الاستعجال وغياب النقاشات يصيبان النظام القانوني بالفوضى التشريعية
البرلمان هاجسه الحالي عدد القوانين على حساب أهميتها وسلامتها
التأكد من صيغ المواد وتوافقها مع غيرها منعدم حالياً
مكتب المجلس شريك في تأخر التشريعات لعدم استشعاره أهميتها مبكراً
تشكل لغة الأرقام والمقارنات هاجساً كبيراً لمجلس الأمة الحالي، إذ بات عدد القوانين التي تُقَر في الفصل التشريعي الحالي، مقارنة بالفصول السابقة، أولوية سياسية وإعلامية على حساب قيمة التشريعات وأهميتها وسلامتها القانونية، وهو ما تعكسه المساعي الحالية التي تدفع نحو إقرار أكبر عدد من القوانين قبل انتهاء دور الانعقاد الثالث (قبل الأخير).لقد طلب مكتب المجلس في اجتماعه الأخير من اللجان البرلمانية استعجال الانتهاء من القوانين المدرجة على جداول أعمالها، كما يبحث في الوقت ذاته إمكانية عقد جلسات خاصة لمناقشتها وإقرارها، ومن هذه القوانين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتنظيم مهنة المحاماة، والجامعات الحكومية، وحظر الشهادات المزورة، والأحوال الشخصية الجعفرية، وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومفوضية الإصلاح القانوني، بالإضافة إلى عدد من القوانين المتعلقة بالمرئي والمسموع.ولا شك أن لتلك القوانين أهميتها، بيد أن الأهم هو التأكد من صيغ المواد الواردة في التشريعات وسلامتها الدستورية وتوافقها مع التشريعات الأخرى وعدم تعارضها معها، وهو أمر شبه منعدم في الوضع الراهن لغياب النقاش النيابي الفني، وعدم اهتمام أغلبية النواب بالتفاصيل وجودة التشريع؛ فمعظم تقارير اللجان البرلمانية تمر مرور الكرام في الجلسة، بخلاف ما أسست له المجالس السابقة، حيث كانت دورة التشريع تطغى عليها الجدية في السؤال والاستفسار والنقاش، وكانت الموافقة أو المعارضة تُبنَيان على أسس.
السوابق تؤكد أن الفوضى التشريعية والاستعجال يضعان القوانين في خانة الشك ويقين الطعن فيها، وهو ما يعني عدم استقرار المراكز القانونية للأفراد والمؤسسات والشركات وغيرها، لاسيما بعد إقرار قانون حق اللجوء المباشر إلى المحكمة الدستورية وفرض الرقابة الشعبية على التشريعات، وفي حالات كثيرة عقّدت القوانين المستعجلة الواقع الإداري والتنظيمي في الدولة ولم تحقق هدفها، بل زادت السوء سوءاً.قانون تعارض المصالح على سبيل المثال، الذي دُفِع به دفعاً ليكون أحد إنجازات المجلس الحالي، سقط فور تلقيه أول طعن دستوري، وهو، قبل ذلك، من القوانين التي خلقت إشكاليات عديدة في التعاملات المالية والإدارية في الجهاز الحكومي وامتد أثرها إلى القطاع الخاص، وفي ضوء ما أعلن عن طلب استعجاله من قوانين جديدة، فإن النظام التشريعي العام للدولة لا يتحمل المزيد من الأخطاء المشابهة، سواء كانت دستورية أو قانونية، والتي قد تخلق فوضى باهظة الثمن.وفي الواقع، فإن خطأ تأخر التشريعات، التي أعلنها مكتب المجلس أو غيرها، لا يرجع فقط إلى بطء إجراءات اللجان البرلمانية وقلة اجتماعاتها، التي عادة ما تفقد نصابها، وإهمال أعضائها، فهناك طرف رئيسي آخر مشارك، وهو مكتب المجلس، الذي لم يستشعر أهمية تلك القوانين مبكراً، ولم يحاسب اللجان وأعضاءها على التأخر، بعدما تُرِكت التقارير دون متابعة أي طرف، إلى أن حان أوان انتهاء دور الانعقاد قبل الأخير.إذا كان المجلس يبحث عن تسجيل إنجازات في فصله التشريعي الحالي، فإن الأرقام ليست ذات قيمة بقدر نوعية التشريع وقيمته، فمجلس ٢٠١٣ المتخم بالتشريعات والقوانين لا يُذكَر من تاريخه سوى بضعة قوانين من عشرات، كحق اللجوء المباشر إلى «الدستورية»، والبصمة الوراثية، وحرمان المسيء من الانتخابات، لأنها قوانين خلقت أثراً في حياة المواطنين، سواء كان إيجابياً أو سلبياً.