ماذا يريد فيكتور أوربان من ترامب؟
لرحلة أوربان إلى واشنطن هدف مختلف تماماً عن أهداف إدارة ترامب، فلن يقتنع أوربان بالتخلي عن سياسة الانفتاح شرقاً التي يتبعها أو بالانفصال عن الصين وروسيا، على العكس ينوي أن يدفع الرئيس الأميركي إلى مساعدته في إبعاد الاتحاد الأوروبي أكثر عن التحالف عبر الأطلسي.
يعود تحالف ترامب أوربان إلى الحملة الرئاسية عام 2016 حين كان أوربان أول قائد أوروبي يدعم هذا المرشح الجمهوري، وفي اتصال هاتفي بعد الانتخابات، بنى الرجلان علاقة ود بسبب مكانتهما المشتركة بصفتهما "الولد الضال" في عهد أوباما، لكن ترامب وأوربان لم يلتقيا شخصياً حتى الآن.يملك هذان السياسيان قواسم مشتركة كثيرة، فقد بنى ترامب وأوربان مسيرتهما السياسية على معارضة الهجرة، وتشييد أسوار على الحدود، ورفض طالبي اللجوء، والمناداة بخطاب مناهض للهجرة. كذلك يدّعيان أنهما يضعان بلديهما أولاً برفضهما التحالفات الديمقراطية القائمة منذ زمن لمصلحة التعاون مع أنظمة حكم مستبدة، وعلى غرار ترامب، يعشق أوربان زمن ما قبل "الصواب السياسي" ويميل غالباً إلى اليمين المتطرف، ويأمل أوربان الحصول على دعم ترامب لائتلاف يبنيه بين أحزاب اليمين الوسطي واليمين المتطرف لانتخابات الرلمان الأوروبي المقبلة.رغم كل القواسم المشتركة التي تجمع بين ترامب وأوربان على الصعيد الشخصي، تحوّلت السياسة الخارجية التي يتبعها رئيس الوزراء الهنغاري إلى مصدر استياء في واشنطن. تُعتبر هنغاريا اليوم صديق روسيا الأقرب في أوروبا، فأوربان، الذي تبنى سياسة يدعوها "الانفتاح شرقاً"، القائد الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي استقبل فلاديمير بوتين مراراً في زيارات رسمية. وفي عام 2015، وقّع أوربان اتفاقاً مع الروس وسّع قدرة هنغاريا من الطاقة النووية. وفي شهر نوفمبر الماضي، أعادت الحكومة الهنغارية تاجرَي أسلحة روسيين مشتبه فيهما إلى روسيا، متجاهلةً طلب واشنطن ترحيلهما إلى الولايات المتحدة، وفي شهر يناير، أنجز أوربان صفقة مع بنك التنمية الروسي لينقل مقره الأوروبي إلى بودابست، حتى إن هنغاريا حاولت الحد من العلاقة بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، علماً أن بعض المحللين يعزون هذه الخطوة إلى صداقة أوربان مع موسكو.
بدأ أوربان العمل على مشروعه الشعبوي الأوروبي النطاق بعدما تحدى حزب الشعب الأوروبي، وهو حزب سياسي أوروبي يميني وسطي انضم إليه حزب أوربان الوطني "فيدس" عندما نالت هنغاريا عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وطوال سنوات، حمى حزب الشعب الأوروبي، وخصوصاً قائده في البرلمان الأوروبي مانفريد فيبر، أوربان فيما سعى هذا الأخير إلى السيطرة على القضاء، وهاجم التعددية الإعلامية، وضغط على المجتمع المدني، ومن ثم تلاعب بعملية إعادة انتخابه. ولكن يبدو أن أوربان بلغ حدود حزب الشعب الأوروبي الحمراء عندما قررت حكومته طرد الجامعة الأوروبية المركزية، التي اتخذت من بودابست مقراً لها، من هنغاريا. تراجع حزب الشعب الأوروبي بعد هذه المواجهة، ولكن في فصل الربيع هذا، أقدم أوربان أخيراً على خطوة اعتبرها حزب الشعب الأوروبي لا تُغتفر. قاد حملة في هنغاريا هاجم فيها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وهو أحد أعضاء حزب الشعب الأوروبي، وأدت الحملة المناهضة ليونكر هذه إلى انقسام حزب الشعب الأوروبي بين أحزاب أعضاء سئمت مناورات أوربان وأخرى أرادت أن يحافظ حزب الشعب الأوروبي على أصوات "فيدس"، وعندما واجه أوربان في شهر مارس معارضة شبه كافية لطرده من حزب الشعب الأوروبي، وافق على تعليق عضويته هو بنفسه.بعد تعليقه عضويته في حزب الشعب الأوروبي، صار بإمكان أوربان التقرّب علانية من الائتلاف الشعبوية الأوروبي القوي الجديد الذي يقوده نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني. التقى أوربان سالفيني في بودابست في الثاني من مايو، وكانت ابتسامة عريضة ترتسم على وجه كلا الرجلين، ثم التقى أوربان نائب المستشار النمساوي هاينز كريستيان شتراخه من حزب الحرية الشعبوي اليميني المتطرف بغية ترسيخ اتفاق جديد، فبعيد لقائه شتراخه، انفصل أوربان بالكامل عن قيادة حزب الشعب الأوروبي، معلناً أنه ما عاد يدعم صديقه القديم فيبر لرئاسة المفوضية الأوروبية. وقد بدا جلياً أن أوربان سيترك رسمياً ونهائياً حزب الشعب الأوروبي. وفجأة، بدا أن الأرقام تدعم طموحات أوربان، فأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن مجموعة سالفيني الشعبوية ستفوز بنحو 76 مقعداً، مما يؤهلها لتصبح رابع أكبر حزب في البرلمان الأوروبي. وإذا أضاف أوربان مقاعد فيدس الخمسة عشر المتوقعة إلى هذه الكتلة وأقنع حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا بإضافة مقاعده الاثنين والعشرين المتوقعة، تنمو هذه الكتلة لتحظى يـ113 نائباً في البرلمان الأوروبي، مما يدفعها بالتالي إلى المرتبة الثالثة. كذلك قد ينجح أوربان في إقناع أحزاب أخرى في حزب الشعب الأوروبي بالانضمام إليه، بما أنه صار يعرف جيداً اليوم مَن يدعمه في حزب الشعب الأوروبي. وربما يحالفه الحظ أيضاً إذا سوّت المملكة المتحدة مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ورحلت، سالبة الحزب الاشتراكي كتلة كبيرة من مقاعد حزب العمال البريطاني. وهكذا تصبح مجموعة سالفيني ثاني أكبر حزب في البرلمان الأوروبي، مما يجعل بالتالي أوربان نفسه أحد "صانعي الملوك" في البرلمان.توشك أوروبا على السير في الاتجاه الذي اختاره أوربان وبالتالي اتجاه ترامب أيضاً. يعمل استراتيجي ترامب السابق ستيف بانون على مساعدة مجموعة سالفيني ويقدّم لها روابط مفيدة مع البيت الأبيض. ويتوجه أوربان الآن إلى واشنطن لينال مباركة ترامب لمشروعه الأوروبي.إذاً، للرحلة إلى واشنطن بالنسبة إلى أوربان هدف مختلف تماماً عن أهداف إدارة ترامب، إذ لن يقتنع أوربان بالتخلي عن سياسة الانفتاح شرقاً التي يتبعها أو بالانفصال عن الصين وروسيا، على العكس، ينوي أن يدفع الرئيس الأميركي إلى مساعدته في إبعاد الاتحاد الأوروبي أكثر عن التحالف عبر الأطلسي. *« كيم لاين شيبيلي»