• قبل سنوات، حذرت مرارا وتكرارا من سيناريوهات تفاقم العجز، وقد حدث... كيف ترى القادم؟ وكيف يمكن استدراك الوضع وهيكلة الاقتصاد إذ لا تزال الفرصة سانحة؟
- رغم النصائح والتحذيرات التي بدأتُ بإطلاقها قبل حوالي عشرين عاماً بشأن القيام بإصلاحات اقتصادية ومالية، والتي من أهمها معالجة الاختلال الهيكلي في الموازنة العامة للدولة من خلال تصميم وتنفيذ برنامج إصلاح مالي، فإنه لم يتم عمل أي شيء ذي أثر يُذكر في هذا الجانب حتى الآن. بل إن الوضع ازداد سوءا وصعوبة في إمكان وضع حلول ناجعة في هذا المجال، دون إحداث آثار سلبية جانبية، وذلك بسبب انفلات وتضخم حجم الإنفاق العام خلال السنوات العشرين الماضية، ووصوله الى مستويات قياسية غير مسبوقة، حيث زاد ذلك الإنفاق بأكثر من 4 أضعاف خلال تلك الفترة، وارتفع حجم المصروفات من حوالي 5 مليارات دينار الى 22 ملياراً، وتركزت الزيادة أساساً في مجال الإنفاق الجاري، وهذا أمر غير مسبوق في موازنات الدول بالعصر الحديث.ولم يقابل هذه الزيادة الفلكية في المصروفات أي زيادات فعلية محسوسة أو ملموسة في مستويات الإنتاج والابتكار، ولا حتى زيادات تُذكر في الإيرادات غير النفطية. لقد نصحنا في السابق بأنه بالإمكان تصميم وتطبيق مقترحات برنامج الإصلاح المالي بشكل متدرج تؤدي إلى معالجة ذلك الاختلال في الموازنة العامة، وذلك لكي نتحاشى الوصول إلى حالة حرجة وصعبة جداً في أوضاع المالية العامة، إضافة الى تحقيق بعض العدالة بين الأجيال، ولكن لم يتم أي شيء في هذا الصدد.وينبغي إدراك أنه إذا ما قررت الدولة الآن المضي قدماً بتنفيذ برنامج الإصلاح المالي، فينبغي تصميم خريطة طريق لذلك البرنامج بشكل لا تكون الجرعات السياسية فيه طاغية على الأمور الفنية المهنية اللازمة لنجاحه. وكما هو معلوم، فإن تنفيذ برنامج الإصلاح المالي في هذا الوقت ستنجم عنه بعض الآثار والنتائج السلبية التي ستمس شريحة من المواطنين من أصحاب الدخول المتدنية.وفي سبيل تخفيف وطأة نتائج بعض الإجراءات على المواطنين أصحاب الدخول المتدنية، من جراء تنفيذ برنامج الإصلاح المالي، أود أن أُشدد على ضرورة إيجاد حوائط صد لمواجهة تلك الآثار والنتائج السلبية، وذلك من خلال تشغيل وتفعيل منظومة شبكات أمان اجتماعية شاملة بُغية حماية المواطنين المذكورين من تلك الآثار. بل قد يستلزم الأمر في بعض الحالات دعم بعضهم ماليا، وفق شروط وضوابط واقعية تُلامس أبسط متطلبات الحياة الكريمة لهؤلاء المواطنين.وعلى جانب آخر، ينبغي ألا يغيب عن ذهننا ضرورة وأهمية وجود برنامج للإصلاح الإداري يواكب الإصلاح المالي.أما عن القادم، فحتى الآن لا أرى أي مؤشرات تُشير الى أن هناك رؤية ونية تُصوبان نحو وضع وتفعيل الحلول الشاملة والناجعة للتصدي لموضوع العجز المزمن في الموازنة العامة، علما بأن العجز الحقيقي أكبر مما هو ظاهر في تلك الموازنة، وذلك بسبب وجود مصروفات كبيرة لا تُدرج فيها، بموجب قوانين نصت على عدم قيام الدولة باحتسابها ضمن مصروفات الموازنة العامة، ويتم السحب من الاحتياطي العام لتغطيتها.وبناء على ما تقدم، فسوف يستمر تمويل العجز من خلال السحب من الاحتياطي العام حتى ينضب تماما، مصحوبا بالاقتراض من الأسواق متى ما تم إقرار قانون الدين العام، طالما لم يتم الوصول الى السبل الكفيلة بالقضاء على هذا العجز.أما عن كيفية استدراك هذا الوضع، فلا أود أن أُعيد ما تحدثت عنه كثيراً في مناسبات مختلفة، وتكلم أيضاً عنه كثير من الخبراء والمختصين، من ضرورة القيام بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، حيث قُدمت العديد من الدراسات والتوصيات في هذا الشأن.ومن زاوية أخرى، فهناك أمر أرى من الأهمية والضرورة أن يتم إيجاد وسيلة مناسبة لمعالجته، فليس من المنطق أن يتم تحويل 10 في المئة من الإيرادات العامة للدولة الى احتياطي الأجيال القادمة، وهناك عجز قائم ومستمر في الموازنة العامة، فهذا من شأنه أن يؤدي الى تضخيم العجز بشكل أكبر دون وجود أي مبرر مهني مقبول، وبالتالي سيؤدي الى مزيد من السحب من الاحتياطي العام، أو الاقتراض، أو كليهما لمواجهة ذلك الوضع غير السليم، مما يعني مزيدا من الاستنزاف لموارد الدولة المالية، إضافة الى تسجيل مزيد من الديون على كاهل الدولة، وهذا مع الأسف ليس به إنصاف للأجيال القادمة. ولتوضيح ما سبق، فلنفترض، على سبيل المثال، أنه خلال السنوات الخمس الماضية كان هناك مبلغ يحول سنوياً الى احتياطي الأجيال القادمة يبلغ ملياري دينار، وبالتالي فقد سحبت الدولة من الاحتياطي العام، أو قامت بالاقتراض، أو بخليط بين الاثنين، مبلغا يناهز 10 مليارات خلال تلك الفترة، وذلك فقط لتمويل عمليات التحويل السنوية الى احتياطي الأجيال القادمة المساوية لـ 10 في المئة من الإيرادات العامة للدولة، وذلك على الرغم من وجود عجز في الموازنة العامة حتى قبل احتساب مبلغ ذلك التحويل؟! ومعنى ذلك أن الدولة كبدت نفسها بأعباء مالية غير مبررة فنيا. فهل هذا معقول أو مقبول من الناحية الفنية والمهنية؟!سبب الجمود
• منذ سنوات طويلة وملف الخصخصة مجمد، لكن أخيرا تم طرح حصة 44 في المئة من شركة البورصة. ورغم أنها بصيص أمل، كيف ترى تلك الخطوة وتقيّمها؟
- إن سبب جمود ملف الخصخصة يرجع سببه الأساسي الى القانون ذاته المنظم لها، حيث أنبه كثيرا إلى القصور والقيود اللذين يكبلان يد المسؤولين، وهذا من شأنه تقليل فرص النجاح في تحقيق أهداف وغايات الخصخصة.ومما لا شك فيه، أن عملية خصخصة البورصة تُعتبر خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح المطلوب، وتواكب الممارسات العالمية في هذا الشأن. وما هو مطلوب الآن هو أن تكون هناك إدارة فعالة كفؤة تقود كافة شؤون البورصة بفعالية نحو الأهداف المنشودة التي تحقق غايات وطموحات هذه الخطوة المهمة.وغني عن البيان ضرورة تطبيق أنظمة الحوكمة والشفافية، وغيرها من النظم ذات العلاقة. كما ينبغي الإسراع بإضافة أدوات ومنتجات مالية جديدة الى السوق، كما هو متبع في أسواق الدول الناشئة والأسواق المالية العالمية.• هل برأيك الخصخصة بيع للبلد ومقدراته وتسليمها للتجار، كما يروج؟
- لا أتفق مع هذا الطرح بشكله المُطلق، خصوصا إذا كانت عملية الخصخصة مرتبطة ومشروطة بمنح المواطنين الحق في تملّك نسبة ليست قليلة من أسهم المشروع المطروح للخصخصة، فضلا عن أهمية وضرورة أن تكون الدولة صاحبة «سهم ذهبي» يسمح لها بوقف أي قرار تصدره إدارة الشركة، التي نتجت عن عملية الخصخصة، من شأنه أن تكون له أضرار أو انعكاسات سلبية على أمور قد ترى الدولة أنه من الضروري عدم المساس بها دون ضوابط عادلة حافظة للحقوق، لاسيما فيما يتعلق بموضوع العمالة الوطنية في الجهات والمرافق التي ستتم خصخصتها.• البورصة محور ارتكاز وانعكاس لأي اقتصاد... بعد 10 سنوات على الأزمة ما مستقبل السوق المالي؟
- بعد الجهود الكبيرة والمشكورة التي بُذلت في سبيل ترقية البورصة، ونجحت في ذلك والحمدلله، أرى أن مستقبل البورصة واعد، خصوصاً اذا ما تم إدخال أدوات ومنتجات مالية جديدة تتماشى مع ما هو موجود في الأسواق المالية المتقدمة، ويكون مصاحباً لذلك وجود رقابة حصيفة وفعالة، لضمان حُسن سير كل الأمور ذات العلاقة بشكل مهني وقانوني سليم، لكي يتم ترسيخ أجواء الثقة والطمأنينة المطلوبة لدى المتعاملين والمستثمرين.• بالنسبة للأزمة المالية العالمية... كيف ترى المشهد عالمياً؟
- أعتقد أنك تقصد الأزمة المالية العالمية التي ظهرت آثارها وتداعياتها خلال النصف الثاني من 2008، فمن الواضح أن تلك الآثار والتداعيات بدأت تنحسر خلال النصف الثاني من 2014. وعلى جانب آخر، هناك الآن بعض مؤشرات للمخاطر غير المريحة أخذت تلوح في الأفق، أولها ذلك الحجم الكبير جداً من الديون العالمية لـ(القطاعين العام والخاص والأفراد)، حيث شارفت قيمتها على بلوغ 250 تريليون دولار بنهاية النصف الاول من 2018. وأخذاً في الاعتبار أن مستويات أسعار الفائدة السائدة حالياً تُعتبر متدنية تاريخياً، وإذ من المتوقع انها ستبدأ في الارتفاع التدريجي، فإن من شأن ذلك أن يُثقل كاهل كثير من المقترضين بعبء زيادة مبالغ الفائدة المطلوب سدادها، مما قد يؤدي إلى عدم استطاعة كثير من المقترضين خدمة ديونهم، وبالتالي تعثرهم في السداد. وهذا الأمر سيؤدي إلى حدوث إرباكات مالية كبيرة لدى الجهات المقرضة. وهناك مؤشر آخر يُثير بعض القلق، وهو الصعود الكبير المتواصل غير المسبوق في مستويات مؤشرات الأسواق المالية العالمية، مصحوباً في ذات الوقت بتزايد وتيرة وحدة الحروب التجارية، وبزوغ النزعات الحمائية لدى بعض الدول. وهذان المؤشران يشغلان بال وشهية كثير من المستثمرين بشكل لافت، بالإضافة إلى السياسة النقدية المتشددة التي يتبعها البنك الفدرالي الأميركي. إن من شأن كل ذلك التأثير سلباً على أداء الأسواق المالية العالمية. وأخيراً، فقيام معظم الدول الصناعية الرئيسية باتباع سياسات حمائية مصحوبة بانكفاء داخلي ذاتي، وباتباع سياسات يشوبها الكثير من الغموض، سيؤدي إلى التأثير سلباً على أداء الاقتصاد العالمي. وهذا في نهاية المطاف له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي العالمي. وكما هو معلوم، فإن انخفاض وتيرة النمو الاقتصادي العالمي سيؤدي إلى انخفاض الطلب على كثير من السلع التي من بينها النفط، مما سيعمل على إلى انخفاض سعره.سيناريوهات مستقبلية
• ماذا عن الكويت بالنسبة للأزمة؟ هل نجزم أنها مرت بتداعياتها؟ وهل تحصنت من أي سيناريوهات مقبلة؟
- نستطيع القول إن دولة الكويت استطاعت تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية والحمدلله، لاسيما فيما يتعلق بأوضاع الجهاز المصرفي، حيث تُدلل على ذلك كل مؤشرات السلامة المالية مثل كفاية رأس المال، وجودة الأصول والسيولة والربحية. كذلك تجاوزت معظم القطاعات الاقتصادية المهمة الأخرى، خصوصاً القطاع العقاري، تداعيات تلك الأزمة، وإن كانت بدرجات متفاوتة.وفيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فمن الصعوبة بمكان القول ان الدولة بكل قطاعاتها قد تحصنت تماماً تجاه كل السيناريوهات المستقبلية المقبلة، حيث إن هناك سيناريوهات وعوامل ليس للدولة شأن بها أو باستطاعتها التحكم فيها، وبالتالي عدم قدرتها على الابتعاد كلية عن آثارها ومخاطرها المحتملة. فعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بانخفاض وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي انخفاض الطلب العالمي الذي تطرقت له في السؤال السابق، حيث ان من شأن ذلك أن يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط، وبالتالي سينخفض سعره، وما لذلك من انعكاسات سلبية على المالية العامة للدولة، وهذا أمر خارج عن سيطرة الدولة.• هل تحصين القطاع المصرفي كاف لحماية الاقتصاد؟
- مما لاشك فيه أن تحصين الجهاز المصرفي أمر مهم، ولكن موضوع حماية وتحصين الاقتصاد يستوجب معالجات أخرى تنطلق أساساً من القيام بتصميم وتنفيذ برنامج للإصلاح المالي والإداري، بالإضافة إلى التصدي لمعالجة الاختلالات الهيكلية الأخرى التي تواجه وتشوه أداء الاقتصاد الوطني.• تقارير عالمية تذكر أن الكويت من بين الأقوى ماليا في المنطقة، والمشهد الاقتصادي ربما لا يعكس تلك التقارير والدراسات، كيف ترى متانة الاقتصاد الكويتي؟ وماذا يحتاج من دعائم؟
- إن تلك التقارير التي تُشير إلى القوة المالية لدولة الكويت تستند أساساً على حجم الاحتياطات المالية الكبيرة المتاحة للدولة على المدى المتوسط، أي لفترة لا تتجاوز خمس سنوات. وتُعد تلك التقارير أساساً بغرض استخدامها من قبل الجهات التي تريد إقراض دولة الكويت. أما إذا ما تناولنا موضوع متانة الاقتصاد الوطني فينبغي الإقرار بأن الاقتصاد الكويتي يُعاني اختلالات هيكلية رئيسية. ومن أهم تلك الاختلالات الاختلال الهيكلي في الموازنة العامة للدولة، والاختلال في سوق العمل، وهو ما يمكن أن نُطلق عليه القنبلة الموقوتة، وأخيراً الاختلال في مساهمة القطاع الخاص المتواضعة في الناتج المحلي الإجمالي. وبدون التصدي السريع والحاسم لمعالجة تلك الاختلالات سيبقى الاقتصاد الوطني هشاً، مشوهاً، وغير منوع، وغير قادر على خلق فرص عمل كافية للمواطنين خارج القطاع الحكومي.• تاريخياً تعتبر من أشد المحفزين والداعين للدمج مصرفياً... هل دمج «بيتك» مع «المتحد» له فائدة للكويت واقتصادها؟
- لقد كنت منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي أنصح وأُشجع عمليات الدمج بين المصارف الكويتية، لما لذلك من نتائج وانعكاسات إيجابية على الوحدات المندمجة، وعلى مجمل أوضاع الجهاز المصرفي، وصرحت قبل فترة أنني أدعم عملية الدمج بين بيت التمويل الكويتي والبنك الأهلي المتحد مادامت تسلك المسار الفني والمهني والقانوني السليم، ومادامت الدراسات المتخصصة ذات العلاقة تُظهر نتائج إيجابية تدعم وتؤيد عملية الدمج المذكورة. وفي نهاية الأمر، فمُلاك هذين البنكين من يُقررون الموافقة من عدمها على الدمج، وذلك من خلال التصويت في الجمعيات العمومية للبنكين المذكورين. وكلي أمل ألا يتم وضع عراقيل مقصودة أمام مثل هذا التوجه مادامت كل الأمور الفنية والمهنية تكون داعمة لمثل هذا الدمج. ومن الأهمية بمكان أن يكون التركيز دائماً في أي عملية دمج بين أي وحدات اقتصادية على المنهجية المهنية الفنية والقانونية، وترك الأمور التي ليست لها صلة بذلك جانباً. وغني عن الذكر، فإن موجة الاندماجات والاستحواذات قد بدأت منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي، واستمرت على ذلك المنوال حتى الآن، فلقد اندمجت كيانات اقتصادية عالمية عملاقة مع بعضها، سواء كانت بنوكا أم شركات صناعية، أم شركات طاقة، أم شركات اتصالات، أم شركات تكنولوجيا وغيرها. وبالتالي فما لدينا الآن من حالة توجه نحو الدمج ليس بالأمر الجديد على الأسواق العالمية، وينبغي الاستفادة من تجارب من سبقونا. أما عن سؤالك بشأن ما إذا كانت هناك فائدة للكويت واقتصادها من عملية الدمج المذكورة، فالإجابة عنه هي أن حجم القطاع المصرفي سيصبح أكبر من حجمه الحالي، وستنشأ وحدة مصرفية عملاقة ربما تكون أكبر بنك محلي، وتتمتع بمستوى انتشار كبير جداً محلياً وخارجياً، مما سيؤدي الى مزيد من المنافسة المحلية والاقليمية، وهذا من شأنه الانعكاس إيجاباً على المتعاملين مع وحدات الجهاز المصرفي بشكل إجمالي، فضلا عن أن هذا الكيان العملاق الجديد أكثر كفاءة وملاءة مالية، وسيُحقق ربحية أكبر. ومن المفيد بمكان أن يمتد موضوع الاندماج الى داخل الحدود، بمعنى أن يتم الدمج بين بنوك كويتية، بإلإضافة الى خارج الحدود، كما هو الحال بدمج بيت التمويل والبنك الاهلي المتحد، أي اندماج بين بنك كويتي وآخر غير كويتي. كما ينبغي أن تُفكر وحدات اقتصادية أخرى من غير البنوك في موضوع الدمج وأهميته وفائدته لها على المدى المتوسط والطويل.• بالنسبة إلى القطاع المصرفي، هل يمكننا في ضوء نتائجه الأخيرة عن 2018 ومؤشرات الربع الأول 2019 أنه بات في أمان وبعيدا عن الأزمة؟
- بالتأكيد، فكل مؤشرات السلامة والأداء المالي ذات العلاقة لوحدات القطاع المصرفي تُشير بكل وضوح إلى أنه بات في مأمن، وبعيدا عن آثار ونتائج تلك الأزمة، وذلك منذ فترة زمنية ليست قصيرة.• منذ سنوات كان لكم رأي بضرورة الإسراع في رفع الضمان عن الودائع، لماذا يستمر حتى الآن.. هل من مبرر برأيكم تراه؟
- بداية، من المعروف أن مبرر أو مبررات وضع قانون لضمان الودائع بشكل شامل، ومن دون أي حدود لمبالغ تلك الودائع، هو في الأساس نفسي، لاسيما إذا كانت الأوضاع المالية جيدة لوحدات الجهاز المصرفي. ويستهدف ذلك القانون ترسيخ الثقة والطمأنينة لدى المودعين في البنوك الوطنية. ويتم وضع قانون لضمان الودائع في العادة خلال حدوث أزمة مالية في الدولة، أو لمواجهة تداعيات أزمة مالية إقليمية أو عالمية.وكما هو معلوم، فقد تم إصدار قانون ضمان الودائع في الكويت خلال الربع الأخير من عام 2008، وذلك لمواجهة أي آثار أو تداعيات قد تنشأ نتيجة الأزمة المالية العالمية ربما تُصيب أحد أو بعضا من وحدات الجهاز المصرفي المحلي.والحمد لله، لم يتعرض أي بنك محلي لحالة عدم استقرار في قاعدة ودائع عملائه، وبالتالي انتفاء حاجة تفعيل القانون المذكور تجاهه، وهذا مما يؤكد صلابة ومتانة أوضاع وحدات ذلك الجهاز من حيث السيولة والملاءة (كفاية رأس المال) منذ تاريخ صدور ذلك القانون وحتى الآن.وقد كان واضحا أن آثار الأزمة المالية العالمية أخذت بالانحسار بشكل لافت خلال النصف الثاني من عام 2014، وحيث إن أوضاع البنوك المحلية كانت آنذاك في وضع جيد، إن لم يكن ممتازاً، كما تشير إليه كل من بياناتها المالية الفصلية والسنوية، وتقارير صندوق النقد الدولي ذات العلاقة ومؤسسات التصنيف العالمية، إضافة الى التصريحات والتقارير المختلفة ذات الصلة الصادرة عن بنك الكويت المركزي، فبالتالي كان لازما، بل ضروريا، أن يتم رفع الضمان على الودائع من خلال إلغاء القانون الخاص بذلك الضمان، حيث أصبح لا حاجة حقيقية وفعلية له منذ النصف الثاني من عام 2014، إضافة الى أن الظروف المختلفة التي كانت سائدة آنذاك تساند وتدعم مثل ذلك التوجه، وكان ينبغي اقتناص مثل تلك الفرصة.وغني عن البيان، أن مثل ذلك الضمان يُعتبر في الواقع من قبيل الالتزامات المالية الطارئة على الدولة، ويجب إلغاؤه بكل تأكيد. وفي المرحلة الحالية، وعند التفكير في رفع ذلك الضمان، فمن المهم بمكان أن تكون هناك مواءمة في اختيار التوقيت المناسب والملائم لإلغاء ذلك الضمان، وفق ما هو سائد من معطيات ومخاطر اقتصادية ومالية وسياسية.• ما آثار استمرار الضمان ومخاطره، وهل يضمن منافسة عادلة؟
- إن استمرار ضمان الودائع، من الناحية النظرية والواقعية، له تأثير سلبي على المنافسة، إضافة الى ذلك، فهو قد يؤدي الى استمرار بقاء بعض جوانب الضعف والقصور، لاسيما في مجالات الحوكمة وإدارة المخاطر، دون معالجة صحيحة لدى بعض البنوك التي في حاجة إلى تحسين مستويات أدائها الفني والإداري والمالي الى المستوى المُراد، معتمدة بذلك على موضوع الضمان الشامل للودائع.وكما هو معلوم، فلقد دأب البنك المركزي منذ عام 2008 على التصدي الحازم لمعالجة جوانب الضعف المذكورة، على الرغم من أن مثل تلك الأمور تزيد من أعباء الرقابة على البنك المركزي، وهذه أيضا من ضمن الانعكاسات السلبية لموضوع ضمان الودائع. وبرأيي، فإن بقاء ضمان الودائع حتى الآن يُعطي انطباعا سلبيا من أن أوضاع البنوك المحلية ليست على ما يرام، وذلك بسبب استمرار العمل بذلك القانون حتى الآن وعدم إلغائه، كما فعلت معظم الدول التي وضعته أيضاً في عام 2008!!وهذا في الواقع لا يُعطي الانطباع السليم والحقيقي عن أوضاع البنوك الكويتية، حيث إنها تتمتع بأوضاع مالية ممتازة من جميع الجوانب.• البنوك تئن من السيولة ومتخمة بها... فهل استدانة الدولة من القطاع المصرفي أفضل أم استمرار السحب من الاحتياطي؟
- أكدتُ ونصحتُ مراراً، وبالتحديد منذ 2014، أنه من الأفضل للدولة أن تقترض من القطاع المصرفي المحلي من خلال إصدارات أدوات الدين العام بالدينار وبالعملة الأجنبية، سواء كانت سندات أو صكوكا، وذلك لتمويل عجز الموازنة العامة، علما بأن رصيد صافي الموجودات الأجنبية للبنوك المحلية قد بلغ حوالي 7 مليارات دينار في نهاية مارس 2019. ومن الأفضل أن تبتعد الدولة قدر المُستطاع عن السحب من الاحتياطي العام الذي ينبغي أن يُترك للطوارئ. إن موضوع استمرار استدانة الدولة دون وجود خطط لسداد تلك المديونية، ودون إحداث إصلاحات اقتصادية ومالية من شأنها معالجة موضوع العجز المستمر في الموازنة العامة، لا شك في أن ستكون له مخاطر جمة ينبغي أن نبتعد عنها ما استطعنا، إضافة الى أنه يزيد من حجم الديون الحالية والمستقبلية التي ستقع على عاتق الأجيال القادمة.• ما تفسيركم للتأخر في إقرار قانون استدانة الدولة عبر إصدارات البنك المركزي؛ هل من تفسير؟
- على الرغم من ضرورة وأهمية وجود قانون للدين العام يكون ساري المفعول بشكل دائم، يحدد وينظم موضوع اقتراض الدولة، إلا أنه حتى تاريخه لم يتم اعتماد وإقرار ذلك القانون على الرغم من انتهاء فترة فعالية وسريان القانون السابق لذات الموضوع منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة، وذلك على الرغم من أهميته والحاجة الملحة له الآن، أما عن أسباب التأخر في إقرار وإصدار القانون الجديد حتى الآن، فحقيقة لا علم لديّ عن تلك الأسباب.وبالمناسبة، فللتوضيح والتصحيح فيما ورد في السؤال، فاقتراض الدولة ليس من خلال أو عبر إصدارات البنك المركزي، بل إن البنك المركزي يُصدر نيابة عن الدولة أدوات الدين العام لكي يتم تمويل عجز الموازنة العامة.أما إصدارات البنك المركزي الخاصة فهي أدوات تختلف عن أدوات الدين العام، وغاياتها أساسا منصبّة على تنظيم مستويات السيولة لدى الجهاز المصرفي، وليس لتمويل عجز الموازنة العامة.جدوى الاستدانة
• ما جدوى الاستدانة في ظل استمرار انفلات السياسة المالية للدولة؟
- إن هذا السؤال وجيه جدا، فبالفعل طالما استمر الوضع بدون إصلاح وانضباط مالي، فسنستمر في الاقتراض والسحب من الاحتياطي العام. إن الاستمرار في تحقيق عجز مستمر وكبير في الموزانة العامة، وتمويله الدائم من خلال السحب من الاحتياطي العام من شأنه أن يؤدي الى نضوب ما تبقى من أموال سائلة في ذلك الاحتياطي خلال فترة زمنية قصيرة، وهذا أمر برأيي سيؤدي إلى مزيد من الانزلاقات نحو مخاطر عدة.وخلاصة القول، إننا بحاجة ماسة وعاجلة لمعالجة موضوع عجز الموازنة المستمر الذي له بكل تأكيد تداعيات خطيرة على المديين المتوسط والطويل، ونستطيع تحقيق ذلك إذا توفرت الإرادة والإدارة، فالكويت تمتلك كل مقومات النجاح المالي والاقتصادي، وهي تزخر بكل فخر بأبنائها وبشبابها أصحاب الكفاءة القادرين على العطاء والمشاركة، والذين يتمتعون بخبرات وقدرات رائعة.تخمة السيولة
• تخمة السيولة برأيكم ماذا تعكس، عجز في حركة الاقتصاد وطرح مشاريع منتجة أم ضيق فرص أم ماذا؟
- بشكل مبسط، تخمة السيولة تعني عدم وجود قنوات كافية ومناسبة لتوجيه وتصريف جزء كبير من الفوائض المالية المتوافرة لدى البنوك، لأنه حينما تفكر البنوك في توجيه تلك الفوائض إلى الفرص المحلية المتاحة فهي تنظر الى عدة أمور من بينها مستويات المخاطر، والعوائد، وتعليمات البنك المركزي في شأن ذلك. كما أن عدم وجود فرص كافية ومناسبة محلية للقطاع الخاص للاستثمار بها سيؤدي الى انخفاض الطلب على الائتمان الذي يمكن ان يمنحه القطاع المصرفي، وهذا من شأنه أن يزيد من مستوى تخمة السيولة لدى الجهاز المصرفي.«الاستقرار المالي»
• كان من آخر بصماتكم الذكية قانون الاستقرار المالي الذي قدم نموذجا لمعالجة المتعثرين دون أي كلفة على الدولة، وكان رادعا للشركات، وفي ذات الوقت لا يفتح باب «السبيل» على مصراعيه على حساب الدولة... فما القوانين التي تحتاج إليها الكويت حاليا على نسق هذا القانون وفلسفته المميزة؟
- تم تصميم قانون الاستقرار المالي وفق ظروف ومعطيات كانت سائدة خلال الفصل الأخير من عام 2008، إذ كنا نستهدف تحقيق أعلى درجة من الاستقرار المالي والاقتصادي في الدولة من خلال تحييد الآثار السلبية الناجمة عن الازمة المالية العالمية، وبشكل لا يُحمل الدولة أية تكاليف مالية، أو أن تكون تلك التكاليف في أضيق الحدود، وبحيث لا يتأثر سلبا أداء بعض القطاعات الاقتصادية بشكل يؤدي الى توقف أنشطتها.وفي الواقع أجد من الصعوبة بمكان أن أحصر لك قوانين تحتاج إليها الدولة شبيهة بقانون الاستقرار المالي، فيما عدا أن يكون هناك قانون متطور في مجال الحماية من الدائنين لكل القطاعات الاقتصادية في الدولة، لأن مثل ذلك القانون موجود ومفعل في معظم دول العالم منذ زمن بعيد.• ما الآلية المناسبة والناجعة التي يمكن أن تحقق مساهمة أكبر وزيادة أوسع لنصيب القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي «المتهم» بالجباية وتقليص دور الحكومة في النشاط الاقتصادي وقصر دورها على الإشراف السيادي والرقابة والتنظيم بعد قصور في مواطن عدة وفساد في أخرى؟
- هذا الأمر يُعتبر أحد الاختلالات الهيكلية الرئيسية التي يُعانيها الاقتصاد الوطني، إذ إن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي لا تتجاوز 30 في المئة، وهي نسبة متدنية في الواقع.وكما هو معروف، لا توجد آلية واحدة لتحقيق مساهمة أكبر لنصيب القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي، ولكي تتم معالجة مثل هذا الاختلال الهيكلي، فالأمر يحتاج الى منظومة من الآليات والإجراءات والسياسات والقوانين. فتقليدياً، وفي كل دول العالم، يتم استخدام «الخصخصة» كأداة رئيسية في سبيل تحقيق هدفين أساسين؛ أولهما تخفيض حجم الانفاق العام في الموازنة العامة للدولة، وثانيهما زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي.إضافة إلى ما تقدم، تُستخدم أيضاً «الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص» (PPP) كأداة مهمة من شأنها العمل نحو رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي.وكذلك يتم استخدام أنظمة البناء والتشغيل، ومن ثم إعادة المشروع إلى الدولة (BOT + BOOT) لتمكين القطاع الخاص من الاستثمار في مشاريع متنوعة بأملاك الدولة لفترة زمنية محددة وهذا من شأنه زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي.وأخيراً، فإن قيام الدولة بإسناد إدارة بعض المرافق الحكومية الى القطاع الخاص، وفق شروط وضوابط محددة، من شأنه أن يحقق ذات الاهداف التي تم ذكرها. وفي حقيقة الأمر، فقوانين الشراكة والخصخصة وBOT في حاجة الى كثير من التعديلات لكي يتم تحقيق الغايات والاهداف التي تصبو اليها الدولة.• بماذا تود أن تختم هذا اللقاء؟
- أود أن أختم هذا اللقاء بذكر بعض الجوانب المهمة التي أجد أن الكويت تفتقدها، فالدولة بحاجة ماسة وعاجلة الى كثير من الاصلاحات بشتى المناحي والمجالات، وهذه الإصلاحات تحتاج الى تضحيات منا كلنا، ولو بشكل مؤقت على المدى المتوسط. وليكن معلوماً، أنه لا إصلاح بدون ألم، ولا نجاح بدون ثمن، وستُشكل نتيجة هذه الاصلاحات حصاداً جيداً للجيل الحالي ثم للأجيال القادمة. وغني عن البيان، أننا ايضاً بأمس الحاجة الى تغيير جذري وجوهري في فلسفة التعليم السائدة، التي ينبغي أن يتم تعديلها، لكي يكون ناتج مخرجاتها منصباً بشكل تام وسليم وكفؤ في الاحتياجات الفعلية لمتطلبات سوق العمل الحالي والمستقبلي نوعاً وكماً. ويجب على فلسفة التعليم أن تعمل، بشكل رئيسي، على تغيير كثير من المفاهيم الخاطئة، وتعمل أيضاً نحو إحداث تغيير جذري في نوعية الثقافة السائدة، وهذا مما لا شك فيه سيكون له دور رئيسي في إنجاح الكثير من برامج الإصلاحات المنشودة. ولنكن واضحين، فلا نهضة ولا تنمية مستدامة في البلاد بدون توفر نظام تعليمي متطور ومميز، مصحوباً بنظام صحة عامة ذي كفاءة في الاداء ومتطور وبخدمات صحية مرموقة. كذلك، فلا أداء ولا نمو اقتصاديا مستداما بدون وجود قطاع خاص مُتَحرر ومُحَرر من القيود البيروقراطية، ومحاط بسياج بيئة أعمال جاذبة ومنافسة لمثيلاتها في الدول الناشئة والمتقدمة، بحيث يكون ذلك القطاع مؤمن ببلده ومستقبلها ويستثمر بها. وأخيراً، يجب العمل على كل الصعد نحو التصدي ومحاربة وكبح جماح كل أوجه الفساد المستشري في البلاد، حيث لا تنمية ولا إصلاحات ذات نتائج إيجابية متوقعة في ظل وجود الفساد.