اعرفوا تاريخكم
حاجة الشباب الفلسطينيين لكي يعرفوا تاريخ قضيتهم وتفاصيلها ماسة، وهي ضرورية لتحصين أنفسهم بالمعلومات العلمية والتاريخية الدقيقة، في مواجهة الرواية الإسرائيلية، ولذلك أتمنى أنه تُكرس الحصة الأولى القادمة في كل صف دراسي، مدرسي أو جامعي، لشرح ما حدث في يونيو 1967.
من سوء المصادفات أن الذكرى الثانية والخمسين لاحتلال الضفة الغربية، بما فيها القدس وقطاع غزة والجولان، جاءت يوم عيد الفطر، ومرت للأسف دون كثير من الاهتمام، ففي الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967، شنت إسرائيل حربا عدوانية على الشعب الفلسطيني وعلى ثلاث دول عربية، مصر وسورية والأردن، وقد غير ذلك العدوان الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة، وترك آثارا ما زالت تتفاعل حتى اليوم.ورغم أن الدعاية الإسرائيلية، التي تقلد أسلوب غوبلز، بمواصلة تكرار الكذب حتى يصدقه من صنعوه، ادعت في حينه ومازالت تدعي أن مصر هي التي بدأت الحرب، فإن الحقائق التاريخية الدامغة تفند تلك الادعاءات.وبالنسبة إلى الحركة الصهيونية، فإن ما بدا إنجازا باحتلال ما تبقى من أرض فلسطين، تحول إلى كارثة ديمغرافية انتهت بإسرائيل إلى إنشاء ما لا يمكن وصفه إلا أنه أسوأ نظام أبارتهايد عنصري في تاريخ البشرية.
وعندما ظن الإسرائيليون أنهم حسموا صراعهم مع الشعب الفلسطيني انفجرت في وجههم مقاومة غير مسبوقة متعددة الوجوه من الثورة الفلسطينية، إلى معركة الكرامة، إلى الانتفاضة الأولى والثانية وسلسلة طويلة من الهبات والمقاومة الشعبية. وفي الواقع فإن إسرائيل لم تخض حربا حقيقية منذ عام 1948 إلا مرة واحدة في عام 1973، وما عدا ذلك يمكن تصنيفه على أنه حرب من طرف واحد بسبب التفوق، الإسرائيلي في العدد، والعتاد، والسلاح والتخطيط، والدعم الأميركي المطلق. ولعل من أهم النتائج الاستراتيجية لعدوان 1967، أن الشعب الفلسطيني أدرك بصورة حاسمة ضرورة الاعتماد على النفس، ونجح في أن ينتزع حقه في تمثيل نفسه بنفسه، عبر الاعتراف التاريخي الذي تم في منظمة التحرير. وكل ما قامت به إسرائيل منذ ذلك الحين، بدءا باتفاقيات السلام التي عقدتها، بما فيها اتفاق أوسلو، وانتهاءً بما يحاولون تمريره عبر ما يسمى "صفقة القرن" كان دافعه نية واحدة محددة، محاولة تصفية تأثير الوجود الديمغرافي الفلسطيني، ونتائج النضال الشعبي، وكل عناصر القضية الفلسطينية، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في الحرية الحقيقية والعودة وتقرير المصير. ولا تمثل ورشة المنامة، مثل مؤتمر وارسو من قبل، إلا محاولة خبيثة لسلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه، لتمرير مشاريع واتفاقيات تصفي حقوقه الوطنية. وذلك لن يمر، لأن الفلسطينيين، رغم انقساماتهم المؤسفة، موحدون دون تردد ضد "صفقة القرن" بكل مكوناتها. وهذه الوحدة يمكن أن تشكل، إن صفيت النوايا، وغُلبت المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، والحزبية، والشخصية، قاعدة لإنهاء الانقسام القائم بين "فتح" و"حماس"، ولقلب موازين القوى لمصلحتنا في الكفاح ضد مشاريع التصفية.ملاحظتي الأخيرة، وأنا ألتقى يوميا بالشباب الفلسطينيين، أنهم بحاجة ماسة، لكي يعرفوا تاريخ قضيتهم وتفاصيلها، مثل حاجتهم لتحصين أنفسهم بالمعلومات العلمية والتاريخية الدقيقة، في مواجهة الرواية الإسرائيلية، ولذلك أتمنى أنه تُكرس الحصة الأولى القادمة في كل صف دراسي، مدرسي أو جامعي، لشرح ما حدث في يونيو عام 1967، وما تركته تلك الأحداث من آثار. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.