البصرة «تغلي»... والتظاهرات مسألة وقت
«رايات الإقليم» سترتفع إذا تجددت أزمة الكهرباء
لا يستغرب العراقيون عودة أزمة الكهرباء الخانقة مع تصاعد حرارة يونيو بمعدلات غير مسبوقة جنوب البلاد، لكنهم هذه المرة مدفوعون لمتابعة الملف، متسائلين عن أسباب تردي التجهيزات، رغم تصريحات أخيرة متفائلة لوزير الكهرباء الشاب الموصوف بأنه متحمس جداً، والذي وعد بتحسن كبير في معدلات إنتاج الطاقة سيعدّل بشكل خاص وضع البصرة المركز الاقتصادي الأبرز للعراق.ومنذ سنتين يتحدث المسؤولون عن إبرام صفقات مع عمالقة الطاقة في ألمانيا والولايات المتحدة ستضمن حلاً لمشكلة الكهرباء المثيرة لسخرية الشعب، في بلد هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، وبالفعل ارتفع إنتاج الكهرباء من نحو 3 آلاف ميغاواط عام ٢٠٠٣، حين سقط نظام صدام حسين، إلى نحو ١٦ ألف ميغاواط حالياً، كما تقول الحكومة، إلا أنها تلقي باللائمة على الاستهلاك المتعاظم وزيادة السكان السريعة (نحو مليون نسمة سنوياً) والأهم، تهالك شبكة نقل وتوزيع الطاقة في بلد مترامي الأطراف لا يزال يشهد أعمال عنف تستهدف أبراج الكهرباء منذ سنوات.وسجلت مناطق كثيرة في البصرة انقطاعاً للتيار الكهربائي بمعدل ١٢ ساعة أحياناً، كما أفادت تقارير من مناطق جنوب العراق بحالات مشابهة رغم تصريحات الحكومة بأنها ناتجة عن أعطال في شبكة النقل ستعالج بسرعة.
وليست وعود الوزير لؤي الخطيب غير المتحققة وحدها التي تسجل فارقاً في رد الفعل الشعبي هذا العام، بل الأمر مرتبط باقتراب الذكرى الأولى لأعنف مظاهرات شهدها العراق احتجاجاً على الخدمات، وهي التي شهدتها البصرة الصيف الماضي وتواصلت إلى الخريف حتى انتهت إلى إحراق مقرات الأحزاب والميليشيات وكذلك مبنى القنصلية الإيرانية هناك، في سابقة خطيرة يمكن أن تتكرر حسب المراقبين، ولذلك فإن معظم التعليقات الشعبية التي تنعكس في «السوشيال ميديا» حول الموضوع اليوم تتساءل: متى سينتفض البصاروة؟ وهو ما يعني احتمال انطلاق مظاهرات عنيفة تتسع تأثيراتها كالعادة إلى معظم مدن الجنوب وتتخللها أعمال عنف، مثل تلك التي وقع خلالها عشرات الضحايا العام الماضي وشهدت موجة اعتقالات شملت نحو 500 من المحتجين.وتواجه حكومة رئيس الوزراء الموصوف بالاعتدال عادل عبدالمهدي محنة أخرى في كهرباء الصيف، إذ إن نحو نصف إنتاج الكهرباء في البلاد يعتمد على استيراد الغاز الإيراني، وتحصل طهران على عوائد سنوية من ذلك تقدر بنحو خمسة مليارات دولار، وهو ما أثار جدلاً ساخناً بين بغداد وواشنطن في ظل الأزمة الراهنة، رغم أن البيت الأبيض استثنى استيراد العراق للغاز من قيوده المتزايدة مراعاة لمأزق بغداد الخانق في إمدادات الطاقة، لكن ومع تعذر توفير بديل سريع فإن أي وضع طوارئ في إيران سيعني توقف نحو نصف إنتاج الكهرباء في العراق، وهو آخر ما ينقص حكومة عبدالمهدي التي تواجه أزمات داخلية وخارجية عاصفة.ويأتي توقع اندلاع احتجاجات البصرة العنيفة، وسط ظهور جديد لراية «إقليم البصرة» بين الناشطين في الجنوب، إذ تشكل المطالبة بتأسيس إقليم لهذه المدينة شبيه بإقليم كردستان الشمالي أرقاً عميقاً لساسة بغداد، فهو مطلب مدعوم دستورياً، لكنه سيعني تراجع سيطرة الحكومة المركزية على مفاصل كثيرة تتعلق بالاقتصاد النفطي والتجاري، وظهور توازن سياسي جديد تتجاوز تأثيراته الحدود العراقية أحياناً.