ظننا السنة الماضية أن نيكارغوا قد تغرق في حرب أهلية، فعندما واجه الرئيس دانيال أورتيغا ونائب الرئيس، زوجته روزاريو موريلو، تظاهرات حاشدة، لجآ إلى القمع والعنف، مما دفع بالمتظاهرين إلى المناداة بمطالبهم بغضب، ولكن اتضح بعد سنة أن الرئيس وزوجته نجحا في تجاوز التحدي الأكبر أمام سعيهما إلى البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى، إلا أن شرعيتهما انهارت، فضلاً عن أن اقتصاد البلد في حالة يُرثى لها، وقد تحمل الأيام المقبل أوضاعاً أسوأ.إذا سارت كل المسائل وفق ما خطط له أورتيغا، فستنتهي التظاهرات، التي بدأت في شهر أبريل عام 2018، رسمياً في غضون أسبوع، فقد أقر المجلس التشريعي في نيكارغوا السبت الماضي مشروع قانون يمنح عفواً كاملاً لمن نفذوا عملية القمع الحكومية، مما يبدد بالتالي أي احتمال في إجراء تحقيقات أو مقاضاة أو معاقبة كل مَن شاركوا في حملة أدت إلى مقتل المئات، وفي الوقت عينه، تعهدت الحكومة بإطلاق سراح جميع السجناء المعتقلين بسبب مشاركتهم في التظاهرات بحلول الثامن عشر من يونيو، لكن قانون العفو يفرض على مَن يُطلق سراحهم الامتناع بشكل نهائي وقاطع عن التظاهر ضد الحكومة.
جوبه قانون العفو هذا بانتقاد حاد من الأمم المتحدة، علاوة على ذلك أخافت الاضطرابات المتواصلة الكثير من السياح والمستثمرين، تشمل مصادر دعم الاقتصاد الثابتة الأموال التي يرسلها أبناء نيكارغوا في الخارج، فقد بعث هؤلاء بأكثر من 500 مليون دولار إلى الوطن خلال الأشهر الأربعة الأولى فقط من عام 2019، علماً أن هذا ارتفاع كبير مقارنة بالفترة عينها من العام الماضي، وربما يعود ذلك إلى تزايد عدد النيكارغويين الذين يعيشون في الاغتراب.برز نجم أورتيغا كثوري ماركسي قاد ثورة عام 1979 في نيكارغوا عندما أطاح الساندينيون بنظام حكم سوموزا المستبد، وبعد عقود، ما زال أورتيغا يقف إلى جانب اليسار في أميركا اللاتينية، إلا أنه ما عاد يستطيع الاعتماد على خط إمداد مالي من فنزويلا الغنية بالنفط، التي تواجه أزمة أشد سوءاً، أو حتى كوبا التي لا تنفك مشاكلها تزداد تعقيداً. نتيجة لذلك، انحدر اقتصاد نيكارغوا إلى ركود كامل يُعتبر الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية قبل نحو عقد من الزمن.بالإضافة إلى ذلك، يلوح في الأفق تحدّ جديد من واشنطن، فطوال سنوات رفعت أكثرية من كلا الحزبين في الكونغرس الأميركي الصوت منددة بتعديات أورتيغا ضد الديمقراطية، حتى إنها طالبت بفرض عقوبات عليه بعد الانتخابات غير النزيهة في عام 2016، وتصنّف إدارة ترامب اليوم أورتيغا مع مَن تعتبرهم أعداء الولايات المتحدة الإقليميين، فارضةً عليه عقوبات جديدة وملوّحةً بعقوبات إضافية.كذلك نعت جون بولتون، مستشار ترامب المتشدد لشؤون الأمن القومي، أنظمة فنزويلا، وكوبا، ونيكارغوا بـ"ترويكا الطغيان" في أميركا اللاتينية، وسخر من قادتها واصفاً إياهم بـ"أغبياء الاشتراكية الثلاثة"، وفي أواخر شهر أبريل، فرضت العقوبات الأميركية إنهاء "بانكورب"، وهو مشروع مشترك أسسته عام 2015 شركة النفط الحكومية الفنزويلية PDVSA وشركة نفط نيكارغوا التي تديرها الحكومة بهدف دعم أورتيغا، فقد عمدت حكومة نيكارغوا أخيراً إلى شراء هذا البنك، الذي يدعوه بولتون "صندوق تمويل أورتيغا الفاسد".علاوة على ذلك، تدعم مجموعات حقوق الإنسان هذا الضغط الأميركي الجديد على نظام أورتيغا. فقد حضت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قبل أيام الكونغرس على فرض عقوبات مستهدفة على كبار قادة نظام نيكارغوا المسؤولين عن الانتهاكات.ربما نجح أورتيغا في النجاة من زلزال التظاهرات، بيد أن تسونامي الضغط الاقتصادي قد يهدد أخيراً بالإطاحة به.*«فريدا غيتيس»
مقالات
ما موقف أورتيغا من الاضطرابات الاقتصادية في نيكارغوا؟
20-06-2019