الترحيب الرسمي والشعبي الذي استُقبل به سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عند زيارته للجمهورية العراقية يبين تقدير الشعوب والساسة للدور الكبير الذي يقوم به سموه تجاه الأمة العربية، وإلى سعيه في تعزيز العلاقات الثنائية، وإلى الحفاظ على أمن المنطقة العربية وتجنيبها الصراع، وإلى رفاهية الشعوب وإمكانية التعايش السلمي وخلق الظروف المناسبة نحو تطوير العلاقات، والبدء بخلق الظروف المناسبة القائمة على احترام سيادة الدول والتعاون المبني على الثقة وتبادل المصالح.لقد أثبت سمو الأمير قدرته الدبلوماسية على حفظ السلم العالمي من خلال تبنيه الخطاب الموزون والواقعي، والذي كسب من خلاله احترام الشعوب العربية، وكان محل ترحيب دول العالم بعد المبادرات والمؤتمرات الداعمة في تخفيف معاناة الشعوب المتضررة من الحروب والفقر والتي كانت السبب الرئيس في تكريم البنك الدولي لسموه.
على الطرف الآخر وعند مراجعة ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما قاله لمحطة إن.بي.سي نيوز الإخبارية "لا أسعى إلى حرب، وإذا حدث فستكون إبادة لم نشهدها من قبل قط، لكنني لا أتطلع للقيام بذلك"، كما أنه طالب طهران بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل عرضه بأن يكون أفضل صديق لهم، وسيكون لديهم بلد غني وشعب سعيد. هذه التصريحات جاءت بعد إسقاط طائرة الدرون الأغلى والأكثر تقنية من بين كل الطائرات العاملة في الجيش الأميركي رغم كل الضغوط التي تمارس عليه من اللوبي الصهيوني والجناح المتشدد المحيط فيه، ورغم اللهجة الحادة التي تميز بها تجاه إيران خلال الفترة الماضية والتي لم ينفك فيها عن استخدام لغة القوة والتهديد.المتابع للتصريحات الأخيرة للرئيس ترامب يدرك أنها موجهة إلى الناخب الأميركي خصوصا أنها جاءت في الوقت الذي دشن فيه حملته الانتخابية القادمة لإدراكه أن مجرد المضي في قرار الحرب يعني خسارته للانتخابات قبل خوضها، وأن هذه الحرب لن تكون نزهة بالنسبة إلى الجيش الأميركي ولا حلفائه في المنطقة، أو على الأقل هذه الحرب ليس فيها رابح، وأن من يدخلها لا بد أن يدفع ثمنها. التفكير بأن هيبة أميركا قد سقطت مع سقوط الدرون هو تفكير سطحي وساذج، فَلَو كان هذا الأمر صحيحاً لمضت هذه المقولة على روسيا أيضاً عندما أسقط سلاح الطيران التركي الطائرة الروسية، والتي راح ضحيتها الطاقم الذي كان على متنها أو عند ترك أميركا لبعض قواعدها العسكرية، وفي أكثر من دولة، وهي أمور دائما الحدوث، فالقضية ليست مقرونة بإظهار قدرة الولايات المتحدة وقوتها عسكريا، إنما إعادة ترتيب الحسابات بعد أن أضحى ميزان التفوق العسكري هامشياً عندما يتعلق الأمر بالمواجهة المباشرة.أن تبدأ أميركا الحرب أمر مستبعد من الناحية السياسية، ولأسباب كثيرة، فهي لا تسعى إلى حرب طويلة تكون تبعاتها الاقتصادية والإنسانية مؤلمة جداً حتى على الطرف الأميركي، كما أنها لا تسعى إلى خوض حرب تكون فيها رأس الحربة ومن يراهن على هذا لا يقرأ التاريخ وأنها لن تدخل في حرب لا تكون نتائجها سريعة ومضمونة بعد تجربتها المريرة مع فيتنام.نعم لقد دخلت أميركا وقادت جيوش التحالف في حرب تحرير الكويت وإسقاط النظام العراقي، لكن بعد أن ضمنت التأييد الدولي وتحييد الدول المتعاطفة مع العراق، وبعد أن جهزت كل الظروف العسكرية المناسبة من أجل تحقيق نصر سريع على حساب بلد مكشوف لها ميدانيا وجيش فاقد الإرادة.نعم أميركا قد تريد إثبات تفوقها العسكري من فترة إلى أخرى لكن عندما يكون الخصم مستميتا ولديه القدرة على التحمل والرد، فالأمر يختلف، والحاجة لإثبات ذلك قد تتغير مادام هناك وسائل أخرى يمكن ممارساتها.ودمتم سالمين.
مقالات
حكمة سمو الأمير وواقعية الرئيس ترامب
25-06-2019