في مايو، أعلنت الحكومة العراقية، أن القائد العسكري الرئيس في الموصل اللواء نجم عبدالله الجبوري سيتقاعد في يونيو، ويحلّ محلّه اللواء الركن نومان عبد الزوبعي قائداً لـ «قيادة عمليات نينوى» الذي ينتقل إلى منصبه الجديد بعدما قاد لفترة وجيزة «قيادة عمليات صلاح الدين»، التي تنتقل قيادتها إلى اللواء الركن عبدالمحسن العباسي الذي سيُخلي منصبه في «قيادة عمليات ديالى» لمصلحة قائد فرقة هو اللواء الركن غسان العزي. لا يمكن اعتبار الضباط الجدد خياراتٍ سيئة بالضرورة، فاللواء الزوبعي، السنّي لديه تاريخ طويل في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى جانب تشكيلات ضمن الجيش العراقي في محافظة الأنبار. وبخلاف سلفه، فهو ليس من مواليد محافظة نينوى بل ينحدر من غرب بغداد، أما اللواء العباسي، قائد المعارك السنّي القادم من كركوك، فيتمتع بخبرة واسعة في قيادة الفرقة الرابعة عشرة في الجيش قرب الفلوجة. وكان اللواء عزي قد تولى سابقاً قيادة الفرقة الحادية عشرة شمال شرق بغداد، ويبقى القاسم المشترك الوحيد بين جميع هؤلاء القادة هو أنه تمّ أخيراً نقلهم من بيئات اضطروا فيها إلى التعامل يومياً مع قادة ميليشيات نافذين.
لكن ما يثير القلق بشكل أكبر هو ظروف هذه التغييرات وتوقيتها، وكان اللواء الجبوري قد شغل سابقاً منصب قائد شرطة وقائمقام مدينة تلعفر حيث أثمر تعاونه مع القوات الأميركية بين عامي 2005 و2008 عن أول الانتصارات الواضحة في مجال مكافحة التمرد ضد تنظيم «القاعدة» في العراق، سلف تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعد طرده من البلاد عام 2009 على يد عناصر شيعية ضمن قوات الأمن، عمل في «جامعة الدفاع الوطني» في واشنطن حتى عام 2014، ومع ذلك، فقد عاد إلى العراق في عام 2015 ليقود الجهود المبذولة لتحرير الموصل وحكمها ضمن محافظة نينوى مسقط رأسه. ورغم استياء بعض العناصر منه لأنه ضابط في قوات الدفاع الجوي يضطلع بدور عسكري بارز، فإنه نجح في تجنيد قبائل محلية في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وإقامة شراكة مع التحالف بقيادة الولايات المتحدة. كما سعى إلى تطبيق سياسة الحكومة العراقية القائمة على تقليص الخطر المحدق بالاستقرار المحلي الذي تشكله عناصر ميليشيا «قوات الحشد الشعبي» في مدينة الموصل وسهل نينوى. ووفقاً للتفسيرات الرسمية، يتقاعد الآن بسبب عامل السنّ رغم أن العديد من الجنرالات الأكبر سناً بقوا في الخدمة.ويأتي تسريح اللواء الجبوري في وقت أبرمت العناصر الموالية لإيران ضمن «قوات الحشد الشعبي» ذات الأغلبية الشيعية اتفاقات مع شركاء محليين من السنّة والأكراد لانتخاب منصور المرعيد - عضو في التكتل السياسي المرتبط بـ «قوات الحشد الشعبي»- محافظاً لنينوى ذات الأغلبية السنّية. وتسبّبت هذه الخطوة المثيرة للجدل في انقسام الفصائل السنّية ضمن مجلس المحافظة وبغداد على السواء. وإلى جانب تقاعد الجبوري ورفض الميليشيات في سهل نينوى الامتثال للأوامر القانونية التي تقضي بوضعها تحت سيطرة «قيادة عمليات نينوى»، يبعث الدور المفرط الذي تؤديه «قوات الحشد الشعبي» في تعيين المحافظ رسالة مقلقة.وفي كل الأحوال، هكذا اندلعت أعمال الشغب في الموصل في الفترة من 2011 - 2014، عندما انتقلت المدينة من حالة استقرار نسبية لتسقط في قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعد أيام قليلة فقط من انسحاب القوات الأميركية في أواخر عام 2011، بدأ العراق عزل ضباط جيش بارزين تلقوا تدريباً أميركياً من مناصب قيادية أساسية. وخلال العامين اللذين سبقا سقوط الموصل، تمّ استبدال أبرز ضباط الجيش في المنطقة سبع مرات على الأقل، وقائد الشرطة المحلي مرتين، حيث كان كل تغيير أسوأ من الذي سبقه. وفي المقابل، كانت إحدى الخطوات الأولى التي اتخذها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي فور توليه منصبه في عام 2014، هو العمل بسرعة على إعادة الجبوري وغيره من القادة الذين تلقوا تدريباً أميركياً، وكانت النتيجة تحرير أربع وعشرين مدينة في غضون ثلاث سنوات فقط.ولواشنطن مصلحة في أمن العراق، ولا سيما على صعيد قيادة القوات العسكرية النظامية، التي تُعدّ أهم شريك لأميركا في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». لذلك يجب على الحكومة الأميركية تكريس المزيد من الجهود للإنذار المبكر والتقييم الخاص بالتغييرات التي تطرأ على المناصب القيادية الرفيعة في العراق، ولا سيما عمليات الاستبدال المتعددة للضباط الذين لديهم سجل حافل مثبت في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» أو منع عودة ظهوره. ويتعين على «قوة المهام المشتركة» والسفارة الأمريكية تقديم تقارير منتظمة إلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إذا قدّم القادة الجدد خدمات خاصة للميليشيات، أو كانوا أقل تعاوناً من أسلافهم، أو رفضوا الأوامر القانونية الصادرة عن بغداد.وقد تكون مساعي الجيش العراقي لاستيعاب الميليشيات والسيطرة عليها في سهل نينوى بمنزلة اختبار مبكر للنجاح على هذا الصعيد. وتبقى معرفة من الذي كان وراء قرار تنحية الجبوري - وسبب ذلك القرا - مسألة مهمة أخرى يجب تقصيها. وقد يوفّر التدقيق في دور «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في اختيار محافظ نينوى الجديد معلومات إضافية عن موثوقية شركاء الولايات المتحدة. ولا يمكن لواشنطن أن تأمل منع حدوث انزلاقات في القيادة العسكرية والمدنية في العراق إلا من خلال الإصرار على تسليط الضوء على السلوك السلبي. ● مايكل نايتس وألكسندر ميلو- واشنطن إنستيوت
دوليات
تبديل مراكز جنرالات عراقيين... من المستفيد؟
14-06-2019