طريق الحكمة مجدداً!
زيارة صاحب السمو الأمير إلى بغداد، وإن لم يكشف عن مضمونها، إلا أنها تأتي في توقيت مهم وتنم عن حكمة الدبلوماسية الكويتية ودورها الإقليمي باتجاه دعم التوازن وإبعاد المنطقة عن أتون الصراعات والدفع نحو التصعيد غير المبرر من جهة، والذي يفوق طاقة دولها ويهدد أمنها الحقيقي من جهة أخرى.بالتأكيد تساهم هذه الزيارة في تعزيز العلاقات الثنائية ومتابعة العديد من القضايا المشتركة، وفي مقدمتها مستقبل شمال الخليج، ومساراته المائية في ظل طريق الحرير بعد الانتهاء من ميناءي مبارك والفاو، كما أن الكويت باتت البوابة الأهم وربما شبه الوحيدة للعراق في سبيل دخوله مجدداً إلى العمق العربي بعدما أغلقت العديد من دوله أبوابها أمام العراق الجديد.ومهما كانت التناقضات السياسية الداخلية العراقية وظروف البلد الأمنية فإن الكويت وموقعيتها في الوقت الراهن تعتبر قاسماً مشتركاً بين مختلف المكونات العراقية يتوجها في ذلك ثقة جميع الأطراف في شخصية سمو الأمير ومصداقيته وحكمته، الأمر الذي قد يشكل مدخلاً إيجابياً مهماً في إنجاح الدور الكويتي في أي مبادرة أو جهد إقليمي.
وفي رأيي فإنه من المرجح جداً أن تكون زيارة سمو الشيخ صباح الأحمد في هذا الإطار ومن هذا المنطلق، وما يخص التصعيد السياسي والأمني الذي تشهده منطقة الخليج على وجه التحديد، والمتمثل بالمواجهة المتنامية بين الولايات المتحدة وإيران، هذه المواجهة وإن كانت في إطارها الإعلامي والسياسي إلى هذا الوقت إلا أنها قابلة لمزيد من التفاقم إذا لم يتم احتواؤها مبكراً وبشكل واقعي وتوازن منطقي عبر القنوات الدبلوماسية والوساطة الحميدة.وبالإضافة إلى الملف الأميركي-الإيراني، تبرز القضية الفلسطينية على السطح مجدداً ولكن هذه المرة في ثوب صفقة القرن التي بدأ الرئيس الأميركي بخياطته مع أول يوم عمل له في البيت الأبيض، ولكن بكثير من الخبث في مضامينها والمؤامرة الصهيونية في خطوات تنفيذها، حيث تشير كل معطيات هذه الصفقة أنها محاولة قبر القضية الفلسطينية وتصفيتها رغم أنف الفلسطينيين ومعهم العرب جميعاً، والقرارات الدولية التي حفظت ولو الفتات القليل للشعب الفلسطيني وحقه في أرضه ووجوده.الموقفان الكويتي والعراقي متشابهان إلى حد التطابق حول المسألتين الخليجية والفلسطينية، وكلا الموقفين يحمل مبادئ منطقية تحركها سياسة عاقلة ومتزنة وواعية للنتائج الكارثية إذا ما جنحت نحو التهور بشكله الأميركي، كما أن الضغوط التي بلغت حد الابتزاز والتهديد لمن يقف في الطريق الأميركي المتصهين باتت كبيرة، الأمر الذي يتطلب التنسيق والتعاون بين الأطراف التي تواجه ذلك التهور كالعراق والكويت.الموقف الكويتي في الواقع هو الذي يمثل الأصالة والامتداد الشعبي الواسع في الوسط العربي والإقليمي وإلى حد مهم الدولي، وإذا ما نجحت نواة هذه الجبهة بين الكويت والعراق فمن المؤكد أن تتسع دائرته، وقد تتشجع الدول المترددة إلى الانضمام إلى هذا التيار حفاظاً على أمن المنطقة ومستقبل شعوبها التي تحولت إلى سوق يحاول ترامب وزمرته شراءهم وبيعهم فيه على طريقته الشيطانية الخاصة!