العلم في خدمة الشرع
المزعج في موضوع رؤية الهلال لم يكن بسبب الخلاف حول رؤيته من عدمها، ولكن في ما ذهب إليه البعض من قذف وتشكيك في الرأي العلمي، وفيما طرحه البعض حول صعوبة توحد المسلمين بعبارة استهجانية «كيف نتوحد والعيد لم يتفقوا عليه»؟!
قال تعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ". الخلاف بين المذاهب الإسلامية ليس بالأمر الجديد مادام اتبع فيه الأصول الفقهية الصحيحة المستنبطة من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وإلى ما أقره وعمل فيه آل البيت والصحابة الكرام والسلف الصالح، لكن المثير في هذه السنة استغلال الخلاف حول رؤية هلال العيد عبر تحويله إلى خلاف سياسي ووسيلة للطعن والتشكيك بين المسلمين لأهداف لا تخفى على أحد، رغم أن هذا الموضوع يتكرر كل عام بسبب المنهجية التي يعتمدها علماء الدين في إثبات الرؤية الشرعية.مع تطور علم الفلك في السنوات الأخيرة وقدرة المراصد الفلكية على تحديد وقت ظهور أهلة الشهور العربية بدقة عالية، والتي من شأنها مساعدة الرائي في إثبات صدق رؤيته من عدمها، وأيضاً تساعد وبشكل قاطع من يعتقد بالرؤية الفلكية في تولد الهلال، فقد أصبح علم الفلك من العلوم المؤكدة، ولم يعد هناك أي مجال للشك أو للادعاء، والأمر بعد ذلك يترك لأصحاب الاجتهاد الشرعي في اعتماد مصداقية الرؤية إن كانت بالعين المجردة أو بواسطة المناظير.
الأخذ برأي الفلكيين كمقدمة لقبول شهادة الشهود أمر في غاية الأهمية، وهو موضوع معمول فيه في الكثير من المسائل الشرعية الأخرى، مثله مثل الأخذ برأي الطبيب في تشخيص حالة المريض ومن ثم إعطائه الإذن بالإفطار، وهنا لم نسمع من أهل الشرع أي استنكار لهذا الفعل لأن الطبيب أقدر على تشخيص حالة المريض من غيره، لكن ومع هذا التفويض يظل لعلماء الدين الرأي الأول والأخير في وضع الضوابط الشرعية العامة والأحكام المترتبة عليها.رؤية هلال العيد لهذا العام كانت مثيرة للجدل، وتستحق الوقوف عندها لما حملته من مادة علمية قيمة تستوجب بحثها بشكل علمي دون أحكام مسبقة من خلال السماع لرأي أصحاب الاختصاص، ففي النهاية علم الفلك من العلوم المتطورة التي يمكن الاستفادة منها في تحديد دخول الأشهر الهجرية، وتساعد علماء الدين في الأخذ بشهادة الشهود دون ريبة. المزعج في موضوع رؤية الهلال لم يكن بسبب الخلاف حول رؤيته من عدمها، ولكن في ما ذهب إليه البعض من قذف وتشكيك في الرأي العلمي، وفيما طرحه البعض حول صعوبة توحد المسلمين بعبارة استهجانية "كيف نتوحد والعيد لم يتفقوا عليه"؟! لا أعلم ما علاقة موضوع الاتفاق على رؤية الهلال في وحدة المسلمين وقبول فكرة التعايش السلمي واحترام الآخر.ودمتم سالمين.