* ثروت، سياسي فاسد، يسخّر موقعه لمصالحه الذاتية، كم من شخصية في المجتمع تتماهى معه وشكّلت مادة دسمة لتركيب الدور؟- أدوار الشرّ ضرورية جدًا في كل عمل فني، سواء كان مسرحيًا أو سينمائيًا أو تلفزيونيًا أو روائيًا، لأننا من خلالها نضع الأصبع على الجرح في مجتمعنا والمجتمعات المحيطة، فالشخصية السيّئة موجودة في كل مجتمع، لذا من المهمّ الإشارة إليها صراحة، خصوصا أن كثيرين يشبهون ثروت. وخطورة ذلك تكمن في أن هؤلاء متمسّكون بمفاصل الحياة، ولديهم السلطة والقوّة والعنجهية إلى درجة أن أحدًا لا يستطيع زعزعتهم.
* قدّمت شخصيات شريرة مختلفة في أثناء مسيرتك الطويلة، فما أهمية المادة الدرامية المتوافرة في النص للتنويع في الأداء، وما دور الخبرة في تركيب الشخصية؟- ينطلق الممثل دائمًا من الكلمة التي هي الأهم، انطلاقًا من أسلوب الكاتب والشخصية التي تخيّلها، يستعين الممثل بخبرته ليأخذها إلى أماكن جديدة لم يقصدها سابقًا في أدواره، ولأن الشخصية الشريرة تفرض ماضيها وحاضرها وماذا تريد من الحياة، يجب على الممثل قراءة الشخصية المكتوبة في الورق بطريقة سيكولوجية فعليّة. تأتي بعدها الخبرة والوعي الذاتي للممثل، ليرسم أبعادًا مختلفة عن تلك التي قدّمها سابقًا.* شاركت في الجزء الثالث من "الهيبة - الحصاد"، وتجري التحضيرات لجزء رابع، هل تؤيد هكذا نوع من المسلسلات، خصوصًا أن ثمة تفاوتًا في نسب نجاح كل جزء؟- لا نظرية محددّة حول استمرارية سلسلة درامية أم لا، إنما من المهمّ معرفة كيفية تقديم الأجزاء المتتالية بعد نجاح الجزء الأول. فإن لم تكن تلك بمستوى نجاح الأول، ولحظ القيّمون تراجعًا معيّنًا، عليهم التصحيح والتحسين للاستمرار، وإلا فمن الأفضل أن يتوقّفوا.* ما الذي حمّسك للمشاركة في "الهيبة - الحصاد"؟- علمت بأن المخرج سامر البرقاوي طلب مشاركتي منذ الجزء الأول للمسلسل، إلا أنني في حينها كنت ملتزمًا بمسلسل آخر. هذه المرّة، كنت ظروفي تسمح، لذا قبلت دور ثروت لأسباب عدّة، منها شهرة "الهيبة"، وطريقة تنفيذ المسلسل، وفريق العمل المكوّن من كاتب ومخرج وشركة إنتاج الصبّاح التي أحب التعاون معها كثيرًا، إضافة إلى أن الدور الذي كُتب خصيصًا لي، أساسي في العمل. * تعاونت مع المخرج سامر البرقاوي في مسلسل "دولار" من إنتاج الصبّاح أيضًا، فأي أسلوب عمل جمعكما؟- حينما التقيت الأساتذة سامر البرقاوي وزياد الخطيب وأكرم حمادة عرضوا عليّ مسلسليْ "دولار" و"الهيبة"، فقبلت الاثنين معًا، لأن الشخصيتين مختلفتان جدًا. أشارك ضيفًا في الحلقة الثامنة من "دولار"، الذي هو من بطولة عادل كرم وأمل بوشوشة سيُعرض قريبًا عبر قناة "نيتفلكس". بدأنا تصوير "دولار" قبل "الهيبة"، ومنذ تعاوننا الأول، اتفقنا البرقاوي وأنا على الخطوط كلّها، وبدا واضحًا الانسجام الفكري بيننا. وكذلك الانسجام بيني وبين فريق العمل كله. * ضمّ مسلسل "الهيبة" مجموعة من الممثلين اللبنانيين خريجي معهد "الفنون- الجامعة اللبنانية"، فما رأيك بأدائهم؟- لقد أسندت المجموعة السورية المعنية بتوزيع الأدوار مساحة مهمّة للممثلين اللبنانيين من كل الأعمار، فشاركوا بشخصيات أساسية جدًا، وكانوا متعاونين وناجحين إلى أقصى حدّ. وهذا أمر إيجابي جدًا. برأيي اللبنانيون البارزون في الجزء الثالث سيلعبون دورًا أساسيًا في استمرار نجاح "الهيبة".* مشاهد قاسية سطّرت ثنائيتك مع الفنانة سيرين عبدالنور.- صحيح، إنما مرّت الثنائية بسلاسة تامّة، لأننا وصلنا إلى موقع التصوير جاهزين لما يفرضه النصّ من قساوة في الأداء بين شخصيتي نور وثروت. * تنوّعت المواضيع الدرامية هذا العام، إنما الإجرام جمعها، ما رأيك؟- يشهد المجتمع الحديث حول العالم، الكثير من الإجرام والقتل والتوّحش. صحيح أن الأسباب اختلفت إنما الإجرام واحد. السلاح متوافر في يد الناس، وكلّ يريد إستخدامه لأسباب معيّنة، لذا لا ندري إلى أين ستتوجه الأمور مستقبلا.* برأيك انطلاقة الممثل في الوقت الراهن أصعب أم أسهل من انطلاقته في الماضي؟- في المبدأ أسهل مع توافر إنتاجات تلفزيونية أكثر، إنما في الوقت نفسه صعبة سينمائيًا ومسرحيًا في لبنان. يرتبط خريجو معهد الفنون عضويًّا بالخشبة، لكن هؤلاء ينطلقون أولا من التلفزيون قبل السينما والمسرح، وهدفهم أولا أن يكونوا ممثلين سينمائيين ومسرحيين، لأن هذين الموقعين أكثر عمقًا من الدراما التلفزيونية.* لكن التلفزيون يؤمّن الانتشار السريع؟- إذا كان هدفهم هو الانتشار، فالتلفزيون هو أسرع وسيلة طبعًا. كثيرون يبحثون عن ترك بصمة فنيّة، مثلما تهمهّم النجومية.* ما هي مشاريعك الدرامية المقبلة؟ - مشروعان، الأول "بردانة أنا"، سيُعرض في الخريف المقبل. والثاني، "راحوا"، وهو مسلسل طويل سيُعرض في خريف 2020. الاثنان كتابة كلوديا مرشليان وإخراج نديم مهنّا وإنتاجه. سيشكلان نواة مهمّة لعروض سنوية تجمع ثلاثية مرشليان ومهنّا وفريق الممثلين تأسيسًا لمسلسل اجتماعي إنساني سياسي من نوع جديد، يؤسس للغة درامية تلفزيونية جديدة. يمكن القول بأن دوري في "بردانة أنا" مختلف 100 في المئة عن دور ثروت، كما أن دوري في "راحوا" مختلف تماما عن الدورين معًا، لذا أنا فرح بهذا التنويع، لأن لا شخصية تشبه أخرى بشكل أو بآخر.* شكّل المسرح شغفك الأول، ألا تبحث عن مشاريع كتابة أو تمثيلا وإخراجًا؟- طبعًا، إذا توافر عرض جيّد، أنا مستعدّ للتفرّغ للمسرح. لكنني بصراحة تعبت من الاجتهاد الطويل لتقديم مسرحية في خلال فترة قصيرة ومن دون مردود مادي، لأن المسرح غير منتشر وإنتاجه ضعيف.* برأيك لو اكتفى الممثل المسرحي بالمسرح، هل كان سيحقق الانتشار؟- في الماضي، استطاع شوشو ونبيه أبو الحسن وراهنًا جورج خبّاز الاكتفاء بمردود المسرح، لأنهم أمّنوا استمرارية سنوية ولديهم جمهورهم الخاص، وأثني في هذا الإطار على عمل خبّاز الذي أسس فرقته الخاصة. إنما من ينتظر أدوارًا مسرحية معيّنة يضطر أن يشارك في أعمال أخرى كالتلفزيون والسينما لضمان استمراريته.* بعد سنيّ الخبرة ووفرة الأعمال، هل لا تزال تفاجأ من أدائك؟- التمثيل شغفي الأساس، أعشق هذه المهنة كثيرًا. لديّ أسلوبي الخاص في العمل، فعندما أنتهي من شخصية معيّنة أُقفل عليها وأضعها جانبًا، لأبدأ شخصيتي الجديدة من الصفر. أفتشّ عن مسار كل شخصية، فلا أتخلّى عنها حتى أكون راضيًا تمامًا عنها. لذا لا مشكلة لديّ في هذا الإطار، لأنني أتسلم كل دور بشغف ولا أتخلى عنه قبل أن أكون مرتاحًا لما حققت. * يعني أنك راضٍ عن عملك؟- أبدًا، لست راضيًا جدًا عن عملي. كلما شاهدت أدائي أنتقد وأقول إنه كان يمكن تقديم الأفضل، فأنا لم أفقد التحفيز اللازم لأنني أحب هذه المهنة، وأتمتع بالتمثيل، عندما أتوّجه إلى موقع التصوير، أعرف سلفًا أين خاتمته.* ألا تقلق من فقدان المحفّز؟- أبدًا، طالما هناك شخصيات جديدة وكتابات جديدة سأشعر دائمًا بشغف اكتشاف ما وراء هذه الشخصيات. أحيانًا نتعاون مرارًا مع كاتب معيّن، فيخلق عندها نوع من التفاهم الضمني بيننا، أي يصبح الكاتب ملمًّا بما يكتب للممثل، وأي تحديات يضع أمامه. عندما انطلقت في التمثيل، خبرت هذه التجربة مع الكاتب شكري أنيس فاخوري، وراهنًا مع كلوديا مرشليان.* ما ميزة مسلسل "وعيت" (كتابة ناديا طبارة، وميرنا منير، وياسمين محيو، وراني نصر، إخراج مازن فيّاض)؟- نوع فنيّ جديد، ما بين الحلم والواقع، مشغول بأسلوب سينمائي. أشارك شبه ضيف ولست ممثلا أساسيًا فيه.* عُرض "الهيبة" و"ووعيت" و"دولار" عبر قناة "نيتفليكس"، فأي دور للتكنولوجيا في الصناعة الفنيّة، وأي مستقبل للتلفزيون والسينما؟- لكلٍ خصوصيته، وبالتالي لا تأثير لموقع على آخر. "نيتفلكس" امبراطورية جديدة، تنتج أحيانًا بنفسها، وأحيانًا أخرى تشتري إنتاجات عُرضت عبر محطات التلفزيون أو صوّرت لتُعرض عبر قناتها. على كلٍ، "نيتفلكس" تختار ما يناسب تطلعاتها، لكن المهم أنها حققت حركة إنتاجية معيّنة يمكن الاستفادة منها والاستمرار في العمل.
توابل - مزاج
جوزيف بونصّار لـ الجريدة•: التلفزيون أسرع وسيلة للانتشار
23-06-2019