● كيف كانت نشأتك حتى عام ١٩٩٦ وأصداؤها على إبداعك؟

- ولدتُ في بيئة لا علاقة لها بالشعر بمعنى الكتابة، والانشغال به أو الاشتغال عليه، لكن في الوقت ذاته كان الشعر موجوداً في كل شيء من حولي، كنت أراه كل يوم في بساطة أمي وفساتينها الكردية المزركشة، وفي كبرياء أبي، وفي ثنايا أحاديث القرويين وصيحات العتالين والباعة والمجانين، وفي ألحان مزامير الرعاة الشجية، وفي عيون قطعانهم التي كانت ترعى في السفوح والسهول المجاورة.

Ad

كنت أراه في حبات الزيتون التي كانت تلمع تحت المطر على" شالات" الفلاحين في مواسم القطاف، وفي سنابل القمح التي كانت تلمع كعرائس ذهبية في أيادي الفلاحين، كنت أراه في الملاحم الكردية التي كان يغنيها جاري "علي عكاش" ويدوزنها على أوتار "طنبوره" العظيم، وأريد أن أذكر تأثير الشاعر الوحيد في ضيعتنا، صاحب ديواني "على دروب آسيا"، و"ليلة هجران" وغيرها من الدواوين، وهو الشاعر الراحل حامد بدر خان... هذا الجزء اليسير من المشهد الذي كان من حولي، وشكل وجداني وتكويني كان حاسماً للأخذ بيدي والتوجه بها لاحقاً نحو الكتابة والإبداع.

● البيئة تنعكس على النص، ماذا منحتك إقامتك في ألمانيا؟

- سنوات الغربة الطويلة في ألمانيا أنضجت تجربتي، وغيرت نظرتي لجميع الأشياء بما فيها طرق الكتابة. حرَّرت كتابتي من كل أنواع الرقابة، وجعلتني أكتب بحرية مطلقة. فتحت أمامي أبواب المعرفة والبحث والتقصي، ووهبت نصي أحلاماً ورؤى وخيالات واسعة، ومنحتني لغة جديدة أقرأ بها مباشرة غوتة وريلكه وهولدرلين ونوفاليس، ووطدت علاقتي بنهر الراين وصداقة بيتهوفن وموسيقاه.

• تُرجمت بعض أعمالك إلى لغات مثل الإسبانية، كيف كانت التجربة؟

- أعتقد أن شعري المترجم إلى الإسبانية، مترجم بشكل متقن كما لو أنه كتب بالإسبانية مباشرة، وهذا يسعدني. أستشف ذلك من خلال الأصداء التي يلاقيها من القراء وتفاعل الجمهور في المهرجانات والملتقيات التي أحضرها في أميركا اللاتينية. لذلك أنا ممتن لكل من الشاعر والكاتب والمترجم العراقي عبدالهادي سعدون المقيم في مدريد والكاتبة والمترجمة الفلسطينية المقيمة في نيكاراغوا غدير أبوسنينة والشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني المقيم في طنجة، والكاتب الكردي زنار آلا المقيم في ألمانيا، لأنهم نقلوا شعري بصدق ومحبة إلى الإسبانية.

● ما المهم توافره فيمن يترجم الشعر؟

- على المترجم أن يتقن اللغة التي يترجم منها وإليها، وأن يترجم بحدسه وحسه أكثر مما يترجم بعقله وتفكيره! ويجب أن يستوعب روح النص ويفهمه بعمق ويتقمصه قبل الترجمة، وكأنه هو كاتبه، وأن تكون لديه الجسارة في صياغة النص بما يتوافق مع اللغة المترجم إليها ولا يتوقف عند حرفية النص وتراكيب اللغة المكتوب بها، بمعنى أن يكون خائناً ذكياً وحاذقاً في نفس الوقت.

● أنت تكتب بالكردية والعربية... أي لغة تفضلها أم تتبع إحساسك كشاعر؟

- الأحاسيس الشخصية لا تختلف كثيراً من لغة إلى أخرى وقت الكتابة، لأنها مرتبطة بذات الكاتب ودواخله التي لا يمكن أن تكون مقسمة تبعاً للغة التي يكتب بها، بل هي متعلقة بشخصيته وتكوينه، لكن أساليب استخدام اللغة تختلف من لغة إلى أخرى، هنا ليس مجال الخوض فيها. ثمة مواقف ومشاهد ورؤى وخيالات ومشاعر وأحاسيس وأحداث وأمور كثيرة تمر في حياة الكاتب هي التي تحدد اللغة التي ينبغي أن يكتب بها.

● ماذا عن ديوانك الأحدث "حمى السفرجل"؟ ولماذا كتبت قصائده بالكردية؟

- "حمى السفرجل" صدر في برلين قبل نحو شهر. هو ديوان يشتغل على قيمة الحب واللوعة والفقدان واللهفة والشوق والشجن والغياب واللقاء والسهاد والأرق، والعناق، والقبل، والإيروتيك أيضاً. كتبته على مدار سنوات، ووضعته قصيدة بعد قصيدة في الأدراج حتى نضج، ورأى النور أخيراً في برلين عن دار أو شركة "سرسارا" كما يحلو لصاحبها الصديق الدكتور بشار مصطفى أن يسميها. أما لماذا كتبت قصائده بالكردية، فبشار أراد أن يكون بها، فكان له ذلك.

● كيف تنامت تجربتك الإبداعية مع كل ديوان أصدرته؟

- لا أدري بالضبط كيف تنامت، لكن هذا الولع بالشعر، والإحساس العظيم بشؤونه وشجونه، والمعرفة العميقة بضرورته وأهميته وقيمة وجوده في الحياة وإدمانه واستحالة التخلي عنه، وإقامته في القلب والروح والجسد، كل هذه الأشياء أبقتني يقظاً ودفعتني إلى أن أعتني بتجربتي الشعرية وأنميها لبنة لبنة وحجرة حجرة. عملت طويلاً لأجل الشعر. صرفت الأيام والليالي بصدق وإخلاص شديدين له، ومازلت.

● "أشجار ثملة" و"شجرتان" ديوانان في عشق الشجر... ماذا يبهرك في الأشجار؟

- "أشجار ثملة" كتبته بالكردية، ونشرت أغلب قصائده في موقع "كولتورنامه" الذي كان يديره الشاعر الكردي صدقي هروري من السويد. للأسف لم ينشر حتى الآن بالكردية، لكن نشر بالرومانية بمبادرة من المستشرق الروماني الكبير جورج غريغوري وترجمه ستيفان إيونيت، وصدر عن دارنشر "آرس لونغا " في بوخارست. أما ديوان "شجرتان" فصدر بالإسبانية في السلفادور، واختار العنوان صاحب دار النشر الشاعر السلفادوري أوتونيل غيفارا. أما ما يبهر الشاعر في الأشجار، فهو هذه الحياة التي تهبها لنا بمحبة وسخاء، والثراء الذي تهبه للأرض والطبيعة... فالأشجار هي حبيباتنا وأمهاتنا المغروسات في قلب الأرض، الأمهات اللواتي يهبننا الثمار والخضرة والظلال والرقة والعذوبة والجمال. الأشجار تزيح الجدب والتصحر، وتهب المأوى والمسكن والراحة والأمان للطيور والعصافير. لذلك تدعوني الأشجار لعناقها والكتابة عنها.

● أخيراً... ما جديدك؟

- أنتظر صدور مجموعة شعرية جديدة بالعربية، كما أنتظر صدور أنطولوجيا شعرية عالمية أنجزتها بتعاون مع الشاعرة التايوانية "مياو يي تو" عن مدينتي "عفرين"، التي تعرضت السنة الماضية لغزو وحشي من قبل الجيش التركي والمجموعات التابعة له، وهي بعنوان "السلام لعفرين... السلام لكردستان" شارك فيها عشرات الشعراء والشاعرات من مختلف دول العالم، تضامناً مع المدينة المنكوبة. كما سيصدر لي في تايوان خلال سبتمبر المقبل مختارات شعرية بالإنكليزية والتايوانية، ترجمة الشاعر التايواني "لي كواي شين".