بعد هزيمة تنظيم «داعش» في الحرب في سورية والعراق تجهد الحكومات في شتى أنحاء العالم– بما في ذلك الولايات المتحدة– لمواجهة تحديات جديدة من هذا التنظيم، ماذا سنفعل إزاء الآلاف من أفراد عائلات «داعش» الذين ينتمون إلى قتلى أو أسرى هذا التنظيم.الآلاف من النساء من جميع أنحاء العالم– من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والشرقية وآسيا الوسطى وغيرها– سافرن إلى العراق وسورية عندما كان تنظيم «داعش» في ذروة قوته ونفوذه وتزوجن من عناصر في التنظيم وحملن أطفالاً، وأخريات أخذن أسيراتٍ من مناطق كردية ويزيدية ومسيحية ومجتمعات أقلية أخرى في سورية والعراق خاضعة لتنظيم «داعش» وتم استيعابهن في نهاية المطاف في التنظيم الإرهابي بشكلٍ أو آخر.
الكثير من تلك النسوة يردن اليوم العودة الى بلدانهن مع أطفالهن نظراً لاندحار نظام «داعش» ولم تعد ثمة رغبة في سورية والعراق لقبول تلك العناصر على شكل مواطنين، وسواء أمكن إعادة توحيد هذه الشريحة فهي مسألة صعبة جداً تنطوي على مضاعفاتٍ أمنية هائلة وخاصة بالنسبة الى دول آسيا الوسطى التي تواجه قضايا أمنية وسياسية وعرقية.
عودة النساء
وأعلنت أوزبكستان في الآونة الأخيرة مبادلة 156 أسيراً من تنظيم «داعش» معظمهم من النساء والأطفال كانوا يعيشون في أجزاء من سورية خاضعة لسيطرة المجموعات الإسلامية. ولا يزال حوالي 300 مواطن أوزبكي آخرين مشردين في الصحراء السورية وقد يتبعون للمجموعة الأولى مع توفير السكن الملائم والتوظيف.من جهة أخرى أعلنت حكومتا كازخستان وطاجيكستان عودة مواطنيهما الذي انظموا إلى المجموعات المتطرفة.وتتحمل حكومات آسيا الوسطى متاعب هذا العمل السياسي بعكس ما هي الحال بالنسبة الى الحكومات الأوروبية التي اتهمت بالتحامل مع المجموعات المتطرفة (وقامت الولايات المتحدة في وقتٍ مبكر من هذه السنة بمبادلة مجموعتين صغيرتين من النساء والأطفال من سورية).وسوف تشكل عملية مبادلة وتوحيد أنصار تنظيم «داعش» تحدياً لكنها تشكل أيضاً فرصة لوضع متطلباتٍ ردكالية للمستقبل وتطوير التعليم الإسلامي الذي يعكس تجارب دول آسيا الوسطى المبنية على التقاليد الثقافية المحلية التي أنتجت العمل الأساسي في علوم الفلك والطب.ويقول أحد المراقبين، إن الترحيب الذي قوبل به أبناء العائلات كان لافتاً من جانب الرئيس الأوزبكي شافكات ميرزييويف Shavkat Mirziyoyev في 2017 مؤكداً أن القتال في العراق وسورية سوف يخلو من مواطني بلاده، وفي الواقع فإن ما تفعله طشقند يتماشى مع ملاحظة رئيس الجمهورية التي أعلنها في شهر يونيو من عام 2017 والتي رسمت الفوارق بين المواطنين.وإذا نجحت عملية إعادة التوحيد فستكون لها عوائد فورية طويلة الأجل وربما يخضع البالغون لتعليمات تهدف إلى جمع استخبارات، وتقرر مدى قابليتهم لارتكاب جرائم تنظيم «داعش»، وفي الأجل الطويل فإن عملية إعادة التوحيد للنساء وأطفالهن في المقام الأول ستشكل علامة فارقة لجهود الحكومة والنجاح يمكن أن يشكل فرصاً «راديكالية» لعمل أكثر صعوبة، عندما يعرف الشبان أن بلادهم تظهر تسامحاً وليونة مع أولئك العائدين الى المسار المستقيم.ويمكن لأوزبكستان أن تخلق جهود تحويل ناجحة يمكن أن تشكل نموذجاً لدول أخرى مع التعاون الجائز لرجال الدين والحكومة والمجتمع المدني كما هي الحال في المنطقة الفلسطينية أو باكستان. وبعد هذا كله يشار إلى أن الإرث السوفياتي ترك الكثير من دول آسيا الوسطى من دون تقاليد دينية عميقة الجذور لتشكيل ثقلٍ مقابل للتطرف.نقاش عملي
وقد انتقلت عملية إعادة توحيد عائلات تنظيم «داعش» إلى نقاش من الناحية النظرية إلى الناحية العملية.وسوف يواكب إرث الإلحاد السوفياتي والافتقار إلى التعليم الديني والتهديد بضم الشبان إلى تنظيم «داعش» عن طريق الإنترنت الذي يوفر فرصة للحكومة لوضع تقاليدها على الطريقة الشرق أوسطية. كما أن قيادة الاتحاد السوفياتي للسيطرة على الإسلام لمصلحة الاشتراكية الثورية وتشجيع إحياء الموارد العضوية في البلاد مثل إقامة مركز الحضارة الإسلامية في طشقند لتدريب رجال الدين سيضمن اللغات المحلية لأن المجتمع المحلي يعرفهم جيداً.ولتحقيق هذا الهدف قد تضطر حكومة أوزبكستان إلى تنفيذ المزيد من الرقابة اليدوية بقدرٍ يفوق الحرية الدينية، ولذلك سوف تنفق هذه الحكومة البعض من الوقت في تفسير ما تقوم به والأسباب الكامنة خلفه.وفي عام 2017 وجدت حكومة أوزبكستان نفسها هدفاً للجنة الأميركية حول الحرية الدينية كما أنها اتهمت بتحديد حقوق المجموعات الدينية كلها ومحاولة التحكم بالأنشطة الدينية والرقابة العقائدية وكانت وزارة الخارجية الأميركية تقول أوزبكستان (دولة ذات اهتمام خاص).وشجب العلماء في دول آسيا الوسطى تقرير هذه اللجنة، وأشاروا الى أن أحكام أوزبكستان «تساعد على حماية العلمانيين المسلمين من رجالٍ ونساء والأقليات من الفئات الدينية» وأنها تنصح بمعاقبة دولة تطبق الفصل المحدد بين الكنيسة والدولة وقد رفضت تحديد الإسلام على شكل ديانة رسمية للدولة كما أنها تحافظ على القوانين العلمانية بعكس حلفاء دول من خارج حلف شمال الأطلسي مثل أفغانستان وباكستان.مشروع خال من التطرف
وفي عام 2018 رفضت وزارة الخارجية الأميركية تسمية أوزبكستان دولة ذات اهتمام خاص بسبب قيودها على الحرية الدينية. كما أن هذا القرار سيعطي طشقند الفرصة وهي تتبع المشروع الخالي من التطرف والذي قال ميرزيويف إنه يبدأ بالتركيز على الرعاية الروحية للشبان في بلاده ووصف جهود المجتمع بأنها «تمثل وجود 7 آباء جيران لطفلٍ واحد» وهذه مفارقة تستحق الملاحظة في سياق هذا المسار السياسي المعقد.يذكر أن لدى أوزبكستان وجاراتها في آسيا الوسطى الوسائل والفرصة لتطبيق أدوات الوظائف والتعليم الديني والمشاركة المجتمعية لإنقاذ الشبان وإعطاء الأطفال الأبرياء فرصة لحياة حقيقية وهو أكثر ما تخشاه المجموعات الإرهابية.* جيمس ديورسو- ذي هيل