يحفل كتاب الغزو في الزمن العابس - وهو من منشورات ذات السلاسل - لمؤلفه عبد الله بشارة بأحداث تاريخية مهمة عاشتها الكويت، منها ما يتعلق بتعاطي العراق مع الكويت منذ العهد الملكي حتى عهد صدام حسين، ومنها تعامل الكويتيين مع هذه الأحداث وتطاولات صدام المتكررة على الكويت، التي وصلت إلى ذروتها في قراره الجنوني بغزوها في أغسطس 1990، معتقداً أنه سيدخل أبواب التاريخ كزعيم حقق أحلامه في ضمّها واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة.
«كان صدام حسين، من خلال قراءة ما تمكنت من الحصول عليه من المراجع، مسكوناً بداء العظمة التي تؤمّن له مكاناً في التاريخ، خرجت من عقدة بطل الأمة، فالخلود هاجس عنده يدخله التاريخ كي يحتل موقعاً استثنائياً فيه، حتى إن دخله بشكل سيئ».هذه كلمات أوجزتها من شهادة الفريق إياد فتيح الخرزجي رئيس أركان الجيش العراقي الذي عزله صدام حسين وخرج من العراق قبل الغزو الأميركي، وهو الذي وضع خطة احتلال الكويت.يضيف الخرزجي أن صدام لا يؤمن بالقادة العاديين، يعتبرهم عابرين في حياة دولهم وشعوبهم، فالقرارات المصيرية يتخذها رجال أقوياء، لذلك كان معجباً بالزعيم السوفياتي (جوزيف) ستالين وأسلوب إدارته للحرب العالمية الثانية، وكان يعتبر نفسه قائداً عظيماً في مصاف صلاح الدين.وما يثير الاستغراب أن صدام حسين كان حتى آخر يوم على اقتناع بأن الولايات المتحدة لن تغزو العراق، وأن ما يردد عن خطط يضعها البنتاغون مجرد حرب أعصاب، فلم يكن يتصور أن النظام البرلماني، واتساع النفوذ المؤثر على القرار الأميركي قادر على اتخاذ قرار استراتيجي فيه ضحايا ونعوش تعود أمام كاميرات وفضائيات العالم وبما يستفز الرأي العام الأميركي الذي سيجند معارضة قوية ضد النظام.كان صدام خلال احتلال الكويت لا يتردد في تقبّل أقصى درجات التنازل لضمان بقائه في الكويت التي تصور بأنها لن تعود لأهلها، وحتى إذا عادت بوسيلة ما فلن تكون تلك الدولة التي لا تذعن له إنما قد تبقى دولة بدون معيار وتابعة للمجرى العراقي.وحتى اليوم الأخير من تحرير الكويت كان يطمئن قياداته بأن الجيش الأميركي لن يهاجم ولن يحارب، في دليل واضح على محدودية ثقافته السياسية واطلاعه على الشأن العالمي.ومثل هذا المسار الفكري لرئيس جمهورية العراق الذي خاض حرباً مع إيران مدة ثماني سنوات ولجأ إلى إبادة شعبه بغاز الأعصاب وتآمر على خصومه، وقتل من يختلف معه، ومارس الإرهاب مستفيداً من محترفي القتل والاغتيال، ودمر كل العلماء والمختصين والكفاءات التي يشك في ولائها، وصار مصدر متاعب للمصالح العالمية، ويشكل خطراً على الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى، يعيش شعبه في استبداد بحكم مخابراتي، وبقسوة لم يشهدها العراق في تاريخه الحديث، ويغامر بدون حسابات.مثل هذا الشخص شكل وجوده كرئيس للعراق أمراً شاذاً، فاستمرار وجوده خطر على الأمن في المنطقة، وتخريب لاستقرارها، فلا يمكن للعالم تحمل نزواته في الداخل والخارج، وهو من الصنف الذي انتهت بيئته وعالمه، ولا شأن له في حياة في عالم قائم على القوانين والسيادة والحدود والهوية الوطنية والاستقلال الوطني والثقافة الشعبية والوطنية، فشهيته للتوسع لا حدود لها، ولا تقف عند اعتبارات حضارية، عالمه خارج القاعدة التي تقوم عليها العلاقات الدولية، لا يحترم المواثيق، وكل ما في بياناته أكاذيب، وكل ما حملته خطبه نفاق.يقول صدام عن قادة الخليج عرب العار، عرب الانحلال وقيمهم تناقض كل ما في الأرض والسماء، وبوده أن يزيح حاكم الكويت، لكنه لا يملك المجابهة التي ستنتج عن ذلك ويعترف بها.وفي الوقت نفسه يستقبل أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح في 23 سبتمبر 1989م، حيث يقول في تلك المناسبة: كانت وقفة الأخ جابر الأحمد الصباح ووقفة شعب الكويت الشقيق ذات مكانة خاصة في نفوسنا، وذات تأثير كبير في مجرى الصراع لمصحلة الأمة، وإلى جانب نصرها العظيم، وقد وقفت الكويت بوعي وبسالة بوجه المعتدي والطامعين، وصمدت لكل الظروف التي أُريد من خلالها أن تنسلخ الكويت عن طبيعتها أو هويتها، وعن مبادئ الأمة الواحدة ومستلزمات الأمن القومي».وأضاف: «واستمرت الكويت كما هو الأمل منها ملتصقة بجلدها وبالمبادئ والسياسات التي لو لم يتم التأكيد عليها والالتزام بها لأصبح العرب جميعاً في حالة يرثى لها، فتقديراً لكل هذا وعرفنا وتوثيقاً لموقف الكويت المشرف، واستناداً إلى أحكام الفقرة أولاً من المادة الخامسة من قانون الأوسمة والأنواط رقم 15 لسنة 1982م، رسمنا بما هو آت منح صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت وسام الرافدين، من الدرجة الأولى من النوع المدني».
ويسجل الكتاب الموقف الوطني الغاضب الذي تجسد في مؤتمر المبايعة التاريخية في جدة، أكتوبر 1990، الذي أكد فيه الشعب الكويتي تمسكه بالنظام السياسي والشرعي، ممثلاً بأميره الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.جاء الكتاب في ثمانية فصول تشتمل على مادة تاريخية تبرز الادعاءات العراقية وأحداث الغزو، مسجلاً الافتراءات التوسعية التي تستهدف الدولة الوطنية الكويتية.ويعرض الكاتب هذه الأحداث موثقة بالتواريخ الدقيقة، مستنداً إلى المصادر العربية والعالمية، إضافة إلى شهادات المسؤولين المعاصرين في وسائل الإعلام، وما نشرته الصحافة في هذا الشأن. وفيما يلي تفاصيل الحلقة التاسعة:
«كان صدام حسين، من خلال قراءة ما تمكنت من الحصول عليه من المراجع، مسكوناً بداء العظمة التي تؤمّن له مكاناً في التاريخ، خرجت من عقدة بطل الأمة، فالخلود هاجس عنده يدخله التاريخ كي يحتل موقعاً استثنائياً فيه، حتى إن دخله بشكل سيئ».هذه كلمات أوجزتها من شهادة الفريق إياد فتيح الخرزجي رئيس أركان الجيش العراقي الذي عزله صدام حسين وخرج من العراق قبل الغزو الأميركي، وهو الذي وضع خطة احتلال الكويت.يضيف الخرزجي أن صدام لا يؤمن بالقادة العاديين، يعتبرهم عابرين في حياة دولهم وشعوبهم، فالقرارات المصيرية يتخذها رجال أقوياء، لذلك كان معجباً بالزعيم السوفياتي (جوزيف) ستالين وأسلوب إدارته للحرب العالمية الثانية، وكان يعتبر نفسه قائداً عظيماً في مصاف صلاح الدين.وما يثير الاستغراب أن صدام حسين كان حتى آخر يوم على اقتناع بأن الولايات المتحدة لن تغزو العراق، وأن ما يردد عن خطط يضعها البنتاغون مجرد حرب أعصاب، فلم يكن يتصور أن النظام البرلماني، واتساع النفوذ المؤثر على القرار الأميركي قادر على اتخاذ قرار استراتيجي فيه ضحايا ونعوش تعود أمام كاميرات وفضائيات العالم وبما يستفز الرأي العام الأميركي الذي سيجند معارضة قوية ضد النظام.كان صدام خلال احتلال الكويت لا يتردد في تقبّل أقصى درجات التنازل لضمان بقائه في الكويت التي تصور بأنها لن تعود لأهلها، وحتى إذا عادت بوسيلة ما فلن تكون تلك الدولة التي لا تذعن له إنما قد تبقى دولة بدون معيار وتابعة للمجرى العراقي.وحتى اليوم الأخير من تحرير الكويت كان يطمئن قياداته بأن الجيش الأميركي لن يهاجم ولن يحارب، في دليل واضح على محدودية ثقافته السياسية واطلاعه على الشأن العالمي.ومثل هذا المسار الفكري لرئيس جمهورية العراق الذي خاض حرباً مع إيران مدة ثماني سنوات ولجأ إلى إبادة شعبه بغاز الأعصاب وتآمر على خصومه، وقتل من يختلف معه، ومارس الإرهاب مستفيداً من محترفي القتل والاغتيال، ودمر كل العلماء والمختصين والكفاءات التي يشك في ولائها، وصار مصدر متاعب للمصالح العالمية، ويشكل خطراً على الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى، يعيش شعبه في استبداد بحكم مخابراتي، وبقسوة لم يشهدها العراق في تاريخه الحديث، ويغامر بدون حسابات.مثل هذا الشخص شكل وجوده كرئيس للعراق أمراً شاذاً، فاستمرار وجوده خطر على الأمن في المنطقة، وتخريب لاستقرارها، فلا يمكن للعالم تحمل نزواته في الداخل والخارج، وهو من الصنف الذي انتهت بيئته وعالمه، ولا شأن له في حياة في عالم قائم على القوانين والسيادة والحدود والهوية الوطنية والاستقلال الوطني والثقافة الشعبية والوطنية، فشهيته للتوسع لا حدود لها، ولا تقف عند اعتبارات حضارية، عالمه خارج القاعدة التي تقوم عليها العلاقات الدولية، لا يحترم المواثيق، وكل ما في بياناته أكاذيب، وكل ما حملته خطبه نفاق.يقول صدام عن قادة الخليج عرب العار، عرب الانحلال وقيمهم تناقض كل ما في الأرض والسماء، وبوده أن يزيح حاكم الكويت، لكنه لا يملك المجابهة التي ستنتج عن ذلك ويعترف بها.وفي الوقت نفسه يستقبل أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح في 23 سبتمبر 1989م، حيث يقول في تلك المناسبة: كانت وقفة الأخ جابر الأحمد الصباح ووقفة شعب الكويت الشقيق ذات مكانة خاصة في نفوسنا، وذات تأثير كبير في مجرى الصراع لمصحلة الأمة، وإلى جانب نصرها العظيم، وقد وقفت الكويت بوعي وبسالة بوجه المعتدي والطامعين، وصمدت لكل الظروف التي أُريد من خلالها أن تنسلخ الكويت عن طبيعتها أو هويتها، وعن مبادئ الأمة الواحدة ومستلزمات الأمن القومي».وأضاف: «واستمرت الكويت كما هو الأمل منها ملتصقة بجلدها وبالمبادئ والسياسات التي لو لم يتم التأكيد عليها والالتزام بها لأصبح العرب جميعاً في حالة يرثى لها، فتقديراً لكل هذا وعرفنا وتوثيقاً لموقف الكويت المشرف، واستناداً إلى أحكام الفقرة أولاً من المادة الخامسة من قانون الأوسمة والأنواط رقم 15 لسنة 1982م، رسمنا بما هو آت منح صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت وسام الرافدين، من الدرجة الأولى من النوع المدني».
ارتجاليات البعث في خطة الاحتلال
في شهادة الرائد سعد المري أحد الشباب الكويتيين الذين عينهم صدام حسين وزيراً للدفاع بالقوة أمام محكمة أمن الدولة الكويتية، يقول الرائد: «كنا في معتقل في البصرة حوالي 210 ضباط كويتيين، وتم تقسيمنا إلى مجموعات كل واحدة من عشرة ضباط، وأخذونا بالسيارة إلى مبنى آخر ممنوع أن نتكلم، كانوا يدخلوننا على مكتب لا أدري من بداخله، وقال لي واحد إذا دخلتم أدوا التحية للجالس على المكتب، دخلت المكتب وسألني الشخص الجالس عن اسمي ووظيفتي وعن أصلي، وقال إنه سيعينني وزيراً للدفاع، فقلت أنا لا أريد هذا المنصب وأرغب في العودة إلى الكويت، تركني مدة ربع ساعة، ثم أدخلوني إلى المدعو حسين كامل الوزير لدى النظام العراقي، وكرر العرض عليَّ وقال لي: أنت وزير دفاع رضيت أم لم ترض».ويواصل الحديث: «في يوم الثلاثاء التالي للغزو السابع من أغسطس 1990م تم ترحيلنا إلى بغداد نحن التسعة، وسكنت في بيت مقابل شارع أبونواس، وسكن معي فؤاد ووليد، وذهبت إلى المستشفى بسبب الكلى، وفي يوم الأربعاء نزلنا، وكنا اثنين أو ثلاثة في سيارة، إلا علاء حسين كان في سيارة وحده، وطلبوا منا أنا ووليد وفؤاد في اليوم التالي أن نلبس الملابس الشعبية الكويتية، وأنزلونا وأخذونا بالسيارة مسافة لا أتذكرها، ثم أدخلونا إلى مكان وأغلقوا أنوار السيارة، وساروا وراء سيارة واحدة مضيئة، ثم أنزلونا نحن الثمانية إلى قاعة يجلس فيها المدعو طه ياسين رمضان، والمدعو علاء حسين الذي طلب منا السلام على المدعو طه ياسين، فسلمنا عليه بعد ذلك، وفي أثناء جلوسنا رأينا المصورين يدخلون القاعة، ولا أدري إلا الطاغية صدام واقفاً منادياً عليّ، وطلب مني أن أعرفه بنفسي، وفعلت، وكذلك زملائي، واختلطت الأمور من كثرة الذين دخلوا مع صدام، ثم جلسوا فكان علاء حسين بجوار صدام، وبينهما طاولة ثم طه ياسين رمضان ثم جلسنا نحن، وقد تحدث صدام عن نفسه قائلاً: إنه عبدالله المؤمن، وإنه ينتسب إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإلى علي بن أبي طالب، وأخذ يشتم الكويت، ثم قال إننا دخلنا التاريخ من أوسع أبوابه لأننا أصبحنا وزراء، وبعد أن خلص حديثه، وقف وقال: خلينا ناخذ الصور التذكارية ودخل قاعة أكبر، وكان فيها أعضاء الوزارة العراقية، وطلب من علاء أن يجلس كل واحد منا بين وزيرين عراقيين، ولا أعرف سبب ذلك، وجلس علاء بجانب صدام الذي طلب منه أن يعرف الوزراء بنا، وكان يقول الاسم الأول، وقام صدام وصعد المسرح وصعدنا معه لالتقاط الصور التذكارية، ثم صافحنا واحداً واحداً، ثم رجعنا إلى البيت الذي كنا فيه من قبل».ويستطرد قائلاً: «عينت في الحكومة المؤقتة وزيراً للإسكان والصحة، وفي الحقيقة لم نمارس أي مهام، أما عن البيانات التي كانت تصدر باسم الحكومة المؤقتة فكان أعضاؤها أبعد ما يكونون عما يدور، بل لم يعلموا بما نسب إليهم إلا بعد عودتهم، وكان الاجتماع الذي عقد للحكومة المؤقتة هو اجتماعهم مع صدام عندما قام تلفزيون بغداد بتصويرهم وهم يصافحونه».هذه كلمات ضابط صغير في الجيش يصف مهزلة المسرحية التي رتبها صدام حسين لتجميل جريمته ضد الكويت، ورغم هزالها فإنها تحكي عن وجود رئيس دولة عربية ينزل إلى الحضيض ليصل إلى مآربه، فيقتل وفق ضرورات الظروف، ومع ذلك لا يتورع في الانتساب إلى أشرف خلق الله الرسول الأعظم والإمام علي، مخفياً عقدة لازمته طوال حياته، يسعى للتغلب عليها بقسوة الإجرام.نظام صدام البعثي العلماني المسكون بالفاشية غير قادر على الانسجام مع ضوابط العمل في التراث السياسي العربي مثلما نعرفه في الجزيرة والخليج والأردن وفي مصر والدول الأخرى.محاكمة صدام
بدأت محاكمة صدام حسين في أكتوبر 2005 وانتهت في 5 نوفمبر 2006م، وتم تثبيت حكم التمييز في 26 ديسمبر 2006م، وأعدم في 30 ديسمبر 2006، وشهدت المحكمة 19 جلسة تناقش الرئيس السابق في تهم تتضمن حربه مع إيران، وعملية «الدجيل» التي أعدم فيها 140 شخصاً بعد محاولة اغتياله في 1982م قرب الحدود العراقية- الإيرانية، وعملية الإبادة ضد الأكراد في «حلبجة» عام 1988م، التي راح ضحيتها 300 ألف بين قتيل وحريج ومشرد ومفقود، وسميت العملية «الأنفال» بالإضافة إلى غزو الكويت، وشن حروب وفرض حكم دكتاتوري يرتكز على سياسة القضاء على الخصوم، وإعدام المعارضين، والتفرد بالسلطة، وإبادة انتفاضة الجنوب في عام 1991م.وكان صدام يصر على مكانته كرئيس منتخب للعراق، ولم يكن يظهر احتراماً للمحكمة ولا لرئيسها، الذي أشار إليه بأنه من خلفية الفلاحين الذين أتاح لهم حزب البعث فرص التعليم فصار قاضياً وهذا دليل على إنجازات الحزب.وقد سمعت من المسؤولين في مجلس التعاون الذين زاروا صدام حسين أنه يردد بأن البعث جاء إلى الحكم وشعب العراق جاهل، فوفر له التعليم، وجائع فوفر له الطعام، وعاطل فوفر له العمل.هذا التعالي لم يفارق صدام حتى في أسوأ ظروفه، حيث طلب من ضباط الحماية الاميركية الوقوف للتحية، ولم يتردد في إبداء ملاحظات فيها تحدٍّ، فعندما وصف أحد الشهود الحالة التي عاشها الأكراد في عملية الأنفال يخرج صدام عن طوره صارخاً: كسرنا رؤوسكم يا خونة.وقد انتهت حقبة البعث مع إعدام صدام يوم 30 ديسمبر 2006، في حين تم ترسيم الحدود بين البلدين وفق قرار 833 بضمان دائم من مجلس الأمن، وبرزت تحالفات استراتيجية بين الولايات المتحدة والكويت فيها التزامات المحافظة على أمن الكويت واستقرارها مع اتفاقية شبيهة مع الحليف التاريخي بريطانيا، واتفاقات موسعة مع فرنسا وروسيا والصين تتنوع بين التعاون السياسي والاقتصادي والمشاركة التنموية والتحالفات ضد الإرهاب، مع التعهد بالإسهامات في استقرار أمن المنطقة وحمايتها، كما وقعت دول مجلس التعاون تفاهمات مع الدول الكبرى تلتقي مع الأهداف الكويتية في تأسيس منظومة أمنية دولية تضع حداً لموجات القلق حول مستقبل المنطقة.ويمكن القول إن أمن الخليج صار وديعة عالمية يصونها توافق الدول الكبرى ومحصنة من مجلس الأمن الدولي.محامي صدام يتحدث
في كتاب المحامي خليل الدليمي «صدام حسين من الزنزانة الأميركية (هذا ما حدث)»، وهو محامي صدام حسين في المحاكمة المشهورة يقدم الكتاب سجلاً عن وقائع تصف أحزان صدام حسين من الموقف العربي والدولي، ومشاعره تجاه المبادرات العربية الموجهة له بالتنحي، وفي الفصل الثالث يتحدث عن استماتته للخروج من السجن بأي طريقة تتوافر له.فيقول المؤلف إن صدام كان يعاني غصة في قلبه من الزعماء العرب الآخرين الذين كانت لهم مصالح مشتركة مع العراق، ويتساءل عن موقف قادة الدول العربية، وأين التضامن العربي؟، ولمَ صمتت الأغلبية وتركت العراق يستباح ويذبح أمام ملايين الشهود؟ بعضهم غض الطرف والبعض الآخر أسهم في تدمير العراق، خصوصاً أن صدام حسين لم يقصر مع أحد، ويستفسر عن معايير معاهدة الدفاع المشترك بين الدول العربية، ثم ينتقد موقف الاتحاد السوفياتي خصوصاً أن بإمكان روسيا أن تفعل الكثير، وتحمي مصالحها ومصالح المرتبطين بها بمعاهدات واتفاقات وكذلك فرنسا التي لم تفعل شيئاً ينفعه.كان أمله أن تنتصر الدول العربية وفرنسا وروسيا ودول آسيا وأوروبا لتمنع الغزو الأميركي، ويكرر صدام حسين تصوراته بأن الحرب لن تقع أو أنها على الأقل ستتأخر، وإن وقعت فلن تتطور تطوراً خطيراً وتصل إلى ما وصلت إليه، فيقول: «قد تحسبنا لوقوعها وفق الخيارات والإمكانات المتاحة، واعتقد أن أميركا لن تلجأ للحرب بدون موافقة مجلس الأمن، واستغرب من موقف الأردن.تميزت الفترة التي قضاها صدام في السجن بين المحاكمة وبين صدور الحكم بالاتصالات المعقدة، تدور في الأردن وقطر وبيروت بين أعضاء هيئة الدفاع التي تضم المحامي القطري نجيب المري والأردني زياد الخصاونة، وقد تجاهلت القيادة الأميركية الأمنيات بفتح قناة التفاهم مع صدام، وظلت تتابع تطورات المحكمة.ومرة أخرى لم ييأس صدام فطرح على المحامي خليل إمكانية اقتحام المحكمة في أثناء جلسة من جلسات محاكمته، ويتصور أنه يملك القدرة على تجنيد العناصر واللوجستيات الخدماتية لهجوم مفاجئ، يسبب الاضطراب داخل القاعة، ويتم خلاله إخراجه من قبل المهاجمين ويتوجه للمقاومة وقد ظهر إصراره على الاستمرار كرئيس للجمهورية، إذ يردد أمام القاضي بأنه لن يتنازل عن هذه الصفة التي جاءت من اختيار الشعب له، وبالطبع فإن هذه الخطوات تقدم صورة حية عن ابتعاده عن الواقع واندماجه في أحلام تعيده إلى السلطة، مع تجديد في أسلوب الحكم لأنه سبق أن أعد برنامجاً للتعددية الحزبية، لكن ظروف العدوان الأميركي الصهيوني عام 1990 وأذنابه في المنطقة حالت دون تحقيق ذلك.صغار مع أثواب الزعامة
ضمت الجامعة العربية ثلاثة أنظمة عربية سببت إحراجاً للدبلوماسية العربية، فلا تراعي مواثيق للدبلوماسية العربية، ولا لاتفاقيات إنسانية، ولا تقر بحقوق الإنسان، وظلت تعبث بمقدرات شعوبها حتى نهايتها، وتم رفضها وإخراجها من المجتمع العالمي، كان صراع صدام مع حافظ الأسد لا علاقة له بمصالح شعبي سورية والعراق، كانت حرباً سرية ومؤامرات غامضة بين طرفين تشرّبا من أدبيات النازية، ولا يبتعد عنهما القذافي في ليبيا في سلوكه المسرحي، وفي فلسفة الحكم القائمة على جودة النظام يقاس بما يحققه من إنجازات تفيد وحصاد مثمر، وقد ترك هؤلاء الثلاثة وغيرهم الهزائم والدمار لشعوبهم.لكن يبقى سؤال نردده دائماً عن الأسرار التي تحافظ على هذه الأنظمة المارقة فترات طويلة، من المؤكد أن الإرهاب والإعدام والرعب والحكم الفاسق وأدواته لها دور كبير، لكن هناك شيء آخر تبناه زعماء هذه الدول، وسايرهم فيه آخرون، فالعيش بالشعارات التي يضخها الإعلام الموجه الذي يندد بالإمبريالية والنزعة الاستعمارية والصهيونية، ويوزعها كأدبيات سياسية يرعاها النظام ويعتز بها كهوية تحررية محاربة ومستأسدة على الاستعمار وأذنابه، يلتقي هؤلاء الرؤساء المارقون في ندوات أطلق عليها الدول المتحررة من الرجعية ودول الصمود والتصدي ودول المجابهة التي تسعى للوصول إلى أحلام الأمة، ورغم ذلك فإنها تعتمد كثيراً في تحسين صورتها العالمية على مساعي الدول العربية التي يسمونها رجعية أو دول المساندة والمساعدة، وهي القادرة على تلطيف مواقف الدول الكبرى ضد هذه الدول المارقة.روايات صدام عن الكويت خلال التحقيق
يروي صدام حسين روايات، يبدو أنه يؤمن بها، فيقول للمحقق إن الكويت اعترفت بسرقة النفط العراقي باستخدام الحفر العميقة، وأنها أخذت مليارين ونصف مليار برميل فقط، وكأن هذا الأمر لا شيء وبدون اهتمام بالتبعات، كما زعم صدام أن أحد المسؤولين في الكويت ذكر أن الكويت سوف تجعل اقتصاد العراق يتدهور، وكان رد صدام بأنه قرر أن يجعل الدينار الكويتي عشرة فلوس.ويقول صدام إن ما قدمته الكويت ودول الخليج هي مساعدات مجانية، وكلمة قروض استخدمت لإخفاء الحقيقة عن الإيرانيين، وعندما وجد العراق أنها سُجلت ديوناً عقد مباحثات مع الكويت لحل الإشكال لأن القروض معناها حرمان العراق من قروض أخرى.ويضيف كانت خيبة كبيرة لأن العراق يتوقع المساعدة، فبدون العراق كان باستطاعة الخميني احتلال الخليج والعالم العربي.ولهذا أرسل المبعوثين إلى دول الخليج مع تدهور أسعار النفط لتصحيح الوضع، وتم اتفاق الأوبك بتحديد السعر 17 دولاراً للبرميل، فقد أخلت الكويت بالقرار، وقال وزير خارجيتها إن الكويت لن تلتزم وكذلك وزير النفط الكويتي.ومع انتصار العراق في حربه مع إيران بدأ الاعلام العالمي بتصوير العراق كمهدد للأمن والسلم والمصالح، وتحول العراق في الإعلام إلى عدو ومهدد بسبب دور الصهيونية وتلاشي قوة الاتحاد السوفياتي، وأصحاب المصالح من شركات التسليح والمؤثرين في السياسة الأميركية.ويضيف: أن الجيش العراقي اكتشف وثائق تؤكد المؤامرة الأميركية- الكويتية، كما ذكر أن الكويت وفرت لأميركا مبررات ضرب العراق، ويستطرد بأن إعلان الكويت محافظة جاء لسببين ليدافع الجيش العراقي بقوة وكأنها أرض عراقية، وفيه الرد على التعبئة الأميركية لغزو العراق.كان المحقق يتدخل ويقاطعه عن مسببات الغزو ويرد على صدام بأن الغزو ليس لإتاحة الفرصة لاختيار نوع العلاقة إنما للضم، ويتباهى صدام بأن الغزو استغرق ساعتين ونصف الساعة وأنه شخصياً وضع الخطة.