سعت الكويت منذ إنشاء الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية إلى الدفع نحو تطوير القطاع الزراعي من أجل تحقيق الأمن الغذائي، ولكن بالنظر إلى واقع الزراعة، بعد عقود عدة، يتضح أن القطاع الزراعي يشوبه كثير من الغموض، مما ينعكس سلبا على الأمن الغذائي ويعيق الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي التي غالبا ما شكّلت الهاجس الأكبر في ضوء التطورات والنزاعات التي قد تعيق استيراد الاحتياجات الغذائية. ويرى كثير من المختصين والمراقبين أن القطاع الزراعي يعاني غياب استراتيجية ورؤية واضحة للإنتاج الزراعي واستغلال المناطق الزراعية، كما يعاني غياب خطّة لزيادة نسبة الإنتاج الزراعي، مبينين أن العملية الزراعية لا تقتصر على دعم الإنتاج فقط، بل يجب أن يكون ثمة توجه عام لدى الدولة لرسم خريطة طريق وتوزيع أراض زراعية حسب نوعية الإنتاج بشكل منظم، مشددين على ضرورة توسيع دائرة الدعم وجذب المواطنين نحو قطاع الزراعة، وفتح ميزانيات ضخمة للقيام بدراسات تنظم العمل في القطاع الزراعي، إضافة الى العمل على فتح أبواب الاستثمار واستخدام الطرق والأساليب الحديثة.
"الجريدة" سألت بعضاً من المختصين والعاملين في مجال الزراعة عن مستقبل القطاع، وكان التحقيق التالي:
تطور ملحوظ
في البداية، قال رئيس اتحاد المزارعين الكويتيين، عبدالله الدماك، إن الكويت مقبلة على زيادة أعداد المزارعين، وزيادة في نسبة الإنتاج الزراعي بشكل سنوي، مضيفا أن هناك تطورا ملحوظا على الأراضي الزراعية، خصوصا مع استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة. ولفت الدماك الى أن هناك نحو 80 في المئة من المزارعين ينتجون أنواعا مختلفة من الإنتاج الزراعي، مبينا أن الكويت اليوم قادرة على إنتاج أكثر من 20 نوعا من الخضراوات، بالرغم من صعوبة الزراعة في البيئة الصحراوية. وأوضح أن اهتمام المواطنين بالاتجاه نحو الزراعة بدأ يزداد، ولكن يحتاجون إلى دعم أكبر مما هو موجود حاليا، مشيرا الى أن الجهود المبذولة وآلية الدعومات الحالية لا تكفي وحدها للحفاظ على الأمن الغذائي فترة طويلة والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.وشدد الدماك على الاهتمام بالأراضي الزراعية، والعمل على توسيعها، مع وضع خطة متكاملة لتشجيع المنتج الوطني والمزارعين، الأمر الذي سيزيد من الإنتاج الوطني والتقليل من الاستيراد. من جانبه، قال رئيس جمعية المهندسين الزراعيين، علي الغيث، إن القطاع الزراعي قطاع رائد في مجال التنمية الاقتصادية وتوفير الأمن الغذائي للبلاد، وجمعية المهندسين الزراعيين منذ نشأتها تحاول دعم مسيرة العمل الزراعي وتعزز التكامل الزراعي للوصول الى الاكتفاء الذاتي، وتحقيق الأمن الغذائي، كما تحث المهندسين الزراعيين والفنيين والمزارعين للوصول الى أحدث الأساليب الزراعية، بما يتواكب مع التطور الزراعي العالمي.وشدد الغيث على ضرورة اتخاذ الدولة اجراءات زيادة الدعم المالي للقطاع الزراعي لتضاعف أعداد المزارع في الوفرة والعبدلي وكبد، وكذلك إعداد دراسة لتسويق المنتجات الزراعية بدولة الكويت، فضلا عن الاهتمام بالعنصر البشري، متمثلاً بالمهندسين الزراعيين وتشجيع دراسة الزراعة، وتعديل الكادر المالي للمهندسين الزراعيين، وفتح المجال للدراسات العليا لخريجي الزراعة للدراسة بالدول المتقدمة.وذكر أن من أهم التحديات طبيعة الجو التي تؤدي إلى إتلاف المزروعات وتكبد خسائر مالية كبيرة، سواء في الصيف بسبب شدة الحرارة، أو في فصل الشتاء الذي تنخفض فيها درجة الحرارة الى أقل من الصفر في المزارع الشمالية بالعبدلي، مما يأتي بموجات من الصقيع تتلف المحاصيل الزراعية وخاصة الحقلية، مضيفا أن جميع هذه التحديات تستوجب دعما بالأموال والأدوية والأسمدة، إضافة إلى تسهيل إجراءات المزارع لدى جلب العمالة.مستقبل غامض
من جهته، قال رئيس جمعية أصدقاء النخلة، عادل دشتي، إن مستقبل الزراعة بالكويت غامض لعدم وجود استراتيجية واضحة لمخزون المياه الاستراتيجي، الذي تعتمد الزراعة عليه بشكل رئيس، مبينا أن ما يتم العمل به في قطاع الزراعة من المزارعين هو اجتهادات شخصية وعمل غير منظم.ولفت دشتي الى انه في حال استمر الوضع بهذه الصورة العشوائية وحالة الفوضى، لن تصل الكويت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ومن الممكن أن يؤثر ذلك على الأمن الغذائي مستقبلا، مضيفا أن العمل في القطاع الزراعي يجب أن يكون مبنيا على دراسات واقعية وتفاصيل دقيقة مملوءة بكميات وأنواع الإنتاج الزراعي التي يجب ان تركز عليها الدولة، مما يرسم استراتيجية لتوجيه المزارعين لزيادة الجودة الاقتصادية.وذكر أن الوضع الزراعي بالكويت بعيد عن التوجه العاملي والإقليمي لعدم وضوح الرؤية وتوزيع للمناطق الزراعية واستغلالها بشكل أمثل.وعن آلية فاعلية آلية الدعومات، أشار دشتي الى أن هناك أموالا مهدرة من الدعومات التي تقدمها الدولة لتطوير القطاع الزراعي دون تحقيق الغرض أو الغاية للوصول الى الاكتفاء الذاتي. بدوره، قال المزارع فيصل الدماك إن مستقبل الزراعة في الكويت غير واعد، ويفتقر إلى الاهتمام، بالرغم من أنه يشكل الأمن الغذائي لمن يعيش على ارض الكويت، ويجب تكثيف الجهود من الجهات الحكومية والمجتمع المدني والمزارعين لإنعاشه، مبينا أن دعم المنتج الزراعي الوطني والتقليل بشكل تدريجي من المنتج المستورد من أهم العوامل التي تساعد على ازدهار القطاع الزراعي وجذب المواطنين نحو الزراعة ودراسة تخصصه.وذكر الدماك أن المزارعين بدأوا في الآونة الأخيرة يشتكون كثيرا من عدم فتح الجمعيات والأسواق المساحة الأكبر للمنتج الوطني، مما يجعل هؤلاء المزارعين يعزفون شيئاً فشيئاً عن إنتاج بعض الخضراوات، لأنها أصبحت تشكل خسارة كبيرة بالنسبة إلى المزرعة.262 مليون دينار دعماً في 10 سنوات... ولا اكتفاء
كشف تقرير جهاز المراقبين الماليين لأنظمة الرقابة الداخلية في الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية للسنة المالية 2018/2017 أنه بالرغم من تحمّل الخزانة العامة للدولة خلال السنوات الـ 10 الماضية نحو 262 مليون دينار دعومات مخصصة لزيادة الإنتاج النباتي والحيواني، فإن لم ينعكس ذلك على وجود نتائج ايجابية ملموسة تتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي إلا في منتج البيض.وأشار التقرير الى أن مسؤولي الهيئة سبق أن زودوا في 2017 نسبة الاكتفاء في المنتجات الغذائية الخاضعة للدعم، وعزم الهيئة اتباع آلية جديدة توفر مبالغ الدعم من خلال توفير نقاط بيع للمزارعين، إلا أن ميزانية السنة المالية 2019/2020 لم تترجم تلك الآلية، حيث بلغ إجمالي تقديرات الدعم نحو 26 مليون دينار. يشير بعض الخبراء الزراعيين الى أن الزراعة المائية أو الزراعة من دون تربة قد تكون الحل البديل والأنسب للزراعة العادية في الكويت، حيث تتخلص من المشاكل التي تعانيها الأراضي، مثل قلة خصوبة التربة وعدم ملاءمتها لنمو النبات والظروف المناخية القاسية وقلة الموارد المائية، لكونها تتميز بأنها توفر استهلاك الماء بنسبة تصل الى 90 في المئة من المياه المستهلكة في الزراعة العادية. وحسب الدراسات الأخيرة، فقد تم تطبيق الزراعة المائية في الكويت بأكثر من 15 مزرعة، وساهم ذلك في زيادة الإنتاج بها بنسبة 50 في المئة.