«لا تكذبي»... أغنية حائرة بين عبدالوهاب ونجاة وحليم

كتبها كامل الشناوي على أنغام «الشموع السوداء»

نشر في 05-06-2019
آخر تحديث 05-06-2019 | 00:00
تناثرت الشائعات حول أغنية «لا تكذبي»، وشملت مؤلفها الشاعر كامل الشناوي، والمطربة نجاة الصغيرة، وحققت نجاحاً كبيراً عندما لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب ضمن أغنيات فيلم «الشموع السوداء» عام 1962، وغناها العندليب عبدالحليم حافظ، ومازالت تثير التساؤلات حول بطلتها الغامضة.
اشتهر كامل الشناوي بأشعاره الرومانسية والوطنية، ولعب دوراً مؤثراً في الأدب والصحافة المصرية حتى منتصف ستينيات القرن الماضي، وكان من الشعراء المقلين، ولم يترك سوى ديوانه الوحيد "الليل والحب والموت" وأوبريت "أبو نواس" وتغنى بقصائده كبار المطربين والمطربات، مثل "أنا الشعب" لكوكب الشرق أم كلثوم، و"حبيبها" و"لست قلبي" للعندليب عبدالحليم حافظ، و"يوم بلا غد" للموسيقار فريد الأطرش.

ونالت قصيدته "لا تكذبي" النصيب الأوفر من الشهرة، وعبّر خلالها بحس مرهف عن قصة حب دامية، ومشاعر متضاربة بين الحقيقة والخيال، وأصداء من حكايات العشق التي كتبها الشعراء القدامى، رغم أنه كان شاعراً حداثياً في عصره، ويتمتع بموهبة الإلقاء، وهناك بعض التسجيلات الإذاعية، وهو يلقي بعض قصائده بصوته المفعم بالحزن والشموخ.

تحولت "لا تكذبي" إلى مأساة في حياة الشناوي، وبعد أن غنتها المطربة نجاة، لاحقتها الشائعات أنها بطلة القصيدة، مما جعلها تنتفض غضباً، ونفت هذا الاتهام، وطلبت من محاميها مقاضاة الكاتب الصحافي مصطفى أمين، عندما ألمح في إحدى مقالاته أنها معذبة صديقه الشاعر المفرط في رومانسيته.

لم يكتف أمين بمقالته، بل سرد وقائع أخرى في كتابه "شخصيات لا تنسى"، وقال: "عشت مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء؛ المجد والشهرة والشعر، ولم تعطه شيئاً، أحبها فخدعته.. أخلص لها فخانته".

لم يصرح أمين باسم المطربة التي هاتفها الشناوي، ليسمعها قصيدته بصوت منتحب، وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة، قالت المطربة: "كويسة قوى.. تنفع أغنية.. لازم أغنيها"، مما جعل نجاة في مرمى الاتهام، وحينها تدخّل الموسيقار عبدالوهاب ليصلح بين الصحافي الشهير والمطربة المتألقة التي اشترطت أن يكتب اعتذارا في الصحيفة، لكنه رفض، وانتهى الأمر في ساحة المحكمة، وخسرت مطربة "لا تكذبي" القضية.

وتحولت "لا تكذبي" إلى لعنة طاردت الشاعر والمطربة، فالأول أصابه الاكتئاب، وتنامت نزعته التشاؤمية، وبدت قصائده الأخيرة مفعمة بالإخفاق والألم، وعدم الرغبة في الحياة، بينما ظلت نجاة لسنوات تنفي الاتهام، وأنها تكن للشناوي مشاعر التقدير لقيمته ومكانته الأدبية.

شموع وأنغام

تشابكت خيوط المأساة بين الشاعر والمطربة، وجمهور تجاوب مع كلمات مفعمة بالصدق، ولحن استثنائي للموسيقار محمد عبدالوهاب، وشدت نجاة بصوتها الرقيق "لا تكذبي" ضمن أغنيات فيلم "الشموع السوداء" للمخرج عزالدين ذوالفقار، وتناغمت أحداثه مع مضمون قصيدة الشناوي، ويحكي قصة شاعر أدمته خيانة حبيبته، وفقد بصره، وقام بدوره لاعب الكرة صالح سليم، وتساعده ممرضته إيمان (نجاة) على اجتياز أزمته.

لعبت "لا تكذبي" دوراً كبيراً في نجاح هذا الشريط السينمائي، وساهم التوزيع الموسيقي للفنان علي إسماعيل في إضفاء البريق على لحن عبدالوهاب، وتصاعدت الأنغام الموحية بثورة العاشق المغدور، وامتزجت بشدو نجاة عن حبيبة غامضة، دون أن تدري بسهام الاتهام التي لاحقتها بعد غناء هذه القصيدة.

ظلت قصيدة الشناوي حائرة بين صوت عبدالوهاب ونجاة وعبدالحليم حافظ، والأخير غناها في حفل بالقاهرة، وتجاوب معه الجمهور، وهو يشدو:

ويشبّ في قلبي حريق

ويضيع من قدمي الطريق

وتطلّ من رأسي الظنون

تلومني وتشدّ أذني

فلطالما باركت كذبك كله

ولعنت ظنّي

لا تكذبي..

ورحل الشاعر كامل الشناوي في 30 نوفمبر 1965، وفي ذلك اليوم أذيع خبر رحيله في نشرة الأخبار بالإذاعة المصرية، وظلت بطلة "لا تكذبي" أحد أسراره، وأشهر قصائده الرومانسية التي تحولت إلى أغنية، وتجاوب معها عشاق إبداعه المتفرد.

back to top