طاقة شرق المتوسط والسلام في الشرق الأوسط

نشر في 21-06-2019
آخر تحديث 21-06-2019 | 00:00
حقل «أفروديت» للغاز الطبيعي على بُعد 100 ميلٍ جنوب قبرص
حقل «أفروديت» للغاز الطبيعي على بُعد 100 ميلٍ جنوب قبرص
من المحتمل أن يكون التعاون في مجال الغاز مدرجاً على جدول الأعمال في ورشة العمل الاقتصادية التي تستضيفها البحرين في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر بهدف تطوير جهود السلام بين إسرائيل وفلسطين التي تبذلها إدارة ترامب.
بعد عامٍ من المفاوضات، أعلنت حكومة قبرص واتّحادٌ تقوده شركة «نوبل أنرجي» ومقرها في تكساس اتفاقاً بشأن عقدٍ منقّح لاستغلال حقل «أفروديت» للغاز الطبيعي الذي يقع على بُعد 100 ميلٍ جنوب الجزيرة، ويكلّف تطوير الحقل، الذي يمتدّ جزءٌ منه في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، عدّة مليارات من الدولارات، وستتدفق كميات الغاز الأولى في عام 2024 كحدٍ أدنى، وربما باتجاه مصر ليتم تصديرها إلى باقي أنحاء العالم.

ويُقدَّر إجمالي الإيرادات على مدى الأعوام العشرين التي يُتوقَّع أن يدوم فيها الحقل بأكثر من 9 مليارات دولار، وتبدو الخطوة التالية في الصفقة- أي الإقرار الرسمي من الحكومة القبرصية- بمنزلة نتيجة حتمية، لكن كما هي الحال غالباً، تتم مقاربة أي تطورات متعلقة بالطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط من زوايا جيوسياسية أوسع نطاقاً.

يمكن تسوية المطالبة الإسرائيلية بحقل «أفروديت» عبر التحكيم، لكن برزت ملامح مسألة أخرى أكثر صعوبة بكثير في يونيو، عندما أعلنت تركيا أن القبارصة الذين يعيشون في المنطقة الشمالية التي يحتلّها الأتراك من الجزيرة يتمتعون بحقوق نيل حصة من الحقل.

وسبق أن أقرت مبدئيّاً الحكومة المعترَف بها دوليّاً في نيقوسيا- التي تؤكّد سيادتها على كامل الجزيرة وتمنح جوازات سفر إلى القبارصة الأتراك- أن الإيرادات الأخيرة لحقل «أفروديت» ستكون لكافة القبارصة.

ومع ذلك، فإن ما يعقّد هذا المبدأ هو العدد الكبير من المستوطنين الأتراك على الجزيرة، الذين يفتقر الكثيرون منهم إلى الإرث القبرصي المثبَت والمطلوب للحصول على جوازات السفر وبعض الحقوق الأخرى. لذلك يتسبب التصريح الأخير لأنقرة بتفاقم المخاوف من قيام القوات البحرية التركية بمضايقة عمليات التنقيب والتطوير الدولية في المياه المتنازَع عليها.

وفي غضون ذلك، تم إيقاف إمدادات الغاز التي تولّد ثلثي الكهرباء في إسرائيل لوقتٍ قصير في الشهر الماضي بسبب القلق من أن إطلاق قذائف «حماس» من غزّة قد يهدد المنصة البحرية العاملة للخطر.

فمثل هذه الأحداث هي جزءٌ من سبب وقوع منصة إسرائيل الثانية- التي يتم بناؤها حاليّاً لخدمة حقل «ليفياثان» الذي يوشك على البدء بالإنتاج- في مكانٍ أبعد شمالاً وأقرب إلى الشاطئ، حيث يمكن حمايتها بشكل أفضل.

وتبحث إسرائيل عن شركات يمكن أن تنقّب في مياهها عن المزيد من الغاز. وعلى الرغم من إرجاء الموعد النهائي للمناقصات على تسع عشرة كتلة بحرية إلى منتصف أغسطس، الأمر الذي ربما يعكس قلة اهتمام المستثمرين، لكن وفق بعض التقارير ما زال المسؤولون الإسرائيليون يأملون أن تقتنع شركة «إكسون موبيل» بالصفقة.

فحتى الآن، أبدت الشركة الأميركية اهتماماً أكبر بالكتل القبرصية، كما فعلت بعض الشركات الأوروبية مثل «توتال» الفرنسية و»إيني» الإيطالية.

وتهتم الشركتان الأخيرتان أيضاً بالتنقيب في مياه لبنان، رغم الاختلال الوظيفي للحكومة، والعطل في شبكة إمدادات الكهرباء، وتطفّل النفوذ الإيراني في البلاد. فهما تأملان البدء بالتنقيب شمال غرب بيروت قبل نهاية هذا العام. والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن اتحادهما، الذي يشمل شركةً روسيةً، يريد التنقيب في كتلة أخرى تضم قطعةً من البحر متنازَع عليها مع إسرائيل.

وتحت تغطية «الأمم المتحدة»، كان الدبلوماسيون الأميركيون يشجّعون كلا البلدين على التوصل إلى اتفاق على الأقل حول بعض عناصر خلافاتهما المتعلقة بالحدود البرّيّة والبحرية التي استمرت عقوداً، وربما يشير ذلك إلى اهتمام الشركات الأميركية بالتنقيب في مياه لبنان.

لكن عندما يتعلق الأمر بصفقات الطاقة، فحتى معاهدة السلام لا تضع حدّاً للحساسيات العامة إزاء التقارب مع إسرائيل.

فعلى سبيل المثال، تعززت الروابط الأمنية والاستخباراتية بين الأردن والقدس بشكل كبير منذ أن وقّعت الحكومتان معاهدتهما في عام 1994، وزوّد الغاز الإسرائيلي المعامل الصناعية الأردنية بالطاقة في البحر الميّت على مدار العامين الماضيين.

لكن نظراً إلى استمرار ضعف العلاقات بين شعبيْ البلدين، فإن العديد من الأردنيين يعارضون احتمال استخدام غاز حقل «ليفياثان» لتوليد الكهرباء على نطاقٍ واسع بدءاً من أوائل العام القادم.

وبدّدت عمان هذا الغضب جزئياً حين وصفت هذه الإمدادات «غازاً شماليّاً» أو «غازاً أميركيّاً»، مؤكدة دور شركة «نوبل» في إنتاجه.

وتُشجّع واشنطن أيضاً «منتدى غاز شرق المتوسّط» الجديد القائم في القاهرة من أجل التعاون في مشاريع الطاقة، على الرغم من أن لبنان وتركيا لم يُدرجا بعد في المنظمة، وفي غضون ذلك، يقود «مكتب موارد الطاقة» ركيزة الطاقة في «التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط» (ميسا)، وهو المشروع الذي يسير بخطى بطيئة بقيادة أميركية لتعزيز الاستقرار الإقليمي.

أخيراً، من المحتمل أن يكون التعاون في مجال الغاز مدرجاً على جدول الأعمال في ورشة العمل الاقتصادية التي تستضيفها البحرين في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر بهدف تطوير جهود السلام بين إسرائيل وفلسطين التي تبذلها إدارة ترامب.

ورغم تصريح «السلطة الفلسطينية» بعدم حضورها، يبدو أن التكامل المتزايد في مجال الطاقة، الذي يعود بالفائدة على الضفة الغربية وغزة، يشكّل عنصراً واضحاً للنقاش، ويشمل التنقيب والإنتاج المشترك للكهرباء، وبشكل أكثر تحديداً، يجب أن يتضمن جدول أعمال البحرين ما يلي:

• الاستناد إلى البنية التحتية الحالية للغاز التي تربط إسرائيل ومصر والأردن.

• تطوير مشاريع طاقة مشتركة تعتمد على الغاز.

• التعاون في مشاريع الطاقة الأخرى (مثل الطاقة الشمسية).

• دمج الأصول الفلسطينية في مشاريع مشتركة (على سبيل المثال، استغلال حقل الغاز البحري قبالة سواحل غزة؛ والاستفادة بشكل أفضل من محطة الطاقة الموجودة في غزة، المصممة أصلاً لاستخدام الغاز).

وستكرر هذه الجهود الدرس التاريخي المتعلق بتطوير الغاز في شرق البحر المتوسط، وهو: أن التقدم بطيء لكنّ الإنجازات كبيرة، ويمكن تخطي العقبات التي تبدو أنه لا يمكن التغلب عليها عبر بذل جهدٍ دبلوماسي في غاية الدقة مع التحلي بالصبر.

* ● سايمون هندرسون- واشنطن انستيتوت

رغم تصريح «السلطة الفلسطينية» بعدم حضورها قمة البحرين يبدو أن التكامل المتزايد في مجال الطاقة يشكّل عنصراً واضحاً للنقاش
back to top