ازدواجية اللغة والاندثار اللغوي
في سنة 2000 ، التي كانت السنة الدولية لثقافة السلام، أسست منظمة اليونيسكو التابعة لهيئة الأمم المتحدة برنامج (اللغة الأم) الذي اتخذ يوم 21 فبراير ليكون اليوم العالمي للغة الأم، ويهدف إلى حماية 6000 لغة من الاندثار. ففي عام 1998 ، نشرت مؤسسة الإحصاء الكندية تقريرا مفاده أن نحو 47 لغة من أصل 50 لغة متداولة في كندا قد أخذت طريقها للاندثار، فعدد لغات العالم لا يقل عن 6000 لغة في 198 دولة، وهذا لا يتضمن عدد اللهجات المتفرعة عن كل لغة، فمثلاً تُحسب اللغة العربية بدون لهجاتها العامة، فلنأخذ المملكة العربية السعودية وهي ثاني أكبر دولة عربية، حيث تمتلك المملكة أكثر من 28 لهجة وتختلف هذه اللهجات باختلاف مناطق المملكة. يقول الباحث خالد الشايع، في مقاله "عندما لا يفهم السعوديون بعضهم البعض": عندما يتحدث اثنان من منطقة القصيم في وسط السعودية، لن يفهم الحجازي كلمة واحدة منهما، ويقول أ. د. عبدالسلام المسدي، أستاذ اللغويات في جامعة تونس، في كتابه "العرب والانتحار اللغوي": إن لغات العالم تموت بمعدل 25 لغة في كل عام.
وفي دراسات أخرى تقول إن اللغة العربية كغيرها من اللغات غير محصنة، فلم تسلم اللغة العربية من ظاهرة (الازدواج اللغوي). ظهر هذا المفهوم في عام 1902 حيث تحدث عنها العالم الألماني كارل كومباخر، إلا أن تدشين هذا المصطلح يعود إلى الفرنسي وليام مارسيين الذي دشنه في اللغة الفرنسية عام 1930 ، وعرف هذه الظاهرة بأنها "صراع قائم بين لغة أدبية مكتوبة وأخرى عامية"، وفي عام 1959 قدم الأميركي شارلز فيرغسون إلى اللغة الإنكليزية أربع حالات توجد فيها الازدواجية بشكل واضح وهي اليونانية، والألمانية، والعربية، والسويسرية.هنالك حالات مشهودة في سيطرة اللهجة على اللغة الرسمية، كما هي حال اللغة الإيطالية والإنكليزية على اللاتينية، ويسميها أ. يوسف المحميد، أستاذ اللغة العربية، "التمرد اللغوي"، حيث تتمرد اللهجة العامية على اللغة الرسمية، ويعود هذا التمرد باستخدام اللغة الرسمية في مستوى ثقافي معين، ويقول فيرغسون إن الازدواج اللغوي يحدث عندما يقتصر استخدام اللغة الرسمية (الفصحى) على فئة قليلة في المجتمع، وهذا ما تطرق له يوسف المحميد ود. عبدالله السرحان في محاضرة "مستقبل اللغة العربية" حيث نرى أن الإعلانات الرسمية للشركات وإعلانات المؤسسات التربوية والإدارية وحتى في كتابة المقالات في الصحف تميل إلى استخدام اللهجة العامية. وقد بحثت الدكتورة مروى الرويح، أستاذة اللغويات في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي في ظاهرة التبديل اللغوي (استخدام اللهجة الكويتية واللغة العربية معاً) في أعمدة الصحف المحلية، وتذكر أن هنالك أبعادا اجتماعية أهمها إدراك العواقب المرتبطة بقواعد كتابة المقال في الصحف، ولتجنب الأضرار، يلجأ الكتاب إلى اختيار اللغة العربية الرسمية عوضاً عن اللهجة الكويتية.بالرغم من أن اللغة العربية الفصحى غير محصنة كأي لغة من لغات العالم، برأيي أن استخدام ازدواجية اللغة (اللهجة) هو حالة لغوية عفوية فعلاً، أما اللهجة فهي معرضة للتغيير والتطور، وهو أمر لا مفر منه، ويعود هذا التغيير بسبب التكنولوجيا والاتصال مع اللغات الأخرى. تقول الدكتورة جين ستر، أستاذة الصوتيات واللغويات في جامعة ريدنج في تغريدة حديثة لها: "إن اللغة الإنكليزية لم تكن ولن تكون لغة (نقية) أبدا، فاللغات تتغير، اعتادوا على هذا التغيير، وتعلموا أن تحبوه". لهذا، وفي الآونة الأخيرة، استمع إلى البعض يستخدم الفعل (يحب) وهو فعل عادة يتطلب وجود مفعول به ملفوظ، أما الآن، فيستخدم أشبه بالفعل اللازم (حبيت) بدون ذكر المقصود بالحب (ويفهم من سياق المعنى)، وهذا التغيير الذي يطرأ على هذه الكلمة، باعتقادي الشخصي أنه نتيجة استخدام التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، التي بدورها تُلزم المستخدم على النقر على (like).