زمن اللاعقل *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
تتحلق النسوة في مساء خليجي حار لا يشعر به أحد، وأجهزة التكييف تطاردك أكثر من زوجك!! هن في حفلة زواج صيفية، والموائد عامرة بما لذّ وطاب، وعلى زاوية بعيدة تحلق الشباب والشابات حول "البار"، له تسميات عديدة للمحافظة على مشاعر المحافظات من النسوة والمخالفات لعادة تقديم الخمور في ليل الخليج المحافظ!! في هذا المساء يبتعد حديثهن بعض الشيء عن آخر صرعات الموضة ومعرفة أي مدينة أوروبية سيقضين فيها موسم الصيف الطارد بعيدا عن بيوتهن ومدنهن وأوطانهن التي هي أكثر قربا من النيران، زمان كان يقال إن أردت أن تحتل ذلك البلد فاغزها وقت قيلولة الظهيرة، فالكل نائم بفعل الحر أو الأكلة الدسمة على الغداء، الآن يقال كل مدن الخليج تتحول إلى مدن للأشباح في الصيف، ويبقى كثير ممن هم دون الطبقة الوسطى والعمالة الوافدة والمتعسرين الذين عرفهم عادل إمام في فيلمه الشهير "بوبس". تتساءل تلك المتزينة بحلق من الألماس الخالص وخاتم يساوي سعره ثمن بيت لمواطن ينتظر دوره منذ سنين على قوائم وزارات الإسكان: "ماذا سنفعل لو قامت الحرب؟"، تتململ الجالسة قربها وهي تردد "لا تضايقون صدرنا الحين"، يكمل الجمع حديثه، وهن مقتنعات بأنهن قد لا يكنّ أصلا في البلد عندما يقرر أحدهم أن يشن ضربة على الآخر، وأنهن سيتابعن كل ما يجري عبر الإعلام الحديث و"القديم"، ويعدن إلى المشاوير ودعوات العشاء عند شواطئ ماربيا في الجنوب الإسباني حيث حكم أجدادهن لـ770 عاما أو حتى عند الشاطئ الفرنسي أو الإيطالي! تعرج الحديث ليصل إلى التغريدة التي كتبها ذاك الصحافي والكاتب المخضرم عن الوطن في ذاك اليوم أو قبله، هو الذي يشتكي من إيقافه والتحقيق معه كلما غرد كالنوارس عند شواطئ الخليج الهادئة، قال: "تحب أمك، تحب أختك، تحب أصغر، تحب أكبر، اعشق من تبي أكثر، مو مهم إنك طويل، مو مهم إنك قصير، الحب ما فيه مستحيل، إنما حب الوطن ما له مثيل". تركت النسوة بعض ما بأيديهن من طعام ربما محافظة على الرشاقة، خصوصا أن الصيف قادم وملابس البحر فضاحة، وقالت إحداهن: ولكن كيف نترك بلدنا والوطن في خطر؟ لم يطل الحديث كثيرا عندما قالت صاحبة الألماسة بسعر منزل: وما هو الوطن؟ "أنا أصلا لا أحب هذا الوطن"، وطيارتي في انتظاري، وبيتي هنا، وشقتي هناك، وكل المدن ستفتح أذرعها وشوارعها ومحلاتها لي!! انتهت السهرة وبقيت تلك حائرة: ألا يدافع الحالمون دوما عن الأوطان ويرحل عنها سارقوها وناهبوها والمحرضون على الحرب والكراهية؟".* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية