جريمة عامل النظافة!
انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لرجل يرتدي لباس عامل النظافة بلونه الأصفر، وهو يقف بجانب سيارة صغيرة بيضاء اللون قديمة نسبياً، ثم يقودها من ساحة ترابية خالية إلا من بضع مركبات خردة باتجاه طريق صغير، وعندها ينتهي المقطع المصور، لتنهال بعد ذلك التعليقات الغاضبة احتجاجاً على هذا التصرف، وكأنها جريمة العصر مع الدعوة إلى وقف التصدّق على عمال النظافة بالقرب من المناطق السكنية، أو إشارات المرور دون أي تحقق من الخبر.فعلاً أمر غريب، ليس لقيادة إنسان بسيط بوظيفة متواضعة لسيارة، وإن افترضنا أنها سيارته أو حتى إن كان قد وفر قيمتها من صدقات المحسنين، ولكن لعقلية بعض الناس والتفاعل السلبي مع قصة كهذه، وكأنها ساعة القيامة، ولبلوغ حد الثقافة المجتمعية لدى بعض الناس إلى هذا المستوى المخجل، حيث أعلنت وزارة الداخلية أن ذلك الشخص قد انتحل صفة عامل النظافة بغرض التسول.
لكن هذا المشهد قد يساعد في فتح موضوع العمالة، وخصوصا شريحة عمال النظافة، ممن يتم تحميلهم الكثير من المشاكل والظواهر السلبية، فعامل النظافة عندنا في طليعة المتهمين في جرائم السرقة، كما أنه المسؤول عن ظاهرة التسول، وهو الوعاء الذي يفرغ فيه البعض غضبهم وصراخهم، متناسين أنهم أصحاب الفضل في المحافظة على نظافة بلدنا بشوارعها ومناطقها السكنية، ولولاهم لكنا في مستنقع من القذارة، والتجربة اللبنانية مع أزمة النفايات خير دليل على هذا المعنى.عمال النظافة وفقاً لمصدر مسؤول في بلدية الكويت يبلغ عددهم 12 ألف إنسان يعملون وفق عقود مع شركات خاصة برواتب زهيدة لا تزيد على 40 دينارا، أي ما يعادل نصف قيمة وجبة عشاء لعائلة صغيرة في أحد المطاعم، ولا نعلم حتى ظروف سكنهم ومعيشتهم أو حقوقهم المدنية والإنسانية، أما مظهرهم في لباس العمل فيرثى له الحال مقارنة بالكثير من الدول المتحضرة، وإن كان مستواها المعيشي والاقتصادي أقل منا بكثير.ومع هذا فإن أصحاب القلوب الرحيمة لا يبخلون في مساعدة هذه الطبقة المحرومة من صدقات أو غذاء أو ملابس أو أجهزة مستعملة، وأعتقد جازما أنه لولا هذا المظهر البائس الذي يخرجهم به أرباب عملهم إلى الشارع لاختفت ظاهرة التسوّل أو حتى مع التسوّل، فقد لا تكون ردود فعل الناس كما نراها حالياً.يبقى أيضاً أن الإنسان لا يقدم على الاستجداء وإسقاط ماء وجهه في الغالب إلّا إذا كان فعلاً محتاجاً ومعدماً، ويبقى أيضاً أن أصحاب الأيادي البيضاء لا يبخلون في مساعدة الآخرين كسنّة محمودة في ديننا الحنيف وشيمنا الأخلاقية مهما فرضت القيود، فمنبع ذلك هو الذات والروح ورضا الله تعالى. فإذا كان البعض قد نسي هموم هذا المجتمع واستباحة ثرواته، ومنها أن شركات العمالة تتقاضى من المال العام نحو 200 دينار عن كل عامل، فليكرمنا بسكوته عن التطاول على المستضعفين من البشر، فعامل النظافة حتى إن ركب سيارة فهو لا يقل شأناً عنا وربما يكون أفضل منا في موازين البشرية وعند خالقنا جميعاً، ولا أحد مجبور على مساعدة هذا العامل عند الإشارة حتى يتبع صدقته لاحقاً بالمن والأذى، فلنتق الله فيما بيننا في بلد أطلق عليه بلد الإنسانية، فالنعمة زوالة!