هبة عظيمة يمنحها الله عز وجل بعض خلقه، تتمثل بسرعة البديهة والإجابة الفورية الحاضرة والصائبة واللافتة في آن، وهي تنمّ ربّما عن مزيج من الهبات مثل الذكاء والفراسة والثقة بالنفس والكبرياء، بحيث لو استغرقنا وقتاً طويلاً في البحث عن رد أفضل من ذلك الرد على موقف ما لأعيانا ذلك، وسلّمنا بأنها أفضل الردود وأحسمها.ويحفل تاريخنا القديم والمعاصر بالعديد من تلك النماذج التي تستحق أن نتوقف عندها ونستحضر بعضها.
* بينما كان بعض الغلمان يلعبون في الطريق، مرّ الخليفة العادل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فهرب الغلمان مهابةً له، إلا أن واحداً منهم، وهو عبدالله بن الزبير، بقي في مكانه ولم يتحرك، فسأله الخليفة عمر: لماذا لم تهرب مثل رفاقك؟ فأجاب الغلام بثقة وبلا تردد: يا أمير المؤمنين، لم أرتكب ذنباً فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك!انظر إلى جمال الرد الممزوج بالثقة بالنفس والإقناع وفصاحة اللسان والتأدب مع الحاكم.* تروي كتب السّيرة أن العباس بن عبدالمطلب، عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، سُئل: أأنت أكبر أم محمد؟ فأجاب بدبلوماسية ولباقة رائعة: "محمد أكبر مني... لكني وُلِدت قبله".* أرسل ملك الروم، ويُدعى نقفور، كتاباً لهارون الرشيد يرفض فيه دفعَ الجِزية، ولم يكتفِ بذلك، بل إنه تطاول على الرشيد وتوعّده بشكل وقح، فأمر الرشيد كاتبه بأن يكتب الرد التالي على ظهر الكتاب نفسه "من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم... وصلنا كتابك، وانظُر من النافذة ترَ الرد"!وصل الكتاب مع جيش بدت طلائعه تحت نافذة قصر ملك الروم! ما هذه العظمة والكبرياء اللتان نفتقدهما في أيامنا هذه؟!* تفاخر أحد الأمراء أمام شعبه في أحد العصور الفائتة قائلاً: "لم يُصَب أحدٌ منكم بالطاعون منذ أن وُلّينا عليكم"، فقام أحد الأعراب قائلاً: "إن الله أعدلُ مِن أن يجمعَ علينا مصيبتين"!* أراد رجل إحراج المتنبي، فقال له: رأيتكَ من بعيد فظننتك امرأة! فرد المتنبي على الفور بلا تفكير: وأنا رأيتكَ من بعيد فظننتك رجلاً.* سأل المعتصمُ الفتحَ بن خاقان، وهو صبيّ صغير: "أرأيت يا فتحُ أحسنَ من هذا الفَصّ"؟ (يقصد حجراً يزيّن خاتماً بيده)، قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه!* ومن طريف ما يروى في ذلك المجال أن مسؤولا بالغ في توبيخ أحد موظفيه، وسأله قاصدا إهانته: "ما الفرق بينك وبين الحمار"؟ فألجمه بالردّ: الطاولة التي أمامك!* في مؤتمر صحافي عالمي عقب توليه السلطة خلفاً للسادات عام 1981، سأل صحافي أميركي الرئيسَ المصري الأسبق حسني مبارك: هل ستسير على نهج عبدالناصر، أم أنور السادات؟ فأجاب مبارك على الفور: أنا اسمي حسني مبارك!* في كمين للشرطة بإحدى محافظات صعيد مصر، سخر الضابط الشاب من الرجل الجالس بجوار سائق عربة محمّلة بالمواشي قائلاً: رايح فين بإخواتك يا حج؟ فصعقه بالرد المستعجل: "رايح أقدّم لهم في كلية الشرطة"!!
مقالات - اضافات
البديهة الحاضرة
21-06-2019