يحفل كتاب الغزو في الزمن العابس لمؤلفه عبدالله بشارة بأحداث تاريخية مهمة عاشتها الكويت، منها ما يتعلق بتعاطي العراق مع الكويت منذ العهد الملكي حتى عهد صدام حسين، ومنها تعامُل الكويتيين مع هذه الأحداث وتطاولات صدام المتكررة على الكويت التي وصلت إلى ذروتها في قراره الجنوني بغزوها في أغسطس 1990، معتقداً أنه سيدخل أبواب التاريخ كزعيم حقق أحلامه في ضمّها واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة.ويسجل الكتاب الموقف الوطني الغاضب الذي تجسّد في مؤتمر المبايعة التاريخية في جدة، أكتوبر 1990، الذي أكد فيه الشعب الكويتي تمسكه بالنظام السياسي والشرعي، ممثلاً بأميره الشيخ جابر الأحمد.
نجح المرحوم الشيخ صباح السالم في تأكيد الموقف الكويتي برفض الاعتراف بمكافأة سياسية مهما كان شكلها، كما نجح في الحفاظ على الزخم الذي تحقق من خلال مفاوضات لبنان، ولم يتأخر في السفر الى بغداد في الرابع من أكتوبر 1963. ويبدأ المحضر الذي تم الاتفاق عليه خلال الزيارة بالاستجابة لرغبة الطرفين في إزالة كل ما يشوب العلاقات بين البلدين، ولهذا الغرض يزور ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في الكويت، الشيخ صباح السالم، بغداد، بدعوة من رئيس وزرائها اللواء أحمد حسن البكر، ولتحقيق ذلك يتم فورا تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.وأذيع الخبر في كل النشرات ووثائق البلدين، ولم تتأخر الكويت في تعيين سفير، حيث اختارت محمد أحمد الحمد أول سفير في بغداد، وقد عاش في العراق ودرس فيه، وهو من عائلة تجاربة معروفة لها أملاك في جنوب العراق.رافقت عملية الاعتراف المتبادل بين الكويت والعراق، كما نصت عليه اتفاقية عام 1963، الكثير من الإشاعات عن أموال قُدمت رشوةً الى بعض الأطراف العراقية ومثل هذه الإشاعات متوقعة، فلا تنجو اتفاقية بهذه الخلفية من هذا النوع من الاتهامات.أما عن حزب البعث، فيقول طالب شبيب إن أعضاء القيادة القطرية للحزب منزهون من أي اتفاق عن التورط بأي رشوة، إنما مآخذه عليهم تتضمن الاستعجال في إضفاء شرعية محليّة على قرار دولي صادر من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ويقصد انضمام الكويت للأمم المتحدة.كما يشير شبيب إلى أنه سأل الشيخ صباح الأحمد (وزير الخارجية وقتها) عندما التقاه في لندن، (وكان شبيب ممثل الجامعة العربية في لندن)، عن الأموال التي دفعت لأي طرف من قادة «البعث»، وأن الشيخ صباح أجاب بأنه لم يدفع لأحد منهم مليما واحدا.لم يهنأ «البعث» بالحكم بعد التوقيع على اتفاقية الاعتراف بالكويت وفق الرسائل المتبادلة بين البلدين عامي 1923، 1932 ووفق الحدود التي حددتها هاتان الرسالتان.جاءت الأحداث بشكل لم يتوقعه لا حزب البعث ولا نحن في الكويت، فقد استطاع الرئيس عبدالسلام عارف الإطاحة بحزب البعث كشريك أساسي أتى به إلى الحكم واختاره رئيسا للجمهورية للاستفادة من دوره في عام 1958 وتوظيف ما له من علاقات مع القوات المسلحة ومع الضباط كافة، ومجموعة الأحزاب القومية الوطنية.وجاء نظام عراقي جديد خال من «البعث» ومرتاح من أعباء اتفاق الاعتراف مع دولة الكويت الذي وقّعه رئيس الوزراء آنذاك، اللواء البكر، وحكومته التي وافقت أيضا على ترسيم الحدود، الذي رفض عارف المصادقة عليه.ولسوء الحظ، يعود القلق وتتجدد المخاوف وتزداد الشكوك في النوايا، فلم يكن عبدالسلام عارف رجل دولة، إنما جاء من مصانع المغامرة، إذ لم تكن له حميمية مع زواره، وأدخل نفسه في أوهام الوحدة مع مصر دون الإيمان بها، وشكّل الرئيس عبدالناصر خصما شرسا ضد البعث، وتعاون مع القاهرة في التجمعات الثورية دون جدية في التنفيذ.كان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في عهد توليه وزارة الخارجية لا يطيب له الهدوء ما دامت الاجواء العربية ملبدة بالغيوم المزعجة، وكان في مقاربته لهذه الخلافات لا يضيع جهده في التفاصيل ولا في الفروع، وإنما يذهب مباشرة الى الاصل، ويقترب منه مسلحا بالنية الحسنة، وسلامة التصرف، ونقاوة الأهداف، كانت معاناته كثيرة، لاسيما مع موضوع اليمن بين الجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.وفي أجواء الحرب باليمن التي انفجرت عام 1962 واستمرت حتى 1967 بين الأشقاء (مصر والسعودية)، والتي تلاشت فيها القيم العربية المتوارثة، في تبادلية الاحترام وتقدير قياداتها وتفهم خصائصها، وتقدير سياساتها، قرر الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية الكويتي آنذاك، وبدعم من الأمير سمو الشيخ صباح السالم الذي زار القاهرة رسمياً في عام 1965م ونجح في استخلاص تقبل الرئيس عبدالناصر التوسط الكويتي في العمل بكل ما لديه من عزم على مواجهة تلك المصيبة التي لا بد ان يخرج منها المتحاربون.تولى الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية حينئذ، نيابة عن امير الكويت، العملية التوسطية متنقلا بين القاهرة والرياض حاملا مقترحات لقاءات تتم في الكويت، كان طرفها السعودي الدكتور رشاد فرعون المستشار الخاص للملك فيصل، والدكتور حسن صبري الخولي الممثل الشخصي للرئيس عبدالناصر.
جاء الكتاب في 8 فصول تشتمل على مادة تاريخية تبرز الادعاءات العراقية وأحداث الغزو، مسجلاً الافتراءات التوسعية التي تستهدف الدولة الوطنية الكويتية.ويعرض الكاتب هذه الأحداث موثّقة بالتواريخ الدقيقة، مستنداً إلى المصادر العربية والعالمية، إضافة إلى شهادات المسؤولين المعاصرين في وسائل الإعلام، وما نشرته الصحافة في هذا الشأن. وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثانية:
نجح المرحوم الشيخ صباح السالم في تأكيد الموقف الكويتي برفض الاعتراف بمكافأة سياسية مهما كان شكلها، كما نجح في الحفاظ على الزخم الذي تحقق من خلال مفاوضات لبنان، ولم يتأخر في السفر الى بغداد في الرابع من أكتوبر 1963. ويبدأ المحضر الذي تم الاتفاق عليه خلال الزيارة بالاستجابة لرغبة الطرفين في إزالة كل ما يشوب العلاقات بين البلدين، ولهذا الغرض يزور ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في الكويت، الشيخ صباح السالم، بغداد، بدعوة من رئيس وزرائها اللواء أحمد حسن البكر، ولتحقيق ذلك يتم فورا تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.وأذيع الخبر في كل النشرات ووثائق البلدين، ولم تتأخر الكويت في تعيين سفير، حيث اختارت محمد أحمد الحمد أول سفير في بغداد، وقد عاش في العراق ودرس فيه، وهو من عائلة تجاربة معروفة لها أملاك في جنوب العراق.رافقت عملية الاعتراف المتبادل بين الكويت والعراق، كما نصت عليه اتفاقية عام 1963، الكثير من الإشاعات عن أموال قُدمت رشوةً الى بعض الأطراف العراقية ومثل هذه الإشاعات متوقعة، فلا تنجو اتفاقية بهذه الخلفية من هذا النوع من الاتهامات.أما عن حزب البعث، فيقول طالب شبيب إن أعضاء القيادة القطرية للحزب منزهون من أي اتفاق عن التورط بأي رشوة، إنما مآخذه عليهم تتضمن الاستعجال في إضفاء شرعية محليّة على قرار دولي صادر من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ويقصد انضمام الكويت للأمم المتحدة.كما يشير شبيب إلى أنه سأل الشيخ صباح الأحمد (وزير الخارجية وقتها) عندما التقاه في لندن، (وكان شبيب ممثل الجامعة العربية في لندن)، عن الأموال التي دفعت لأي طرف من قادة «البعث»، وأن الشيخ صباح أجاب بأنه لم يدفع لأحد منهم مليما واحدا.لم يهنأ «البعث» بالحكم بعد التوقيع على اتفاقية الاعتراف بالكويت وفق الرسائل المتبادلة بين البلدين عامي 1923، 1932 ووفق الحدود التي حددتها هاتان الرسالتان.جاءت الأحداث بشكل لم يتوقعه لا حزب البعث ولا نحن في الكويت، فقد استطاع الرئيس عبدالسلام عارف الإطاحة بحزب البعث كشريك أساسي أتى به إلى الحكم واختاره رئيسا للجمهورية للاستفادة من دوره في عام 1958 وتوظيف ما له من علاقات مع القوات المسلحة ومع الضباط كافة، ومجموعة الأحزاب القومية الوطنية.وجاء نظام عراقي جديد خال من «البعث» ومرتاح من أعباء اتفاق الاعتراف مع دولة الكويت الذي وقّعه رئيس الوزراء آنذاك، اللواء البكر، وحكومته التي وافقت أيضا على ترسيم الحدود، الذي رفض عارف المصادقة عليه.ولسوء الحظ، يعود القلق وتتجدد المخاوف وتزداد الشكوك في النوايا، فلم يكن عبدالسلام عارف رجل دولة، إنما جاء من مصانع المغامرة، إذ لم تكن له حميمية مع زواره، وأدخل نفسه في أوهام الوحدة مع مصر دون الإيمان بها، وشكّل الرئيس عبدالناصر خصما شرسا ضد البعث، وتعاون مع القاهرة في التجمعات الثورية دون جدية في التنفيذ.
أمن الكويت في حضن العرب
بعد أن أغلقت الكويت الأبواب، بمحض الإرادة والاختيار بسبب التعامل الأمني مع الدول الكبرى في اعقاب شروط الجامعة العربية التي قبلتها كعضو، ظلت القاهرة الناصرية تراقب مدى امتثالها لهذه الشروط، ولم تخيب الكويت ظنون احد من اعضاء الجامعة، فقد انطلقت بشكل متواصل ومكثف في ترسيخ وجودها في العواصم العربية، وفي مؤسسات الجامعة العربية المختلفة، من سياسة الى امن الى ثقافة ورياضة وتحرك ديناميكي مستعد للتوسط بين ابناء العائلة العربية.فبعد الاستقلال مباشرة انطلق صندوق التنمية الكويتي ليشارك في مشروعات تنموية عربية بفائدة رمزية واتسعت اعماله في جميع عواصم العرب، كما تنوعت مشاركاته مع اكتساب الخبرة وتعززت مكانته التنموية في المؤسسات العالمية كتعبير عن الحس الانساني الاخوي الصادر من الكويت في المشاركة في تقدير تلقائي بحق الدول العربية، وغيرها من الدول النامية، بما لدى الكويت من خيرات جاءت من غزارة انتاج الطاقة التي كانت وستظل المنبع الاساسي لاستقرار الاقتصاد العالمي، ودوام الأمن الجماعي في أرجاء المعمورة.ابتعدت الكويت في مسيرتها الدبلوماسية عن اقدم حليف لها من الدول الكبرى حيث انهت الاتفاق الدفاعي مع بريطانيا الذي وقعه الشيخ عبدالله السالم بعد الاستقلال مباشرة، ولمدة سبع سنوات، وانتهى في عام 1968م دون تجديد، وصارت الكويت لأول مرة منذ 1899م بلا غطاء امني عسكري رادع يقف امام الأطماع العراقية ومع استغناء الكويت عن الرادع البريطاني حل مكانه الرادع السياسي الأخلاقي العربي ليشكل غطاء معنويا قد يقيها من المضايقات ومن التمدد العراقي.كانت الكويت في الصف الأول من المساهمين في خطة تحويل مجرى نهري الأردن، ومن الممولين للإستراتيجية العربية لمواجهة تهديدات إسرائيل، كما وضعها الفريق علي عامر، رئيس الأركان المصري في منتصف الستينيات ورئيس اللجنة العسكرية في الجامعة العربية يساعده الفريق عبدالمنعم رياض الذي انتقل بعد ذلك ليكون رئيسا للأركان المصري، ويتوفى شهيدا في حرب الاستنزاف.وكانت المساهمة الأكبر للمنظمات العربية المختلفة، لكن هذا العطاء المادي لا يقارن بالتطوع الاخوي عبر الدبلوماسية لحل الخلافات العربية، من منطلق ايمان الكويت بأن الرادع السياسي العربي والاخلاقي الذي تستند اليه يتحلل في اجواء الخلافات، وتضعف متانته مع استمرار الخناقات التي تصاعدت مع الحرب العربية الباردة التي رافقت انضمام الكويت إلى الجامعة العربية منذ 1961م واستمرت حتى 1967م، حيث أزالت هزيمة 1967م تلك المسببات التي انطلقت بإيحاء من الدبلوماسية الناصرية لتوحيد العرب في موقف سياسي محدد من قضايا العالم رغم اختلاف المصالح والتوجيهات وتباعد الجغرافيا فيما بينهم.محضر متفق عليه بين الكويت والعراق... بغداد في 4 تشرين 1963
استمرار مساعي الصلح
كانت تلك اللقاءات تتم في مبنى خاص تابع للخارجية الكويتية، وتستمر ليل نهار، ورغم المقترحات التي تقدم باستمرار فإن الهوة واسعة بين الراديكالية الطامحة والملكية الغاضبة، واستمرت تلك المساعي حتى انفجار أزمة مايو 1967م، وكنت أحضر بعض الاجتماعات التي عقدها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر مع الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل، وأتذكر أن الاجتماع الأخير حول هذا الموضوع كان في الاسكندرية في صيف عام 1966م، وكان الشيخ صباح يقترح اجتماعاً ثنائياً بين عبدالناصر والملك فيصل، وكان الرئيس عبدالناصر عنيفاً، إذ قال: إن اجتماعاته مع الملك فيصل يكسب منها الملك فيصل مصداقية وشعبية.شكل ذلك الرد نهاية الاتصالات، فمثل هذا الكلام لم يكن مقبولاً في التعامل بين الدول العربية، وغير مألوف في المفردات الدبلوماسية العربية المتوارثة. ولم تكتف الكويت بالانصهار السياسي في هيكل النظام العربي وتولي مسؤولية الحفاظ عليه، بل اتسع حضورها ليشمل الجانب العسكري، وارتفع حجم مشاركتها العسكرية غير المالية إلى الوجود البشري المحارب، حيث ذهبت كتيبة كويتية للمشاركة في حرب 1967م، ووصلت إلى القاهرة في آخر مايو في ذلك العام، وكانت في سيناء مع القوات التي شملها أمر الانسحاب، وأبقت الكويت على القوة، رغم الهزيمة، لتشارك في حرب الاستنزاف، وسقط منها 13 شهيداً في منطقة السويس ضحايا المدفعية الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف.دور الكويت في حرب أكتوبر
كما شاركت في حرب 1973م على الجبهة السورية بأعداد مهما كان تواضعها فإنها كانت رمزاً لقناعة متمكنة من القيادة الكويتية بفعالية التضامن العربي. وفي أغسطس 1966م التقى الرئيس عبدالناصر سمو الشيخ صباح الذي ألح على اللقاء الثنائي مع الملك فيصل خدمة للعرب ولكل الأطراف، لكن الرئيس عبدالناصر كان في موقف حاد يرى في اليمن تصفية حسابات مهما كانت الخسائر التي يتعرض لها الجيش المصري.وكان دور الكويت إزالة هذا الخلاف وردم الهوة بالاستنجاد بالنخوة القومية والمصالح العربية العليا ومنطق التضامن العربي، مستندة في ذلك إلى تضحياتها المستمرة في الالتزام بالخط العربي بما في ذلك فرض حظر النفط على الدول المناوئة.ولم يكن كلام الشيخ صباح الأحمد آنذاك للاستهلاك الاعلامي، ولا من باب المجاملة السياسية، بل كان صوت الكويت المؤمن بجدية مفاهيم التآخي وإملاءات التضامن العربي، لاسيما في أعقاب الهزيمة المؤلمة التي كانت هزيمة للعرب وهزيمة لنظامهم السياسي وهزيمة للأيديولوجيات العروبية، وهزيمة للتمرد الثوري، وهزيمة للاستبداد وحكم الانقلابات.أوجاع التسويف في مساعي الترسيم
يظل السؤال الدائم عن حقيقة هيام حكام العراق بالحصول على الكويت أو على شيء منها؟ وهل جاء من نتاج حكومي مرسوم بمبررات جغرافية حول الإطلالة على الخليج أم أنه وليد أطماع مادية تصب في الخزينة العراقية تنشله من العجز، كما كان يريد نوري السعيد بمساعيه لإدخال الكويت في الاتحاد الهاشمي؟ أم أن الهيام هو استرجاع شيء فقده العراق باقتطاع الكويت من جنوبه بواسطة بريطانيا عبر اتفاقية الحماية 1899، كما كان يردد توفيق السويدي؟ أم أنها أحلام الوحدة العربية بضم الكويت مع بعض الدول العربية المحاذية تحت قيادة العراق، لكي تتشكل دولة عربية واحدة، كما كان يحلم الملك غازي أم غير ذلك؟في منظور الرئيس عبدالسلام عارف الذي استولى على السلطة لا تهم هوية الوسائل التي تحقق الهدف، بل الحصول عليه، فهو الذي رفض التصديق على محضر الترسيم، لكنه ظل يتجمل مع الكويت، فكان منضبطاً في الاعتراف بالكيان ظاهرياً، وكان معارضاً للترسيم مع استمرار لجان فنية لتخطيط الحدود بدأت في منتصف الستينيات وتوقفت مع الحرب العراقية- الإيرانية، تلتقي وتتجمل وتجامل وتذهب إلى أماكن الحدود، كما جاءت في الرسائل المتبادلة مع كشف على الطبيعة وزيارات ميدانية لم يخرج منها شيء مفيد، بل ظلت في المربع الاول، والقصد الإبقاء عليها دون فاعلية.عبدالرحمن عارف رجل بسيط ضعيف الجاذبية محدود الفكر السياسي
لم يهتم عبدالسلام عارف بموضوع الترسيم، ولم يكن له مزاج له، فقد كان يريد توطيد حكمه قبل أي شيء، واستعان بالقوميين العرب، فوزير الخارجية كان عسكرياً برتبة مقدم اسمه «صبحي عبدالحميد»، وكان رئيس وزرائه لفترة ما «عارف عبدالرزاق»، ومجموعة من القوميين أو المتشددين الوطنيين.وأشغل نفسه في تواصل مع الرئيس عبدالناصر والدول المتحررة كما يسميها البعثيون، وظل يعاني تربص البعث به، وتوفي في حادث طائرة هليوكوبتر بالبصرة في أبريل 1966، عن ستة وأربعين سنة.وجاء أخوه عبدالرحمن عارف، وظل رئيسا من 1966 إلى 1968، وكان رجلا بسيطا لا يملك جاذبية عبدالسلام ولا جرأته الاقتحامية، قليل الكلام، محدودا في فكره السياسي، وكان وطنيا عراقيا لا شأن له بالتجمعات القومية والبعثية، لكنها كانت تراقبه وتتلصص على مواقع ضعفه، تسهيلا للقفز عليه.وفي نوفمبر 1965 توفي أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم، وجاء عبدالرحمن عارف (وكان رئيساً للأركان) على رأس الوفد العراقي للتعزية، وسكن في فندق كارلتون بشارع فهد السالم، وحضر الجنازة، وتعرض لهزات من الأمواج البشرية الكويتية المودّعة، فاتصل بي سمو الشيخ صباح لكي أزوره في الفندق للاطمئنان عليه، وكلّمته، وكان متعبا في الفراش، لكنه قال: «هذا الجمهور موجود من المحبة للمرحوم» وكان راضيا رغم التعب.وفي يونيو 1966 زار أمير الكويت الشيخ صباح السالم، العراق، رسميا، وكان الوفد يتشكل من الشيخ صباح الأحمد، ووزير التجارة، مع بعض أعضاء الفريق الفني لترسيم الحدود، وكان السفير محمد الحمد، وكنت ضمن الوفد.كان الشيخ صباح السالم حكيماً في سلوكه لم يضغط على العراقيين، بل طالب بإنهاء الترسيم، وكان الرجل الذي يتحدث بالتفاصيل ويقدم الاعتذارات هو رئيس الوزراء الفريق طاهر يحيى، الذي يتخوف من تآمر «البعث» على النظام.ومن المشاهد التي لا أنساها في تلك الزيارة ذهاب سمو الأمير الشيخ صباح السالم وجميع أعضاء الوفد الكويتي الى قبر المرحوم عبدالسلام عارف وقراءة الفاتحة.