مهام تنموية بانتظار تجار الكويت و«الوافدين»
كيف يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بدور فعال؟ لا بد من التعاون مع الحكومة وإشراك الأكاديميين، وفتح المجال لخبرة الاقتصاديين ورجال الأعمال غير الكويتيين من "الوافدين"، حيث نجح الكثير منهم في بناء مشاريع تجارية ومؤسسات في الكويت على مدى أعوام.
هل التهجم على "الوافدين" شأن إعلامي أم برلماني بحت؟ وهل للقطاع الخاص وبخاصة القطاع العقاري أي دور في "الإدلاء بدلوه" والخوض في هذا المجال؟ ألا يشعر هذا القطاع بأي مخاطر على استثماراته ومصالحه، وألا يتطلع إلى عدم تكرار مشاكل فائض العرض وانحدار الإيجارات؟ أما للملاك والشركات العقارية وشركات مواد البناء والبنوك أي رأي؟ما أهمية غير الكويتيين من مواطني مختلف الدول العربية وغيرها في إحياء القطاع العقاري والبنوك والحياة التجارية؟ وما الجهد الذي يبذله القطاع العقاري من ملاك ومستثمرين لشرح دور هذا النشاط ومردود الإيجارات في الدورة الاقتصادية الكويتية؟ وما سينجم عن أي سياسة مرتجلة انتقامية متسرعة في هذا المجال؟ وهل سياسات الحكومة العقارية والإسكانية وحتى مسائل دعم العمالة الكويتية وفرض نسب من العاملين على هذه الشركات حل ناجح ومفيد اقتصادياً؟ ثمة خمسة أوجه تقصير أراها واضحة في مدى قيام هذا القطاع والقطاعات الاستثمارية والاقتصادية الأخرى في الكويت هي:
1- بالرغم من أن نسبة هائلة من الأموال والمليارات من الدنانير مستثمرة في القطاع العقاري مثلا، فإننا لا نكاد نلمس أي نشاط إعلامي- سياسي فعال لهذا القطاع في الحياة الكويتية الرسمية والإدارية والإعلامية، وإدلاء رأي ومتابعة في القضايا السكنية والإيجارات والقوانين العقارية، وسرعة الإجراءات الحكومية أو بطئها بما يطور هذا المجال، ويبعد التشهير والمتاجرة السياسية عنه... بل كذلك الغش!2- يقوم القطاع الخاص الكويتي على مجموعة ركائز تشمل التجارة والصناعة وتداول الأسهم وبالطبع صعود العقار وهبوطه، ولا شك أن رؤية التجار والمستثمرين ومجالس إدارات الشركات لكويت الحاضر وكويت المستقبل قد لا تتطابق في كل جوانبها مع الرؤية الحكومية، ولكن كيف يرى القطاع الخاص من تجار ومستثمرين هذا الواقع؟ وكيف يخططون أو يفكرون في مستقبله وإيجاد حلول لمشاكله كمشكلة هذا الاعتماد بنسبة 80 أو 90 في المئة على بيع البترول الخام؟ أو على هذا الصعود والنزول الحاد في مجال العقار والأسهم؟ أو مشكلة الفساد المالي والإداري وغير ذلك؟ هل هناك عموماً وجود فعال للقطاع الخاص في الجوانب السياسية والبرلمانية والإعلامية، يوجه الحياة الاقتصادية والإدراية، ويحذر من المنزلقات والتلاعب، ويشير إلى مواطن الزلل؟ وهل لهذا الوجود أدوات ومؤسسات تقوم بمثل هذا الدور؟3- من أهم آثار غياب دور القطاع الخاص في الواقع الكويتي، هذا التدهور المريع الذي نراه في قطاع التعليم العام والجامعي، الحكومي أحياناً والخاص.هل يهتم هذا القطاع الوطني بتطوير التعليم الكويتي وجعله أداة حقيقية مؤثرة للنهوض بالأداء المهني، وبالاقتصاد الإنتاجي والتصديري، وبتحديث مختلف جوانب الحياة في البلاد؟ الجميع يتحدث عن ثورة شرق آسيا ونمورها الاقتصادية بسبب ربط التعليم بالتنمية والتصدير والتجارة.وباستطاعة الكويت إنشاء شركة عملاقة وطنية أو خليجية واستيعاب حتى الكثير من "الوافدين" في هذه الخطة إلى جانب الشباب الكويتيين، لقيام شركات تمتلك براءات اختراع ومواد ومعادن مطورة قابلة للتصدير بمبالغ ضخمة. ويكفي في هذا المجال أن نتذكر دولا في آسيا كاليابان وتايوان وكوريا لا تملك أو بالأصح لم تكن تملك ربع ما نملك من أرصدة و"احتياطيات"، وها هي اليوم تنافس في ثرائها ودخلها ومردود تصديرها دول النفط الثرية كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت. فالناتج الوطني لليابان GDP- التي تستورد نفطنا ونفط غيرنا- نحو خمسة تريليونات دولار، بمعدل 41 ألف دولار سنويا للفرد، وكوريا الجنوبية نحو 1400 مليار بمعدل 38 ألف دولار للفرد سنوياً بموجب إحصائيات مجلة الإيكونوميست لعام 2019.ماذا يريد القطاع الخاص من التعليم في الكويت؟ وأي مخرجات علمية أو تجارية أو إدارية ينشدها المشرفون عليه؟ قرأت في كتيب "الإيكونوميست" هذا العام 2019 المنشور بعنوان Pocket World in Figures 2019 أن GDP إسرائيل 318 مليار دولار، أي نحو 39 ألف دولار للفرد، وأن مصادر الناتج القومي فيها بنسبة 78% من قطاع الخدمات Services و21% من قطاع الصناعة، وأن البطالة أقل من 5%، هذا وهي دولة محاصرة تهددها دول عربية عديدة الى جانب إيران وحزب الله والمخاطر الأخرى، فكيف ينجح الإسرائيليون في الزراعة والصناعة والخدمات، بل لديهم ربما أرقى تعليم في الشرق الأوسط وأفضل الجامعات، وكمية نادرة جدا من الشهادات المضروبة والجامعات التي تنحصر في غرفة أو شقة واحدة، والوزراء والوكلاء الذين ينالون شهادات ماجستير ودكتوراه بقدرة قادر؟!4- مضى الآن نحو 70 عاماً على الاقتصاد الكويتي الجديد القائم على "بيع البترول الخام" منذ 1950 مثلا! ولا أعرف حتى الآن كيف استطعنا أن نعيش منذ عام 1900 حتى 1950 ونستمر اقتصادياً قبل ظهور البترول معتمدين على تجارة السفن الشراعية، في زمن البواخر وعابرات المحيطات، وعلى استخراج وتجارة اللؤلؤ الطبيعي رغم أن اليابان كانت قد طورت منذ أواخر القرن التاسع عشر اللؤلؤ الصناعي؟! هل عشنا في زمن مسروق وفي غفلة من الاقتصاد الدولي؟ على القطاع الخاص من تجار ومستثمرين وشركات كبرى وصغرى، عدم ترك كل خيوط النشاط الاقتصادي بيد الإدارة الحكومية وبيروقراطية الدولة، وتصارع الكتل والقبائل والوزراء والتيارات والحكومات المتعاقبة، ولا بد لهذا القطاع كما ذكرنا من متابعة دائمة للأداء الحكومي، فالحكومة تجد نفسها وسط صراعات وموازنات، واختياراتها ليست الأفضل دائماً في التعليم والتجارة والبريد والأوقاف وكل مجال. ولا شك أن القطاع الخاص يعيش بدوره الكثير من الانقسامات وصراع المصالح، ولكن ما يجمع بين الشركات المتنافسة الكبرى للأسف الاعتماد المطلق في الكويت والدول الخليجية وحتى العراق، على الإنفاق الحكومي! وهذا يعني أننا سنكون معتمدين على سياسات الحكومة وأسعار النفط والمساومات السياسية والتنموية وغيرها لسنوات قادمة!ولهذا، فنحن لسنا دولاً متقدمة تعتمد على تجارة تصدير الإلكترونيات والسيارات والخدمات وغيرها مثل أوروبا وشرق آسيا، ولسنا كذلك بسبب وجود العوائد البترولية المليارية، دولاً نامية فقيرة.ورغم أننا نمتلك أجمل المدارس والوزارات فإن ما يجري داخلها وما يخرج منها شيء آخر! فما حدود مسؤولية القطاع الخاص في هذا المجال؟ وإلى متى اعتماد القطاع على الحكومة لا العكس؟ألا تكفي سبعون سنة للنضج والدخول كشريك في تحمل المسؤولية الحقيقية؟ إن صغر مساحة الدولة لا يعني اقتصادياً الكثير بالضرورة، فالناتج القومى لبقعة جغرافية ضيقة و"دويلة" صغيرة مهددة مثل "هونغ كونغ" يزيد على 320 مليار دولار، وتزيد صادراتها الصناعية وغيرها، في هذه البقعة الصغيرة، على 462 مليار دولار. أما جمهورية إيران الإسلامية مثلا، وهي أكبر من هونغ كونغ بعشرات المرات، فناتجها القومي 404 مليارات دولار، ولكن في حين يبلغ متوسط الناتج القومي للفرد في الأولى 44 ألف دولار، نراه يبلغ نحو خمسة آلاف دولار في إيران، لا تصدر هونغ كونغ العمالة ولا تعتمد على التحويلات الأجنبية ولا رسوم المرور، وكان دخلها من السياحة عام 2015 نحو 36 مليار دولار، وكان دخل تركيا منها 27 مليار دولار.5 - لا بد إذاً من تطوير رؤية عصرية مستقبلية للاقتصاد والمجتمع الكويتي وعدم ترك مصيره لمثل هذا الارتجال الذي نعانيه، فما نحن فيه منذ سنوات إلى اليوم ليس اقتصادا حراً حديثاً إلا ظاهرياً.وهو بحاجة ماسة إلى إعادة نظر شاملة، ودراسة قوانين الإقامة والاستثمار والتصدير والضرائب.نحن بحاجة إلى إدارة لا تقسم مواطنيها إلى أصلاء ودخلاء، بل عاملين وخاملين، وخدمات الكويت كي ترتقي وتستقر، التعليمية والصحية والمهنية والإدراية وغيرها، بحاجة إلى إدارة جيدة،وعلى القطاع الخاص التجاري والمالي والعقاري ألا يكتفي بزيادة الأرباح بل النهوض الحقيقي بالاستثمار، وتطوير البديل للنفط وبيعه، بعد أن تعثرت الحكومة، وعجزت على امتداد أكثر من نصف قرن. كيف يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بدور كهذا؟بالطبع، لابد من التعاون مع الحكومة وإشراك الأكاديميين، ولكن لابد في اعتقادي من فتح المجال لدور وخبرة الاقتصاديين ورجال الأعمال غير الكويتيين من "الوافدين"، حيث نجح الكثير منهم في بناء مشاريع تجارية ومؤسسات في الكويت على مدى أعوام، بدأت من محلات ومطاعم وورش صغيرة حتى باتت مؤسسات وشركات كبرى تتعامل بالملايين، بل قد تحتم علينا الضرورة الاستعانة حتى برجال الأعمال الهنود والباكستانيين والإيرانيين والغربيين وكل "الوافدين"!