بعد إحجامه عن توجيه رد عسكري بعد إسقاط إيران طائرة تجسس أميركية مسيّرة فوق الخليج الخميس الماضي، لإعطاء فرصة للحوار، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران بمواجهة "المحو" لو اندلعت حرب بينها وبين بلاده، لكنه أكد أنه لا يرغب في ذلك، متمسكا بسلاح العقوبات بفرضه حزمة جديدة منها.

وقال ترامب في مقابلة، مساء أمس الأول، مع شبكة إن بي سي "إن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء مباحثات، غير أنها لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية".

Ad

وأضاف: "لا أسعى لحرب إن وقعت ستكون محوا لم تروه من قبل أبدا. غير أنني لا أسعى إلى فعل ذلك".

وتابع ترامب مخاطبا الزعماء الإيرانيين: "لا يمكنكم امتلاك أسلحة نووية. ولو أردتم الحديث عن هذا، فذاك أمر جيد، وإلا ستعيشون في اقتصاد مدمر لفترة طويلة قادمة".

جاء ذلك في إطار تعليق ترامب على تساؤلات حول أسباب إلغائه ضربة عسكرية كانت تستهدف مواقع عسكرية إيرانية فجر أمس الأول رداً على إسقاط طهران طائرة استطلاع قالت إنها اخترقت أجواءها.

وأوضح أنه ألغى العملية، لأن الرد الذي عرض عليه كان سيؤدي إلى خسائر غير متناسبة في الأرواح تقدر بنحو 150 شخصا.

وأكد الرئيس أنه اكتفى بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران ضمن حملة الضغوط القصوى التي يشنها على طهران لإرغامها على الدخول في مفاوضات جديدة بشأن ملفها النووي وأنشطتها في المنطقة وتسلّحها الصاروخي.

وأشار مراسل الشبكة الأميركية تشاك تود، بعد إجراء المقابلة، إلى أن ترامب أكد أنه ليست لديه أي شروط مسبقة للتفاوض مع الجمهورية الإسلامية، وأنه يرغب في التحدث مع الرئيس حسن روحاني أو المرشد الأعلى على خامنئي.

تأييد ثلاثي

وأوضحت مصادر نافذة في "البيت الأبيض" أن مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، إضافة إلى مديرة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، جينا هاسبل، كانوا أبرز المؤيدين لتنفيذ الضربة الانتقامية، لإسقاط الطائرة المتطورة التي يبلغ ثمنها نحو 135 مليون دولار، لكن ترامب ألغاها في اللحظات الأخيرة.

وفي وقت سابق، قال ترامب في "تغريدات": "أوقفت الهجوم قبل موعده بعشر دقائق. فلم يكن رداً متسقاً مع إسقاط طائرة مسيّرة غير مأهولة، كما أنني لست في عجلة من أمري، وجيشنا متطور ومستعد للتصرف، وهو الأفضل عالمياً بفارق كبير".

ويشير تراجع ترامب عن الضربة العسكرية التي كانت تستهدف قصف 3 مواقع مختلفة إلى أن الرئيس يرغب في حل دبلوماسي لإنهاء المواجهة مع إيران التي تتهمها واشنطن بالمسؤولية عن سلسلة من الهجمات على ناقلات نفط في الخليج.

ترامب وبن سلمان

من جانب آخر، أفاد "البيت الأبيض" بأن ترامب هاتف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن الأوضاع في الشرق الأوسط وسوق النفط، بعد أن تسبب التوتر مع إيران في زيادة الأسعار.

وقال المتحدث باسم "البيت الأبيض"، هوغان غيدلي، في بيان: "ناقش الزعيمان الدور الحيوي للسعودية في ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط، وسوق النفط العالمية، إضافة إلى التهديد الذي يشكله السلوك التصعيدي للنظام الإيراني".

وتسببت الأزمة الأخيرة في ارتفاع أسعار النفط لتتخطى 65 دولارا للبرميل الواحد في تعاملات أمس الأول، بسبب المخاوف من احتمال إغلاق مضيق هرمز وتعطل صادرات النفط من الخليج.

نفي الرسالة

في السياق، اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، مورغان أورتاغوس، أن الحديث عن نقل رسالة أميركية عبر سلطنة عُمان إلى إيران، قضية وهمية وملفقة.

وقالت المسؤولة عبر "تويتر": "الأخبار التي تحدثت عن إرسالنا إلى إيران في الليلة الماضية رسالة عبر عُمان ملفقة بالكامل".

كما نفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في إيران، كيوان خسروي، أمس الأول، ما أوردته وكالة رويترز، عن تلقي طهران رسالة من ترامب عبر سلطنة عمان، يحدد فيها مهلة للبدء في المحادثات، عقب إسقاط الطائرة.

حظر جوي

في هذه الأثناء، أعلنت عدة شركات طيران عالمية تغيير مسار طائراتها وتفادي المرور بالأجواء الإيرانية مع ارتفاع حدة التوتر.

وقالت بعض شركات الطيران العالمية والإقليمية إنها تغير مسارات رحلاتها لتفادي المجال الجوي الذي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عمان.

وأصدرت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية أمرا طارئا بعد الحادث يحظر على شركات الطيران الأميركية التحليق في مجال جوي تسيطر عليه إيران.

وفي منشور منفصل، أفادت الإدارة الأميركية بأن تطبيقات تتبع مسارات الرحلات الجوية تظهر أن أقرب طائرة مدنية كانت في نطاق نحو 45 ميلا بحريا من الطائرة التي اسقطت فوق الخليج، مضيفة: "كان هناك العديد من الطائرات المدنية العاملة بالمنطقة وقت عملية الاعتراض".

ووجهت الهيئة العامة للطيران المدني بالإمارات شركات الطيران لتقييم مناطق الطيران المعرضة للخطر، واتخاذ التدابير لمنع الطيران بها كإجراء احترازي.

وأعلنت شركات طيران "الامارات" و"فلاي دبي" و"الاتحاد" أمس الأول تغيير مسار رحلاتها بعد تصاعد التوتر في منطقة الخليج.

ولاحقا، أفادت المديرية العامة للطيران المدني في الهند بأن كل شركات الطيران الهندية قررت، وبالتشاور معها، تفادي جزء من المجال الجوي الإيراني لضمان سلامة الرحلات الجوية والركاب، مبينة أن كل شركات الخطوط الجوية الهندية ستحول مسار الرحلات وفقا لذلك.

وأعلنت شركات كاثاي باسيفيك، وهي شركة الخطوط الجوية الوطنية لهونغ كونغ، والخطوط الجوية الماليزية وكانتاس الأسترالية وسنغافورة إيرلاينز ولوفتهانزا الألمانية والخطوط الجوية البريطانية و"كيه إل إم" الهولندية انها تحول مسار طائراتها لتفادي الخليج.

وكانت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية أصدرت الخميس أمرا طارئا يحظر على شركات الطيران الأميركية التحليق في مجال جوي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عُمان.

أمن وامتناع

في المقابل، قال المتحدث باسم منظمة الطيران المدني الإيرانية رضا جعفر زاده أمس إن المجال الجوي لإيران آمن أمام شركات الطيران.

ويأتي ذلك بعد تأكيد قائد القوة الجوية بـ"الحرس الثوري" الإيراني، أمير علي حاجي زادة، أن طهران امتنعت عن إسقاط طائرة أميركية على متنها 35 شخصا كانت ترافق الطائرة المسيرة التي تم إسقاطها.

وقال زادة، في تصريحات أمس الأول، "كانت هناك طائرة أميركية من طراز بي-8 على متنها 35 شخصا مع الطائرة المسيرة في المنطقة. هذه الطائرة دخلت أيضا مجالنا الجوي، وكان من الممكن أن نسقطها لكننا لم نفعل".

وأسقطت إيران الطائرة وهي من طراز "غلوبال هوك"، مشيرة إلى أن صاروخ أرض جو أسقطها فوق أراضيها، بينما قالت واشنطن إن ذلك حدث فوق المياه الدولية في مضيق هرمز.

وعرض التلفزيون الإيراني، أمس الأول، صورا تظهر حطاما لما قالت إنه لـ"الدرون" الأميركية.

تحذير واستدعاء

من جانبها، جددت الخارجية الإيرانية تأكيدها أن طهران سترد بحزم على أي تهديد أميركي لها، ودافعت عن إسقاط الدرون الأميركية، مشيدة بالحرس الثوري.

وقال المتحدث باسم الوزارة عباس موسوي، في تصريحات أمس، "بغض النظر عن أي قرار يتخذه المسؤولون الأميركيون لن نسمح بأي انتهاك لحدود إيران. ستواجه إيران بحزم أي عدوان أو تهديد أميركي".

من جانب آخر، شدد موسوي على أن بلاده "لن تمنح الأوروبيين وقتا إضافيا بعد 8 يوليو لإنقاذ الاتفاق النووي"، مشيراً إلى نهاية مهلة 60 يوما أعلنتها طهران في مايو للحصول على امتيازات اقتصادية من جانب الدول الأوروبية.

في رد مباشر على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اعتبر أن إسقاط الإيرانيين درون أميركية قد يكون خطأ من ضابط إيراني، قال قائد القوة الجوية بالحرس الثوري الإيراني العميد علي حاجي زادة: «من المحتمل أن يكون تجاوز مجالنا الجوي خطأ فرديا من أحد الجنرالات الأميركيين... تكرار خطأ انتهاك سيادتنا سيقابل برد مماثل لإسقاط الطائرة المسيرة».

إلى ذلك، نشر وزير الخارجية الإيراني ​محمد جواد ظريف​، عبر صفحته على «​تويتر»​ خريطة بإحداثيات مفصلة، مؤكدا أنها «تظهر الطائرة الأميركية المسيرة تحلق فوق ​المياه​ الإقليمية الإيرانية». وأتبع ظريف ذلك بصورة لخريطة العالم تظهر بعد الولايات المتحدة عن موقع الحادث وقربه من إيران.

الإمارات

على صعيد قريب، استدعت وزارة الخارجية الايرانية أمس القائم بالأعمال الإماراتي في طهران احتجاجا على "العمل العدواني" لطائرة التجسس الأميركية المسيرة التي انطلقت من قاعدة عسكرية أميركية في الإمارات، واخترقت المجال الجوي الإيراني، حيث تم إبلاغه احتجاج طهران الشديد.

وأكد رئيس دائرة الخليج في وزارة الخارجية الإيرانية، خلال اللقاء، أن "الجمهورية الاسلامية ترفض تقديم التسهيلات من قبل الدول الأخرى للقوات الأجنبية للقيام بأي اعتداء على حدود إيران المائية والبرية والجوية، وان هذه الدول لا يمكنها أن تتنصل من المسؤولية".

برميل بارود

في موازاة ذلك، قال كبير المتحدثين باسم القوات المسلحة الإيرانية أبوالفضل شكارجي: "أي خطأ يقترفه أعداء إيران، أو رصاصة واحدة تصيبنا من أميركا وحلفائها في المنطقة، سيكون شبيه بإطلاق النار على برميل بارود سيحرق أميركا ومصالحها وحلفاءها تماما".

وأضاف المسؤول الإيراني أن «الوضع الإقليمي اليوم هو لمصلحة إيران».

وتابع: «إذا قام العدو وخصوصاً الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة بخطأ إطلاق النار على البارود الذي تقف عليه الولايات المتحدة، فإن مصالحها ستشتعل».

معارضة ألمانية

وعلى صعيد ردود الأفعال الدولية، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن معارضتها للتصرفات المنفردة في السياسة الدولية.

وقالت ميركل، خلال مشاركتها في يوم الكنيسة البروتستانتية في مدينة دورتموند الألمانية أمس: "في بعض الأماكن يتم إعلان انعدام الثقة على أنه سياسة حكومية. بدون ثقة كأساس لا يمكن أن تنجح السياسة الدولية".

ودعت المستشارة إلى التوصل لحل سلمي في النزاع المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران، مضيفة: "أقول إن هذا لا ينبغي أن يكون مجرد أمل، بل يتعين العمل من أجله بأقصى درجات الجدية. أرى أنه يجب أن يكون هناك حل سياسي ودبلوماسي".

وذكرت ميركل أن القضية ستلعب دوراً بالتأكيد خلال المحادثات الثنائية التي ستُجرى على هامش قمة مجموعة العشرين G20 لكبرى الدول الصناعية والصاعدة، والمقررة في مدينة أوساكا اليابانية الأسبوع المقبل.

زيارة بريطانية

في موازاة ذلك، أعلنت بريطانيا إيفاد وزيرها لشؤون الشرق الأوسط اندرو موريسون إلى طهران، وسيتم البحث خلال الزيارة مع المسؤولين الإيرانيين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وقال بيان للخارجية البريطانية إن لندن "في حوار دبلوماسي قائم مع طهران"، وسيعبر الوزير عن "القلق البريطاني والدولي من سلوك إيران في المنطقة، وتهديدها بالتوقف عن الالتزام بالاتفاق النووي الذي تظل بريطانيا ملتزمة به التزاما كاملا".

وستكون الزيارة قصيرة يدعو خلالها أندرو موريسون إلى وقف التصعيد بشكل عاجل في المنطقة، حسب بيان للخارجية البريطانية.

وقبل أيام قام المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي امانوئيل بون بزيارة لطهران، في سياق الجهود المبذولة لخفض التوتر في المنطقة.