بعد نحو 3 أشهر من الانتخابات التي نظمت في 31 مارس الماضي، صوّت سكان إسطنبول مجدداً، أمس، لانتخاب رئيس بلديتهم بعد إلغاء نتائج انتخابات سابقة فاز بها أكرم إمام أوغلو مرشح "حزب الشعب الجمهوري" العلماني والوجه المعارض الصاعد للرئيس الإسلامي رجب طيب إردوغان، في اقتراع جديد سيؤدي بالنسبة لإردوغان، إما إلى فوز مثير للجدل، أو نكسة كبيرة، بعدما تمكّن إمام أوغلو من التقدم بفارق بسيط على رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم، أقرب المقربين من إردوغان في الانتخابات الأولى.

وألغيت النتائج بعد تقديم "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم طعونا لوجود "مخالفات كثيفة". ورفضت المعارضة هذه الاتهامات، منددةً بـ"انقلاب على صناديق الاقتراع"، ورأت في الانتخابات الجديدة "معركة من أجل الديمقراطية".

Ad

إردوغان

وعقب تصويته، أمس، قال الرئيس التركي: "أعتقد أن ناخبي اسطنبول سيتخذون القرار الأفضل للمدينة"، معربا عن احترامه لإرادة الناخبين.

وأدلى إردوغان بصوته في منطقة "أسكودار" بالشطر الآسيوي من إسطنبول. وكان برفقته كل من عقيلته أمينة، وابنته إسراء، وزوجها وزير الخزانة والمالية براءت ألبيرق.

وقال إنه يتوقع إقبالا كبيرا على التصويت، وأشار إلى أنه سيظل في إسطنبول لمتابعة النتائج. وكان بن علي يلديريم أدلى بصوته في وقت سابق.

وقال أيضاً إنه يحترم إرادة الناخبين. وأضاف: "أطلب السماح إن بدر مني أي خطأ بحق المنافسين أو بحق إخواننا في إسطنبول سواء أكان بقصد أو بدون قصد".

إمام أوغلو

بدوره، أعلن إمام أوغلو، بعد الإدلاء بصوته "شعبنا سيتخذ القرار الأفضل اليوم من أجل ديمقراطيتنا، من أجل إسطنبول، ومن أجل شرعية جميع الانتخابات التي ستشهدها بلادنا في المستقبل".

وقال إنه يتوقع نتيجة "جيدة جدا" للانتخابات. وهتفت حشود: "كل شيء سيكون على ما يرام"، وهو شعار حملة إمام أوغلو.

امتحان لإردوغان

ولا يشكل اقتراع اسطنبول مجرد انتخابات بلدية، بل أيضا امتحانا لشعبية إردوغان وحزبه، في وقت تواجه فيه تركيا صعوبات اقتصادية كبيرة.

ويعتبر عدد من المراقبين أنّ هذه الانتخابات الجديدة ستؤدي إلى إضعاف إردوغان، أياً تكن النتيجة، فإما أن يتلقى هزيمة جديدة مذلة قد تعزز الانشقاقات في حزبه، وإما أن يحقق فوزا يبقى ملطخا بإلغاء انتخابات مارس.

ويرى محللون أنّ الحكومة التركية تتمسك بإسطنبول، لأنّ المدينة تمنح رئيس بلديتها موارد ضخمة ومنصة سياسية من الدرجة الأولى.

والرهان بالنسبة له هو الاحتفاظ بالعاصمة الثقافية لتركيا البالغ عدد سكانها 15 مليون نسمة والتي يسيطر عليها حزبه منذ 25 عاماً. أما المعارضة فترى في هذه الانتخابات فرصة لتكبيد إردوغان أول هزيمة كبيرة له منذ 2003.

ففي الانتخابات الأولى نهاية مارس، فقد "العدالة والتنمية" أيضاً العاصمة أنقرة بعد هيمنة الإسلاميين المحافظين عليها طوال 25 عاماً، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب مع نسبة تضخم بلغت 20 في المئة، وانهيار الليرة التركية، ونسبة بطالة مرتفعة.

وبعد أن تفادى الظهور في بداية الحملة لتجنّب إثارة حماسة معارضيه، عاد إردوغان إلى الساحة في الأيام الأخيرة مكثفاً هجماته العنيفة على إمام أوغلو.

وفي مقابل هذا الخطاب الاستقطابي، اعتمد إمام أوغلو خطاباً جامعاً مكرراً شعاره "كل شيء سيجري على ما يرام".

وصوّتت المهندسة بيغوم البالغة 31 عاماً، في منطقة بيوغلو "ضد الظلم، ضد أولئك الذين يستقطبون البلاد ومن أجل مستقبل مشرق". وقالت مبتسمةً "كل شيء سيجري على ما يرام".

وذكرت جالي أوشماز، المدرّسة المتقاعدة التي أدلت بصوتها في بيليكدوزو معقل إمام أوغلو، أن "كل العالم يعتقد أن هناك ظلماً ارتُكب يعود الناس بأعداد كبيرة إلى اسطنبول حتى على حساب اختصار عطلهم".

وبدأ إردوغان نفسه مسيرته السياسية كرئيس لبلدية اسطنبول، وقال مراراً إنّ "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا".

ويشرح الأستاذ المساعد في ""جامعة بلكنت" بأنقرة بيرك ايشن، أنّ اسطنبول "هي الوقود المشغّل لماكينة حزب العدالة والتنمية". وتابع أنّ البلدية تمنح عقوداً "بمليارات الدولارات عبر المناقصات العامة والخدمات، ما يضع العدالة والتنمية على اتصال مباشر بالناخبين".

غير أنّ النائب عن "العدالة والتنمية" عبدالله غولر يعترض على أنّ حزبه يريد استعادة اسطنبول بأي ثمن، ويشير إلى أنّ "العدالة والتنمية قبِل، على سبيل المثال، الخسارة في مدن كبيرة أخرى، مثل أنقرة أو أنطاليا".

يبرر النائب غولر ذلك بأنّ خلال حملة انتخابات مارس "كان الرئيس يتوجّه إلى تركيا بأسرها. الآن، يوجد اقتراع واحد فقط، في اسطنبول".

ولكنّ بيرك ايشن يعتبر أنّه إذا تراجع إردوغان، فلكي لا يمثّل "وجه الخسارة" الممكنة، وأيضاً "لأنّه شخصية استقطابية" في وقت اتجه العدالة والتنمية نحو "استراتيجية مصالحة".

من ناحيتها، تعتبر أستاذة العلوم السياسية في "جامعة الشرق الأوسط التقنية" في أنقرة عائشة اياتا، أنّه في حال فوز إمام أوغلو مجدداً، فإنّ الأمر قد يخلق "فوضى كبيرة ضمن حزب العدالة والتنمية".

وتقول إنّ ذلك سيزعزع صورة "الماكينة الانتخابية" العصية على الخسارة للحزب، ومن شأنه تعزيز نزعات الانشقاق داخله.

الأكراد

وبما أن الفارق بين إمام أوغلو ويلديريم في انتخابات مارس اقتصر على نحو 13 ألف صوت، جهد "العدالة والتنمية" لحشد الناخبين المحافظين الذين امتنع بعضهم عن التصويت أو صوتوا لخصم إسلامي في مارس، إضافة إلى حشد الأكراد.

ويشكل الأكراد، الذين يُعتبر تصويتهم حاسماً، موضع معركة شرسة. فعمد "حزب العدالة والتنمية" إلى تلطيف نبرته بشأن المسألة الكردية في الأسابيع الأخيرة، وذهب يلديريم إلى حدّ التحدث عن "كردستان"، وهي كلمة محظورة في معسكره.