تحولت هونغ كونغ إلى منطقة حاضرها معقد ومستقبلها غامض، فبعد أعمال العنف غير المتوقعة قبل أيام، لا أحد يستطيع توقع المنحى الذي ستتخذه أحداث بعد الظهر، أو الغد، أو حتى هذا الأسبوع. تبقى المسألة الأكيدة الوحيدة أن نمط الحياة في هونغ كونغ يواجه خطراً مباشراً وأن شعبها ينهض بقوة للدفاع عنه.لكن لعنة العيش أبداً في الحاضر المباشر تشمل واقع أن مخاطر هذا "النضال الأخير" بلغت مستواها الأعلى، وخصوصاً أن شعب هونغ كونغ يخشى أنه إذا كُسرت في هذه المعركة لن يتبقى له ما يخسره، ولا شك أن إخفاق حركة المظلات قبل خمس سنوات، حين احتل سكان هونغ كونغ شوارع مهمة طوال 79 يوماً مطالبين بمشاركة ديمقراطية أكبر، في تحقيق مكاسب تُذكر عززت المخاطر أكثر هذه المرة.
"هونغ كونغ ليست الصين! ليس بعد!". تعبّر هذه الكلمات القليلة، التي كُتبت بسرعة على ورقة بيضاء عادية وعُلقت على عمود إسمنتي لأحد الممرات، ببراعة عن الأزمة السياسية التي تهز هونغ كونغ راهناً، فقد غرقت هذه المقاطعة في حالة من عدم الاستقرار بعدما أطلقت الشرطة رصاصاً مطاطياً و150 جولة من الغاز المسيل للدموع بغية تفريق حشد ضخم في 12 يونيو بعد أيام من نزول نحو مليون شخص سلمياً إلى الشوارع للاحتجاج ضد قانون الترحيل.تشير عبارة "ليس بعد" إلى شروط الإعلان المشترك الذي نظّم عودة هونغ كونغ إلى الحكم الصيني في عام 1997، فقد تعهد هذا الإعلان بأن يظل نمط حياة هذه المقاطعة على حاله طوال 50 سنة حتى عام 2047، وعندما وُقّع هذا الإعلان في 1984، بدا عام 2047 بعيداً جداً، غير أن قانون الترحيل المقترح يقربه كثيراً.عند السماح بترحيل أي إنسان على أراضي هونغ كونغ ليُحاكم في الصين، ينهار بفاعلية الحاجز بين نظام القانون العام المتبع في هونغ كونغ والنظام القضائي الذي يسيطر عليه الحزب في البر الصيني. صحيح أن الحكومة علّقت مشروع القانون هذا في الوقت الراهن، إلا أن هذه العملية أشعلت عاصفة نارية من الخوف والغضب.منذ حركة المظلات، لاحظ سكان هونغ كونغ تبدلات لا رجوع عنها في نمط حياتهم: اعتبرت المحاكم مشرعين منتخبين شعبياً غير مؤهلين لأنهم أدلوا بقسمهم ببطء أو بنبرة خاطئة، كذلك مُنع سياسيون من الترشح للانتخابات، وحُظر أيضاً أحد الأحزاب السياسية، وأُرسل نشاطون إلى السجن بتهم تتعلق بالنظام العام، وأخيراً استعملت الشرطة العنف ضد شعبها.علاوة على ذلك، أضعف هذا الاستعجال الغريب لتمرير قانون الترحيل غير الشعبي كل مؤسسات هذه المقاطعة، فقد غرق المجلس التشريعي في حالة من الصراع المشين مع نشوب تضارب بالأيدي أثناء تداول اللجان، كذلك ما عاد الجهاز القضائي والخدمات المدنية يبدوان محايدين سياسياً، أما الشرطة التي كانت تُعد من الأفضل في آسيا، فتحولت إلى محور كره الناس وتعرضت علاقتها بالشعب لضرر لا يمكن إصلاحه.أمام هذه المخاطر الوجودية، ارتكز موقف هونغ كونغ التلقائي في السنوات الماضية على الجثوم الدفاعي، إذ أخبرني العالم السياسي راي يب من جامعة المدينة قبل اندلاع جولة التظاهرات الأخيرة: "لا نملك استراتيجية كبرى. في كل حالة، نكتفي بالدفاع قدر ما استطعنا، وبهذه الطريقة ندافع عن قيم هونغ كونغ، ندافع عما نملك، صحيح أن هذا موقف دفاعي إلا أنه قد يتحول إلى هجومي أيضاً". وعندما ينزل واحد من كل سبعة أشخاص إلى الشارع للتظاهر ضد تشريع الترحيل، يصبح الدفاع هجوماً، وخصوصاً من وجهة نظر بكين.تعكس رسائل المتظاهرين المدونة على أوراق كانت ترفرف فوق ممر علوي مشاعر الحيرة، والصدمة، والغضب التي اجتاحت كل أرجاء المقاطعة في أعقاب أعمال العنف الأسبوع الماضي: "كفوا عن إطلاق النار على طلاب"، "هل التظاهر جريمة؟"، و"هل رفع الصوت جريمة؟".ولكن في المقابل، ثمة تصميم قوي يبرز إدراك شعب هونغ كونغ أنه حتى لو فاز بهذا النضال ضد قانون الترحيل، سيواجه الصراع تلو الآخر لأن هونغ كونغ ليست الصين بعد، ليست كذلك اليوم. لكن عام 2047 يقترب بسرعة، فقد ذكرت إحدى الرسائل ببساطة: "واصلوا النضال حتى النهاية".* لويزا ليم *«الغارديان»
مقالات
لم تصبح هونغ كونغ كالصين حتى الآن مع أنها تقترب من ذلك
25-06-2019