الحرب التجارية تدفع اليابان إلى مواجهة مع الغرب

نشر في 21-06-2019
آخر تحديث 21-06-2019 | 00:00
شي جين بينغ , دونالد ترامب ,  مايك بينس
شي جين بينغ , دونالد ترامب , مايك بينس
من الجوانب المغرية في العلاقات بين الدول اليوم رؤية تقوية الروابط الأميركية الصينية على شكل ظاهرة مؤقتة يقاومها دونالد ترامب لدوافع مختلفة.

وقد تحول الاجماع حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والصين نحو اليمين ومن الصعب وجود أي شخص ينفي هذه الفكرة القائلة إن البلدين علقا في منافسة حامية تهدد بالانتقال إلى حرب باردة جديدة.

ويؤكد هذا بدوره اعتقاد الصين في أن الولايات المتحدة قد عقدت العزم على إحباط خطوات بكين الهادفة إلى تحسين وضعها وصورتها وتعيدها إلى أيام «المسيرة الطويلة معاً» ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

وتشير هذه التطورات الى أن العلاقة بين واشنطن وبكين ستتسم بمواجهة أشد وبالتالي سيتعين على اليابان الاستعداد لمثل هذه المواجهة المحتملة.

يذكر أن سياسة الولايات المتحدة ازاء الصين قد وضعت في شهر ديسمبر من عام 2017 عندما قرر مجلس استراتيجية الأمن بأن العالم دخل مرحلة تتسم بمنافسة بين القوى العظمى وأن المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في هذا السباق هو الصين.

ويختلف هذا الأسلوب عن مواقف سابقاتها في جانبين بارزين: الأول هو أنه نقل الاهتمام الأمني من ميدان الإرهاب والدول المارقة وهي السمة التي هيمنت على سياسة وتفكير الولايات المتحدة منذ سنة 2001 إلى صورة القوى العظمى تحارب تلك التحديات والأخطار. والثاني هو تبني فكرة توسع الأمن القومي التي لا تتميز بوضوح عن الأمن الاقتصادي في العديد من الوجوه، ونتيجة لذلك اتسمت العلاقة الاقتصادية بين واشنطن وبكين بحشد السلاح والاستعداد لاستخدامه إذا دعت الضرورة.

قائمة مظالم الولايات المتحدة في هذا الصدد طويلة وحافلة، وقد استعرض نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الصورة الكبيرة في خطاب له أمام معهد هيدسون في العام الماضي. يومها اتهم بكين بأنها تسعى إلى استخدام الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية إضافة إلى الدعاية لتحسين نفوذها والاستفادة من مصالحها في الولايات المتحدة وذلك بغية الهيمنة على اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وأن العناصر البيروقراطية في بكين أمرت رجال الأعمال والشركات بالحصول على الملكية الفكرية الأميركية بأي وسيلة ممكنة.

ولا تزال وزارة الدفاع الأميركية في حيرةٍ إزاء التقرير السنوي الصيني في هذا الخصوص والذي نشر في مطلع شهر مايو الماضي: يستخدم قادة الصين نفوذهم الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري المتزايد من أجل إقامة مراكز إقليمية وتوسيع النفوذ الدولي لبكين.

ووجد مكتب الممثلية التجارية الأميركية سوء التصرف الصيني هذا مؤكداً في تقرير خاص به أنه شارك في سلسلة من التصرفات المؤذية وغير العادلة بما في ذلك الاستثمارات وغيرها من المتطلبات النظامية التي تتطلب تحويل التقنية بغية تسهيل الاستحواذ على شركات أجنبية وأصول من خلال شركات محلية بغية الحصول على تقنيات متقدمة وإجراء ودعم عمليات سرقة من شبكات الكمبيوتر للشركات الأميركية بهدف الحصول على الملكية الفكرية لشركات أميركية.

ويعلم صناع السياسة في الولايات المتحدة أن الرئيس الصيني يقول إن بلاده قد دخلت مرحلة جديدة من تجديد الأمة الصينية ويشيرون إلى سياسة (صنع في الصين 2025) التي تهدف إلى تحويل الصين خلال 10 عقود إلى اقتصاد حيوي في القرن الحادي والعشرين.

ويهدف «صنع في الصين 2025» إلى السيطرة على 90 في المئة من صناعات العالم الأكثر تقدماً بما في ذلك الروبوتات والتقنية الحيوية والذكاء الاصطناعي.

واللافت المتطرف الأميركي الجديد كيرت كامبل Kurt Campbell وهو مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي في عهد باراك أوباما، والي رانتر وهو نائب مستشار الأمن القومي لدى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، دعيا إلى نظرة متمعنة وواضحة حول أسلوب الولايات المتحدة ازاء الصين.. وأن التعاون والآلية الطوعية لفتح الاقتصاد الصيني قد فشلت بصورة كبيرة كما أن واشنطن تواجه الآن منافسها الأشد ديناميكية وقوة في التاريخ الحديث وتقر الإدارة الأميركية بأن استراتيجيتها الأمنية الأولى قد خطت أول خطوة في الاتجاه الصحيح.

ويقول تقرير جديد أعده خبراء أمن قومي، إن السباق المركزي لهذا القرن سوف يكون بين نموذج الولايات المتحدة السياسي والاقتصادي وبين النموذج الصيني في هذا المجال، وإذا هيمنت الرؤية الصينية وإذا أصبحت القوة المسيطرة في القرن الحادي والعشرين فسوف نشهد خطر عالماً أقل حرية وازدهاراً وأمناً؟

وكان ليبر Labor وهو دعامة الحزب الديمقراطي يشكك دائماً في جدوى التجارة الحرة كما أن تشاك شومر Chuck Schumer وهو زعيم أقلية في مجلس الشيوخ الأميركي يؤيد على الدوام الخط المتشدد ضد الصين مع فرض الولايات المتحدة لتعريفات جديدة من قبل الرئيس ترامب ضد بكين.

ويشعر مجتمع الشركات الذي جادل لفترة طويلة في قضية الصين في واشنطن بأمل الاستفادة من السوق الواسعة في الصين قد أصبح الآن أكثر قلقاً ازاء فقدان الملكية الفكرية وفرص العمل الدولية إضافة إلى أن بكين تزداد قوة وأهمية في الولايات المتحدة.

وأخيراً هناك الرأي العام الذي يلعب دوراً محورياً في توجيه السياسة الأميركية وتظهر استطلاعات الرأي ارتفاع مستويات القلق إزاء التهديد الاقتصادي الصيني في أوساط الأميركيين.

وفي كل فئة عمرية بين سكان الولايات المتحدة تنظر الأكثرية إلى الصين في صورة المنافس الاقتصادي ويعتبرون بكين تهديداً حقيقياً.

لن تفضي العلاقة التنافسية المتزايدة بالضرورة إلى نزاع بين واشنطن وبكين على الرغم من أن إمكانية ذلك إذا استمرت الصين في تخريب وتقويض المزاعم الإقليمية لجيرانها. ويتعين على الولايات المتحدة والصين العمل معاً لحل مشاكل كبيرة مثل برنامج كوريا الشمالية النووي وتغير المناخ واصلاح المؤسسات الدولية على المستوى الواسع.

ومثل هذا التعاون ليس من النوع الذي لا سابقة له: خلال فترة الحرب الباردة عملت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي معاً لتجنب مواجهة محتملة.

وحتى بدون نزاع مكشوف فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ستتدهور، ويشعر البلدان أنهما رهن حصار كما أن الولايات المتحدة مقتنعة بأنها تعرضت لاستغلال في حين تعتقد الصين أن مطالب الولايات المتحدة تستهدف قلب الاقتصاد الصيني مع تحديات مشروعة لحكومتها.

ومن المحتمل أن يتم حل قضية الحرب التجارية الحالية بين البلدين لأن لديهما الحوافز اللازمة لتحقيق تسوية تحفظ ماء الوجه ولكن المنافسة الهيكلية ستستمر نظراً لأن حكومتي البلدين تفهمان الأخطار المتعلقة بهذا الوضع.

ولهذا الوضع ذيوله العميقة بالنسبة إلى الدولة الجارة اليابان وسوف تكون طوكيو عرضة لضغط متزايد من جانب طلبات حليفها الأميركي وبالمثل من جانب أكبر سوق تصدير لها والذي يحرك الاقتصاد الياباني بصورة جلية، وهذا دليل يظهر في طلب واشنطن أن تبقي الدول الشريكة للولايات المتحدة على الصعيد الأمني شركة هواوي الصينية للاتصالات خارجة شبكات تقنية المعلومات مع تهديد من جانب الولايات المتحدةة بالتوقف عن مشاركة المعلومات مع دول تحجم عن القيام بمثل هذه الخطوة الحيوية.

وبالقدر ذاته من الأهمية تظهر القيود بأن الولايات المتحدة سوف تفرض تقنيات جديدة وأساسية لم تحدد وتعتبر جوهرية بالنسبة إلى الحفاظ على زعامة الولايات المتحدة في ميدان العلوم والتقنية والهندسة والتصنيع.

ومن بين هذه القطاعات التقنيات الحيوية مثل الذكاء الاصطناعي والتقنية الحيوية وحوسبة كلاود. وتوجد صناعات حيوية بالنسبة إلى المستقبل في الكثير من الصناعات والعديد منها ليس مرتبطاً بالدفاع والأمن.

هذا الزحف المقلق إلى مناطق غير متوقعة يتطلب تركيبة ذهنية جديدة من جانب الشركات اليابانية. وإذا أرادت الشركات أن تعمل مع شركاء أميركيين في هذه الميادين عليهم الاستعداد لمطالب تنظيمية جديدة وإعادة هيكلة لعملياتها الداخلية وإجراءاتها لتلبية المخاوف الأمنية الأميركية.

وعلى سبيل المثال سوف يتعين أن تتغير سلاسل الإمداد لتأخذ في الحسبان شكاوى الولايات المتحدة إزاء الحماية، وما يثير القلق أنه ليس من الواضح بعد ما التقنيات التي ستتأثر بمثل هذه الخطوة كما أن هذا يتم في وقت يشهد فيه العالم ابتكارات سريعة وتغيرات في طبيعة الوضع.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه التقنيات على وجه التحديد حيوية جداً إلى درجة أن القيادة في تطويرها ستكون شاقة بصورة مريرة، كما أن ذلك سيكون خط الجبهة لمستقبل المنافسة الأميركية الصينية، وهي النوعية التي ستتمكن قلة من الشركات من تفاديها.

* ● براد غلوسرمان- جابان تايمز

back to top