كشفت مقارنة واقعية بين عقوبات الجهات الرقابية المعنية بالشركات أن سياسة الغرامات المباشرة والعزل التي يتبعها البنك المركزي أكثر فائدة وعائدا في تحقيق أقصى درجات الانضباط الرقابي، وتحقيق الهدف وتقليل الأخطاء والمخالفات الى أقصى درجة ممكنة. ووفقا لتقارير الجزاءات عن نتائج أعمال العام الماضي، التي وقّعها البنك المركزي، وتلتها المصارف المحلية، أظهرت من بين جملة العقوبات المتنوعة والمختلفة عقوبتين من أقسى العقوبات الجزائية نتيجة تأخر وخطأ إجرائي في رفع تقرير مالي دوري، إذ بلغت قيمة الغرامة المباشرة 500 ألف دينار، وتبعها عملية عزل مباشرة لوحدة كاملة من وحدات البنك.
وأظهرت عملية التقييم والمقارنة أن تشدد «المركزي» في الغرامات والعقوبات حقق للقطاع جملة أهداف من أبرزها:1- تنافس البنوك ووحدات القطاع في الخروج كل عام مالي بصفحة بيضاء خالية من الغرامات. 2- تفعيل الدور الرقابي بشكل أعمق وأكثر دقة لتجنب الغرامات والجزاءات المالية الكبيرة. 3- التزام أكبر لتجنب العزل الوظيفي الذي ينتهي معه المشوار المهني للقيادة أو المسؤول المعزول، خصوصا أن الجزاء من جهة رقابية، وليس جزءا داخليا في المؤسسة. 4- عدم مجازفة أي جهة كانت بارتكاب الخطأ وتحمّل الجزاء، كما يحدث في قطاعات أخرى. 5- فاعلية الكبر وانضباط أعلى في تحقيق أهداف الجهات الرقابية التي تعتبر صمام أمان لسمعة الدولة ككل. على جانب آخر، وبمقارنة عقوبات وغرامات البنك المركزي مع هيئة أسواق المال يتضح أن هيئة أسواق المال تعتمد على سلاحين أساسيين، هما البلاغات المباشرة الى نيابة أسواق المال ضد الشركات التي يثبت بالممارسة والرقابة والتدقيق ارتكابها لمخالفة مكتملة الأركان. السلاح الآخر في يد الهيئة هو توقيع جزاءات وغرامات مالية، إلا أنها تبقى، وفق المقارنة التي أجريت بين جهتين رقابيتين، غرامات غير رادعة، بدليل أن بعض الشركات تتعمد ارتكاب مخالفة وتستوعب الغرامة في سبيل تحقيق ما هو أكبر وأبعد من غرامة بألفين أو 10 آلاف دينار. ومن واقع جزاءات الهيئة يتضح ما يلي: 1- شركات تتساهل في ارتكاب المخالفات وبالتدقيق والنظر في المخالفة يتضح انها تتعمد ارتكابها، حيث قدمت هيئة أسواق المال أخيرا بلاغا الى نيابة السوق ضد إحدى الشركات المدرجة صدر في حقها قرار من مجلس التأديب، ولم تلتزم بتنفيذه والتقيد به، حسب ما تم إبلاغها به بشكل قانوني ورسمي، مما يعكس إهمال الشركة بالالتزام. 2- بعض الشركات سبق أن رفضت بشكل عمدي التعاون مع فرق التفتيش، ورفضت دخولها للشركة لممارسة مهامها، ونالت جزاء بنحو 10 آلاف دينار، وهو مبلغ زهيد جدا لا يعتبر رادعا لحجم المخالفة القانونية التي ارتكبت بحق جهة رقابية ومنعها من ممارسة مهامها وصلاحيتها. 3- في كثير من الملفات تكون الغرامة المالية بالنسبة للشركة أهون الشرور، وجزاء مرحّب به مقابل طمس معلومات أو ارتكاب مخالفة قد تجني الشركة من ورائها مبالغ أو مكاسب خيالية بالمخالفة للقواعد والأصول المطبقة والمرعية. 4- تراهن بعض الشركات على إطالة أمد الإجراءات الناتجة عن تقديم شكوى أو إمكان نجاحها في إثبات وجهة نظرها قانونيا، وبالتالي تكون حققت أهدافها ولم تلتزم بتعليمات الجهات الرقابية وفي السوق حالات كثيرة كسبت كثير من الوقت من خلال نوافذ قانونية. 5- أخيرا، يجب أن تكون الجهات الرقابية كافة على نسق ومستوى واحد من الغرامات والجزاءات الرادعة، خصوصا أن الهيئات والجهات الرقابية للقطاع المالي عموما بكل وحداته وأنشطته قطاعات مكملة لبعضها البعضن وتمثل خط الدفاع الأول عن سمعة الكويت المالية. ومن هذا المنطلق يمكن الإشارة الى أنه في الصلاحيات القانونية الواسعة للهيئة وما تملكه من سلطات عندما تكتمل أركان الجريمة والمخالفة أمام الهيئة يجب أن تتخذ القرار المناسب بالجزاء الرادع ماليا أو بالعزل والشطب، وغيرها من الجزاءات التي تحمي القطاع المالي من المتلاعبين والعابثين. يذكر أن اقتصار العقوبة وردّة فعل الجهة الرقابية ضد الشركات المخالفة للتعليمات على الشكوى سينالان من سمعة السوق عموما الذي يغلب على أغلبية الشركات فيه طابع الالتزام بالقانون والتعليمات، وتعد نموذجا يحتذى، وواجهة مشرّفة للبورصة عموما، لذلك يجب التشدد في حق القلة المتلاعبة حماية لحقوق المساهمين والمستثمرين وسمعة السوق.
اقتصاد
تشدُّد «المركزي» في الغرامات والجزاءات أنتج قطاعاً مصرفياً منضبطاً
23-06-2019