تغريدات الكراهية *
تلتقي في كل مقهي بعيداً كان أم قريباً، في حي شعبي أو تراثي أو في شوارع مكتظة عبر البحار، في كل اللقاءات الحوار يبدأ وينتهي بجملة لا يمكن إلا أن تكون تعبيراً عن إحباط الكثير من العرب لا النخبة فقط. نحن نغرق في بحار الكراهية والجهل أم هو الجهل الذي يجعل الأرض خصبة للكراهية؟ كلاهما متشابهان، لم تعد الكراهية عبارة عن ثأر يتحدث عنه البعض في المناطق النائية، بل أصبحت الكراهية "حداثية" جداً تنتشر سريعا كالوباء، تدخل بين التغريدة والأخرى تحلّق في ملايين متابعة، ثم تختبئ تحت الجلد، لا يبدو أنها واضحة للرأي أو المستمع أو المتابع، ولكنها هناك تقفز في وجوهنا كلما انفتح حديث بعيد أو قريب من الموضوع نفسه. لو تحدثت عن الحروب فسيقال لك العبارة نفسها "سنّة أو شيعة"، لو قلت التطرف لطاردوك بالعبارة نفسها، لو سئلت عن خطيب تقدم لابنة أخيك لرفع جميع أفراد العائلة صوتهم ليقولوا قبل أي شيء "شيعي أم سني؟"، وحتى عندما يقبل أحدهم بالآخر لا يختفي الغمز واللمز.تنتشر الكراهية دون أن ندركها، يكرر بعضهم قبل أن يبدأ حديثه "أنا مب طائفي بس أهمه.." ويكمل بكلمات لا تنم إلا عن طائفية مقيتة وكراهية لا تشبهنا، لا تقترب من ماضينا، ولا تلامس آباءنا وأجدادنا وبيوتنا العتيقة، حيث لا أحد يعرف مذهب جيرانه سوى أم حسن وأم محمد وأم عمر!!
يقولون له أنت تدافع عنهم فحتما أنت شيعي، وعندما يردد: وما المشكلة في ذلك يأتي الجواب: "آه كنا عارفين إنك شيعي"، يجلس أولئك خلف الأسئلة يحورونها ويتناولاونها بأبعاد من هنا وهناك، ثم يقولون له "أنت سني؟"، فيردد وما أهمية ذلك في عملنا هذا، فنحن نعمل على خدمة البشر "صح"؟ أينما كانوا وكيفما كانت أجناسهم وديناتهم تبرق الأعين له وينفضّ الجمع سريعا. تمثيلية اسمها "الطائفة الكريمة" كلما كرروها، يقول هو "انقلبت معدتي وكدت أن أستفرغ "، فهو يدرك وكثيرين بل ملايين مثله أن ما هي سوى تعبير عن طائفية مقيتة متأصلة جدا. في حين يتحسر المتحسرون، وكثير منا هم على أيام كانت، ويرددون "ياحلو أيام الأول"، يركزون هم أنفسهم على هواتفهم "الذكية" وينقلون تغريدات لعشرات بل مئات، وما هي إلا لحظات ويغرد كل سرب الغربان ليعيدوا نشر الكراهية التي باطنها الجهل حتما أو الخبث والمصالح. يدرك الجميع أن الجيوش لم تعد تلك التقليدية بالأسلحة الثقيلة من دبابات وحاملات جنود وطيارات وصواريخ "ذكية" ولكنها أحيانا تصيب الأصدقاء!! بل أصبحت الجيوش الأكثر خطورة هي تلك التي تجلس في الغرف المكتظة بشباب وشابات همهم أن ينشروا رسائل الكذب والحقد والكراهية، معظمها لا تخدم أوطانهم ولا حتى مستقبل أولادهم ولكنهم المرتزقة الجدد!! ما أكثر الرسائل اليومية التي ما إن تستلمها من صديق أو صديقة حتى تنهال عليك من كل المعارف، فتدرك كم حجم الجهل أو التجهيل الذي نغرق فيه، كم نحن على أتم استعداد لإيجاد أو خلق الأعداء وإشهار السيوف وسحب الخناجر من أغمادها، للدفاع عن الدين والطائفة فقط، لا يدرك بعضهم ان كثير من خطابات الكراهية التي يروجون لها وهم حملات الشهادات ومدعي الثقافة والمعرفة هي لا تختلف كثيرا عن خطابات البغدادي ذاك الذي ظهر فجأة وهو أكثر العرب قدرة على اختراق الحدود المغلقة في أوجه العرب أيضا، هو العربي الوحيد القادر على الانتقال من الموصل الى الرقة ومن دير الزور إلى طرابلس فيما يقف العلماء والكتاب والشعراء عند ابواب القنصليات والسفارات لساعات بحثا عن تأشيرة تسمح بمشاركتهم في مهرجان ثقافي أو شعري أو علمي تنظمه الدولة نفسها التي تمنع التأشيرات على العرب فقط، وتفتح أبوابها مشرعة على كل القادمين من كل حدب وصوب!! تغريدات الكراهية جعلت الكثيرين يقولون كنا أكثر أمنا وسعادة وراحة بال دون هذه التكنولوجيا أو ربما هي كـالكبريت بإمكانك أن تحرق به مزرعة أو أن تشعل نارا لتدفئ بيتك. اختاروا أي تغريدات وعلم تريدون، ذاك الذي ينقلكم الى مصاف شعوب العالم أو الآخر الذي يبقيكم دوما كما يعتقد الكثيرون بدوا بخيام وجمال ونساء سبايا وجواري وحريم!* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية