تغير الخطاب المتعلق بالفضاء الخارجي إلى الأبد بعد هبوط المِسبار الصيني «تشانغآه 4» على القطب الجنوبي من القمر في الثالث من يناير عام 2019، وهي سابقة تُعد الأولى من نوعها في التاريخ البشري، فقد عشنا على مدار نحو 50 عاماً، منذ العشرين من يوليو عام 1969، في عصر برنامج «أبولو» الفضائي، الذي أتاح للبشرية أن تخطو أولى خطواتها على سطح القمر، أما الآن، ومع بزوغ فجر اليوم الثالث من شهر يناير عام 2019، دخلنا عصر «تشانغآه 4» واضعين نصب أعيننا الاستقرار طويل المدى على قُطبي القمر.مثلما سُميت بعثات ناسا باسم أبولو، تيمنا باسم الآلهة اليوناني أبولو، فقد أطلِق على برنامج استكشاف القمر الصيني (CLEP) اسم إحدى الشخصيات الأسطورية: وهي تشانغ آلهة القمر الصينية. ورغم أن مهمة أبولو كانت بمنزلة مشروع «رفع الرايات، وترك آثار الأقدام»، فإن مهمة تشانغ الصينية على القمر كانت مختلفة، فعلى غرار الشخصية الأسطورية التي حملت اسمها والتي جعلت القمر موطناً لها، هدفت تشانغ إلى إقامة وجود دائم على سطح القمر بحلول عام 2036، بغرض استغلال موارد القمر مثل التيتانيوم واليورانيوم، بالإضافة إلى خام الحديد وجليد الماء اللازمين لصنع الصواريخ والوقود.
تُعد تلك القدرة على التصنيع في الفضاء الخارجي إحدى الخطوات الحيوية لتحقيق خطط الصين الخاصة بالاستفادة من أغوار الفضاء لتشمل التعدين الفضائي وبناء محطات الطاقة الشمسية في مدار أرضي جغرافي متزامن بحلول عام 2050.اكتشفت بعثة «تشانغآه 4» بعض الشظايا من قِشرة القمر على الجانب البعيد من القمر، كما أشار مقياس طيف الأشعة المرئية والأشعة دون الحمراء الدنيا (VNIS) الموجود على متن «تشانغآه 4» إلى وجود صخور تحتوي على المعادن المعروفة بالبيروكسين (الطبيعي) منخفض الكالسيوم والزبرجد الزيتوني، وقد تقوم دراسة مثل ذلك الغشاء الصخري بإلقاء الضوء على التكوين المعدني للقمر بالإضافة إلى نشأته وتطوره. ويُعد التحليل الجيولوجي على الجانب البعيد من القمر أمراً بالغ الأهمية نظراً لاختلافه عن الجانب القريب الذي جُمعت منه صخور بعثة أبولو، والذي من شأنه أن يطرح بعض الأفكار المتعمقة بشأن البعثات المستقبلية الخاصة بالوجود البشري الدائم هناك.كما ستُطلق الصين بعثة «تشانغآه 5» إلى الجانب القريب من القمر قبل انتهاء العام الحالي، للعودة إلى الأرض ببعض العينات وإخضاعها لمزيد من البحث. وقد صرح مايكبنس نائب الرئيس الأميركي في مارس 2019، رداً على البرنامج الفضائي الصيني– الذي أعلنته إدارة الفضاء الوطنية الصينية عرَضا عام 2007 (منذ أكثر من عقد كامل)- بأنه:بناء على توجيهات السيد رئيس الولايات المتحدة الأميركية، تنص سياسة الإدارة الأميركية والولايات المتحدة الأميركية على إعادة رواد الفضاء الأميركيين إلى القمر في غضون الأعوام الخمسة التالية... ولنكون واضحين: فأول سيدة ستخطو فوق سطح القمر ومعها الرجل القادم لن يخرجا كلاهما عن أنهما رائدا فضاء أميركيان انطلقا من الأراضي الأميركية وبصواريخ أميركية. فلدينا هنا التكنولوجيا اللازمة للعودة إلى القمر واستعادة الدور القيادي الذي تؤديه أميركا في استكشاف الإنسان للفضاء... واليوم نخوض السباق الفضائي مثلما فعلنا سابقاً خلال ستينيات القرن العشرين، ولكن مع زيادة شدة المُخاطرة، ففي ديسمبر الماضي [كما وردنا]، أصبحت الصين هي الدولة الأولى التي تنجح في الهبوط على سطح الجانب الآخر من القمر وكشفت عن طموحها في الاستيلاء على المرتفعات القمرية الاستراتيجية وأن تُصبح من أبرز الدول الرائدة للفضاء...وسرعان ما شغل التنقيب عن موارد القمر مركز الصدارة لدى أولويات الولايات المتحدة الأميركية بدورها، حيث قامت أعمال المستنقعات التابعة لوكالة ناسا في فلوريدا بصنع نماذج أولية لبعض الروبوتات مثل روبوت الحطام الصخري لعمليات نظم السطح المُتقدمة، الذي يمكنه استخراج تربة القمر، وقولبتها، وتحليلها لاستخراج مواردها. كما تخطط وكالة ناسا لإقامة قاعدة على سطح القمر بحلول عام 2028، في إطار برنامج يُدعى مشروع أرتميس، وهو على اسم إحدى الآلهة اليونانية والأخت التوأم لأبولو.بعد ضبط الجدول الزمني الذي حدده بنس بخمس سنوات لإعادة الأميركيين إلى القمر، كشف جيفبيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون ومؤسس شركة بلو أوريجين، عن المركبة الآلية للهبوط على القمر بلو مون، في خطاب هام ألقاه في 9 مايو. وقد صرَّح بيزوس مشيراً إلى خطاب بنس بقوله: «يمكننا المساعدة في الالتزام بهذا الجدول الزمني، وذلكلأننا بدأنا بالفعل منذ ثلاث سنوات... والآن، حان وقت العودة إلى القمر، والبقاء عليه هذه المرة». تعمل شركة بلو أوريجين على تطوير صاروخها (نيو جلين، New Glenn)، والذي من المقرر إطلاقه عام 2021، بالإضافة إلى كبسولة الفضاء نيو شيبرد، New Shepard)، ونظام الدفع الصاروخي الذي يعمل بالهيدروجين السائل. يعتمد بيزوس خططاً طويلة المدى لنقل جميع الصناعات الثقيلة الأرضية إلى الفضاء.وجاءت خطط بيزوس مشابهة كثيراً للتطلعات الصينية الفضائية الخاصة باستيطان القمر يو التصنيع بالفضاء على المدى الطويل، فقد أبرز خطاب بيزوس في 9 مايو الحاجة إلى رؤية مُحددة وطويلة المدى للمستوطنات البشرية والتصنيع في الفضاء. يبدو أن كلاً من بيزوس والصين مدفوعان بمخاوف مماثلة، فليس من الحكمة أن تعتمد الصين على الموارد الأرضية غير المتجددة لدعم اقتصادها؛ ومن ثَمَّ صار تطوير القدرة على الوصول إلى الموارد الهائلة بالفضاء هو سبيلها للمضي قدماً. وبالمثل، يؤمن بيزوس إيماناً راسخاً بضرورة ارتياد البشرية للفضاء وتطوير القدرة على الحياة فيه نظراً إلى محدودية موارد الأرض، لذا، يعتزم بيزوس أن يستخدم مركبة الهبوط بلو مون في التنقيب عن الموارد الطبيعية في القمر، مثل جليد الماء، حيث أشار في خطابه قائلاً: «في نهاية المطاف، سنتمكن من استخلاص الهيدروجين من تلك المياه على القمر، وسنصبح قادرين على تزويد هذه المركبات الموجودة على سطح القمر بالوقود».منذ أكثر من 17 عاماً، كان رئيس هيئة العلماء بالبرنامج الصيني لاستكشاف القمر (أويانغزيووان، OuyangZiyuan) قد صرَّح عام 2002 بأن: «يمكن أن يُمثل القمر مصدراً جديداً وهائلاً للطاقة والموارد التي يحتاجها البشر... وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة للبشر على الأرض... فمن يغزو القمر أولاً ستعود عليه الفائدة أولاً». وبعد خمس سنوات، انطلقت بعثة القمر الصينية «تشانغآه 1» والتي استوحي اسمها من آلهة القمر.تشارك الدول الأخرى وبعض الشركات الخاصة في ذلك السباق إلى القمر للحصول على موارده بدورها، حيث تعتزم الهند إطلاق بعثتها الفضائية «تشاندريان 2» خلال الفترة ما بين 5 – 16 يوليو 2019، والتي من المُقرر هبوطها بالقرب من القطب الجنوبي للقمر في 6 سبتمبر 2019. وصرَّحت منظمة البحوث الفضائية الهندية (ISRO) بأن الحمولات «ستقوم بجمع المعلومات العلمية عن تضاريس القمر، ومعادنه، ووفرة العناصر، والفضاء الخارجي للقمر، ودلائل وجود الهلام المائي والجليد المائي».كما أعلن تروسكوزموس، وكالة الفضاء الروسية الفدرالية، في اجتماع عُقد في نوفمبر 2018، عن الخطط الروسية لإقامة مستعمرة قمرية بحلول عام 2040. وأبرز ألكسندرسيرجيف، رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الأهمية البالغة للقمر، لاسيما من منظور موارد قُطبي القمر قائلاً: «تتصدر قضايا استكشاف القمر الآن جدول أعمال مجلس الفضاء لدينا... فقد تباينت العديد من الآراء التي تمثل القوة الدافعة، ما بين كونها مشاريع لها القدرة على حشد المجتمع والأوساط العلمية، وبين أنها أمر من شأنه أن يُعرقل المسيرة العلمية، ولكن قد يكون القمر عنصراً بالغ الأهمية». ومن الواضح أن كلا من روسيا والصين تنظران تطوير قدراتهم على الوجود في الفضاء من منظور الصالح الوطني.وأعلنت كل من اليابان وكوريا الجنوبية عن برنامج ينلل هبوط على قُطبي القمر. تهدف البعثة اليابانية للهبوط الذكي لبحث سطح القمر (SLIM) إلى الهبوط بالقرب من أحد قُطبي القمر بحلول عام 2020، حيث تُخطط منظمة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) إلى التنقيب عن موارد القمر بدورها بحلول عام 2020. بينما يقوم المعهد الكوري لأبحاث الفضاء (KARI)، بتطوير مركبتها المدارية المسافرة إلى القمر، مُعتبرة نجاحها المُحتمل بمنزلة تأسيس لدولة كوريا الجنوبية كإحدى القوى الفضائية الرئيسة، وتهدف وكالة الفضاءالأوروبية (ESA) إلى إقامة قرية على سطح القمر، والتي ستكون متاحة لاستغلال موارد القمر بالإضافة إلى «الأنشطة العلمية والتكنولوجية»، والسياحة. قام الملياردير الياباني يوساكو ميزاوا، بشراء جميع أماكن الرحلة الفضائية سبيس إكس، للاستفادة من سفينة الفضاء بيإفآر التي ستنطلق إلى القمر عام 2023، في إطار مشروعه الأثير العودة إلى القمر. وقد عرض إيلونمسك، مؤسس شركة سبيسإكس رؤيته الخاصة باستعمار الفضاء الخارجي والتي تعتمد على: إقامة القاعدة ألفا على سطح المريخ بحلول عام 2028، ثم إقامة مدينة ضخمة تسع حوالي مليون نسمة بحلول عام 2030، وقد شهدنا تقريباً أول شركة خاصة تهبط على سطح القمر هذا العام، عندما فشل مسبار الفضاء الإسرائيلي «بيريشيت»، الذي لم يُطلق لأهداف ربحية، قبل دقائق من هبوطه على سطح القمر، كما تورطت وكالة الفضاء الإسرائيلية (ISA) مع «بيريشيت 2» مع إصدار أمر قضائي بدفع 5.6 ملايين دولار.حتى الآن، لم تتمكن أي دولة أخرى من مجاراة الأهداف الصينية الطويلة المدى الخاصة بالفضاء، والتي تشمل تحقيق وجود دائم على سطح القمر، وتطوير محطات الطاقة الشمسية في مدار جغرافي متزامن، والتعجيل بتحديث المؤسسات الفضائية العسكرية. في حين حدد أصحاب المشاريع الخاصة، مثل بيزوسومس بشكل علني أهدافاً مماثلة للاستقرار طويلة المدى بالفضاء، لكن لا توجد سياسة حكومية أميركية طويلة المدى توفر رؤى بعيدة المدى مماثلة.نامراتاغوسوامي- ذا ديبلومات
دوليات
الصين تتصدر طليعة السباق الفضائي الجديد
14-06-2019