استغلال النفوذ وضياع المسؤولية
جرأة مخيفة تلك التي يقدم عليها الفاسدون، فهم يتعاملون مع الأمور العامة التي تكون تحت أيديهم بجرأة ولا مبالاة، لا يفهم منه سوى أنهم فوق القانون ولا يمكن سريانه عليهم، ومن هنا نجد أن المتنفذ من أصحاب الحظوة يضع يده على بعض الأملاك للدولة، وخصوصاً العقارية فيسيجها ويتصرف فيها كما لو كانت ملكاً خاصاً وخالصاً له، وآخر يتصرف بالمنصب العام الذي يتولى مسؤولياته وكأنه يتصرف بشركته الخاصة على نحو يتنافى مع متطلبات وجوده بالمنصب ونزاهته، والعلة في ذلك هي أنه عُين دون أن يكون مؤهلاً لهذا المنصب ونماذج أخرى مماثلة.وهناك الوزير الذي اعتلى المنصب الوزاري بحسبة فئوية ومحاصصة غير مفهومة ولا مقبولة ولا عادلة، ولذا فهو يُسير مسؤولياته بأسوأ نموذج من الوزراء، ألا وهو ذلك المحمل بأفضال وجمايل الآخرين، فيمارس نفوذه وسلطاته الوزارية ليس في أداء مهام الخدمة العامة ومصلحة الوطن بقدر ما يكون همه وشغله الشاغل تنفيع أولئك النفر المتنفذين ممن سعوا لوجوده بهذا المنصب الوزاري الذي يكون هو من أسوأ الأشخاص الذين أسندت إليهم هذا المنصب التنفيذي العالي العام، كما أن هناك الوزير الذي لا يعدو أن يكون "موظفاً كبيراً" أتت به ترتيبات غير مفهومة ولا منطقية، وليس إلا تكملة عدد، فيتم تسخيره واستخدامه لتمرير مصالح وصفقات، ويكون كما يعبر في الدارج الكويتي "مِمشة زفر" لتمرير صفقات ومصالح أصحاب السلطة والنفوذ. وهناك نماذج عديدة مماثلة بالسوء ورهن المنصب الوزاري تحت تصرف الغير، ومن بينهم الناخبون بكل أسف، ويشكل هؤلاء الوزراء عبئاً حقيقياً على الدولة ومؤسسة مجلس الوزراء وسبباً في تراجعها والعمل الهزيل للأداء الحكومي.
وهناك عضو مجلس الأمة الذي لا يفقه من العضوية إلا امتيازاتها، والتنفّع المباشر منها بجعل كرسيه النيابي معروضاً للبيع لمن يدفع أكثر، ومواقفه وتصويتاته متوقفة على ما يتكسبه منها من مال بابتزازات متفاوتة ومخزية، وهو ما كشفت جزءاً منه قصص الحسابات المتضخمة للنواب، وما خفي من مظاهر التنفع والفساد أكبر وأسوأ، بل إن بيع المقعد النيابي وسلطاته من أجل مناصب تمنح للأقارب والأصدقاء ومنافع في مرافق الدولة، مثل العلاج بالخارج السياحي أو الحصول على حيازات عقارية من الممارسات الشائنة التي تفشت بين عدد ليس بالقليل من أعضاء مجلس الأمة وزعامته، والأمثلة السيئة من الأعضاء ليس بالإمكان حصرها لتعددها والتفنن في ممارستها لرهن الكرسي الوزاري للمصالح الشخصية.ولعل تسليط الضوء على بعض سلوكيات استغلال النفوذ وضياع المسؤولية يكشف عن عمق حالة الفساد في البلد والعلة في تخلفه وسوء الإدارة والرقابة على خدمات البلد ومرافقه ومؤسساته، غير أن كل ذلك لن يفقدنا الأمل بأن الإصلاح سيأتي لا محالة، وستتم ملاحقة نماذج الفساد تلك بكل أنماطها.