت بآيات بر الوالدين، وقرأت الرحمة والمودة والتفريق بالإحسان مع الزوجة، ورعاية ذوي القربي والجيران، واطلعت على حرمة أكل مال اليتيم بالباطل، والنهي عن بخس الناس أشياءهم، وكثرة بغي الشركاء على بعضهم، وعظمة الوفاء بالعهود، وأن كرامة الناس بالتقوى، والوصية بالأخلاق الواجبة في التعامل مع الآخرين، ثم مررت مراراً وتكراراً بالنهي عن الظلم والأمر بالعدل، فالآن وبعد ختم القرآن الكريم وقضاء الصيام لا تفوت الالتزام بهذه الأخلاق العظيمة.لو تفكر كل إنسان منا سواء أكان مسؤولاً أم مواطنا عادياً، بخس الناس حقهم من أهله أو أقربائه أو جيرانه أو من تعامل معه أو مع الموظفين عنده، أنه في هذه الليالي المباركة، وفي حين هو نائم، إذ هناك من يدعو ربّه أن يقتص له ويأخذ حقه منه في الدنيا والآخرة، فهل يفرح هذا الظالم بذاك الدعاء مهما كانت عباداته وطاعاته؟ رمضان موسم طيب لترويض النفس عن شهواتها، وهو كذلك فرصة عظيمة لتحلل الإنسان من مظالمه، فيا أيها الإنسان مهما كان منصبك وموقعك ومكانتك، قف قليلاً في حياتك وتخلص من المظالم التي بيدك، وتذكر أن "الظلم ظلمات يوم القيامة"، وأنه بقدر سرعة فوات أيام الصيام وانقضائها فكذلك أعمارنا سريعاً ما تصل لآجالها، كفانا الله وإياكم شر الظلم والظالمين، وتقبل الله طاعتكم وعيدكم مبارك.