يحفل كتاب الغزو في الزمن العابس - وهو من منشورات ذات السلاسل - لمؤلفه عبد الله بشارة بأحداث تاريخية مهمة عاشتها الكويت، منها ما يتعلق بتعاطي العراق مع الكويت منذ العهد الملكي حتى عهد صدام حسين، ومنها تعامل الكويتيين مع هذه الأحداث وتطاولات صدام المتكررة على الكويت، التي وصلت إلى ذروتها في قراره الجنوني بغزوها في أغسطس 1990، معتقداً أنه سيدخل أبواب التاريخ كزعيم حقق أحلامه في ضمّها واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة.
حياة الكويت بعد التحرير كانت مرحلة جديدة فيها جرأة غير مسبوقة، وفيها تصلّب غير مألوف، وفيها توجّه للمبادرة حول أفضل أسلوب لإدارة البلد، وفيها استقواء على أطروحات النظام، وفيها الإصرار على أن مجلس الأمة شريك في الحكم ليس مشروعا مظهريا، إنما شريك في الإدارة، وفيها جروح الغزو الذي لم يكن قضاء وقدرا، إنما جاء من خطأ في الحسابات وتجاهل للمؤشرات وللمنبهات، مع نظافة الضمير وحسن النوايا في ما يراه الوسطاء.كان الشيخ صباح الأحمد أكثر استماعا لمن لهم رأي يختلف معه، وكان مراعيا أن قوة النظام هي المؤازرة الشعبية القوية التي عايشها في جدة، وخرجت بصيغة متفقة ومتفاهمة على الوحدة الجامعة بين الشعب والنظام.كان البطء في اتخاذ القرار عامل إزعاج، لاسيما للقيادة الشعبية التي تريد طي صفحة المجلس الوطني، ورغبة في الإسراع بإعادة الحياة السياسية الى طبيعتها، تم الاتفاق على التنسيق بين المجموعات ومرجعها المرحوم عبدالعزيز الصقر، فهو مصدر الأخبار والعمود الفقري للحركة، يتواصل مع المسؤولين بانتظام، وهو جامع في علاقاته مع الجميع، موقع ثقة وشخصية قيادية مؤثرة جدا، يزن الأمور باعتدال وتعقّل، يدرك الخط الفاصل بين الممكن والمستحيل، وهو القوة الفاعلة التي يمتثل كثيرون لنصائحها ويستمعون الى تقييمها لأحوال الكويتيين وعائلاتهم تجارا وبحارة وصناعا، قاد مؤتمر جدة بنجاح، والمتوقع أن يقود إعادة الحياة البرلمانية بنجاح مماثل.وكان حريصا على الحفاظ على احترام التقاليد في مداولاته مع أقطاب النظام، لاسيما سمو الشيخ سعد، وكان واعيا لاحتمالات التخريب من عناصر متهورة قد تتجاوز المسموح به في السلوك واللفظ.كان استقرار السلم الاجتماعي مهما في تلك المرحلة التي كانت فيها العواطف مشحونة والأعصاب متوترة والأنفس مجروحة والصدمة طاغية، وكان عبدالعزيز الصقر واعيا لخطورة هذه الحقائق على مسلك الرأي العام.ووفق التوقعات، قدّمت الحكومة التي شكّلها الشيخ سعد في 20 يونيو 1990م استقالتها في 19 أبريل 1991م، وبهذا انتهى فصل مثير من تاريخ الكويت، شهد حل مجلس الأمة حلا غير دستوري مرتين؛ الأولى في 5 سبتمبر 1976م، والثانية في 11 يوليو 1986م، ولم تترك تعقيدات الغزو وملابساته وشروخه أي احتمال لاستمرار سيناريو الحلول غير الدستورية، فقد كانت صلابة الكويتيين ووحدتهم ومبايعتهم للنظام مؤشرا على تعالي الجميع فوق الخلافات السياسية بالاقتناع الشعبي والرسمي للانطلاق على قاعدة الدستور.في آخر 1992م، دخلت الكويت في ممر سياسي مختلف متجدد الحيوية اعتمادا على المبايعة في مؤتمر جدة الذي أسس لتوافق جماعي وحشد للرأي العام الكويتي ومنح الأسرة شرعية مؤكدة متداخلة في شراكة ضمت كل طوائف المجتمع، ترسم صورة جديدة للدولة الكويتية على قاعدة هذه الشراكة التي تجلت في رفض الاحتلال ومقاومته عبر ائتلاف تلقائي وطني ضم القبائل والتجار والمثقفين ورجال السياسة والمال.وشكّل الشيخ سعد الحكومة السادسة عشرة في أكتوبر 1992، ودخل الوزارة ستة نواب، وهو عدد غير عادي، سعى الشيخ سعد فيه إلى توسيع قاعدة الحكومة انعكاسا للرغبة في وجود أكبر عدد من الاتجاهات، وعاد فيها الشيخ صباح الأحمد بمنصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وهي من الحكومات القليلة التي أكملت عمرها الدستوري، حيث استقالت في أكتوبر 1996م.عزز برلمان 1992م واقع الكويت بأنها بعد الغزو تختلف عما قبله، كان البرلمان أكثر تنوعا وأكثر فاعلية وأكثر ثقة وأكثر إلحاحا، جاءت هذه الروح المتفاعلة وليدة الغزو الذي يثير تساؤلات دائمة عن عدم اتخاذ قرارات كان يمكن لها إفشال الغزو، في إشارة الى غياب مشاورات اجتماعية وسياسية حول التهديدات، وكان يمكن أن تأتي منها أفكار تؤمّن استقلال البلد وسلامته، وتنقذه من العدوان، كانت مداولات المجلس تتميز بحس وطني مرتفع، مع وعي بضرورات ترسيخ أمن الكويت والترحيب بالآليات التي اتخذتها الحكومة حفاظا على سلامة الوطن.
ويسجل الكتاب الموقف الوطني الغاضب الذي تجسد في مؤتمر المبايعة التاريخية في جدة، أكتوبر 1990، الذي أكد فيه الشعب الكويتي تمسكه بالنظام السياسي والشرعي، ممثلاً بأميره الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.جاء الكتاب في ثمانية فصول تشتمل على مادة تاريخية تبرز الادعاءات العراقية وأحداث الغزو، مسجلاً الافتراءات التوسعية التي تستهدف الدولة الوطنية الكويتية.ويعرض الكاتب هذه الأحداث موثقة بالتواريخ الدقيقة، مستنداً إلى المصادر العربية والعالمية، إضافة إلى شهادات المسؤولين المعاصرين في وسائل الإعلام، وما نشرته الصحافة في هذا الشأن. وفيما يلي تفاصيل الحلقة الأخيرة:
حياة الكويت بعد التحرير كانت مرحلة جديدة فيها جرأة غير مسبوقة، وفيها تصلّب غير مألوف، وفيها توجّه للمبادرة حول أفضل أسلوب لإدارة البلد، وفيها استقواء على أطروحات النظام، وفيها الإصرار على أن مجلس الأمة شريك في الحكم ليس مشروعا مظهريا، إنما شريك في الإدارة، وفيها جروح الغزو الذي لم يكن قضاء وقدرا، إنما جاء من خطأ في الحسابات وتجاهل للمؤشرات وللمنبهات، مع نظافة الضمير وحسن النوايا في ما يراه الوسطاء.كان الشيخ صباح الأحمد أكثر استماعا لمن لهم رأي يختلف معه، وكان مراعيا أن قوة النظام هي المؤازرة الشعبية القوية التي عايشها في جدة، وخرجت بصيغة متفقة ومتفاهمة على الوحدة الجامعة بين الشعب والنظام.كان البطء في اتخاذ القرار عامل إزعاج، لاسيما للقيادة الشعبية التي تريد طي صفحة المجلس الوطني، ورغبة في الإسراع بإعادة الحياة السياسية الى طبيعتها، تم الاتفاق على التنسيق بين المجموعات ومرجعها المرحوم عبدالعزيز الصقر، فهو مصدر الأخبار والعمود الفقري للحركة، يتواصل مع المسؤولين بانتظام، وهو جامع في علاقاته مع الجميع، موقع ثقة وشخصية قيادية مؤثرة جدا، يزن الأمور باعتدال وتعقّل، يدرك الخط الفاصل بين الممكن والمستحيل، وهو القوة الفاعلة التي يمتثل كثيرون لنصائحها ويستمعون الى تقييمها لأحوال الكويتيين وعائلاتهم تجارا وبحارة وصناعا، قاد مؤتمر جدة بنجاح، والمتوقع أن يقود إعادة الحياة البرلمانية بنجاح مماثل.وكان حريصا على الحفاظ على احترام التقاليد في مداولاته مع أقطاب النظام، لاسيما سمو الشيخ سعد، وكان واعيا لاحتمالات التخريب من عناصر متهورة قد تتجاوز المسموح به في السلوك واللفظ.كان استقرار السلم الاجتماعي مهما في تلك المرحلة التي كانت فيها العواطف مشحونة والأعصاب متوترة والأنفس مجروحة والصدمة طاغية، وكان عبدالعزيز الصقر واعيا لخطورة هذه الحقائق على مسلك الرأي العام.ووفق التوقعات، قدّمت الحكومة التي شكّلها الشيخ سعد في 20 يونيو 1990م استقالتها في 19 أبريل 1991م، وبهذا انتهى فصل مثير من تاريخ الكويت، شهد حل مجلس الأمة حلا غير دستوري مرتين؛ الأولى في 5 سبتمبر 1976م، والثانية في 11 يوليو 1986م، ولم تترك تعقيدات الغزو وملابساته وشروخه أي احتمال لاستمرار سيناريو الحلول غير الدستورية، فقد كانت صلابة الكويتيين ووحدتهم ومبايعتهم للنظام مؤشرا على تعالي الجميع فوق الخلافات السياسية بالاقتناع الشعبي والرسمي للانطلاق على قاعدة الدستور.في آخر 1992م، دخلت الكويت في ممر سياسي مختلف متجدد الحيوية اعتمادا على المبايعة في مؤتمر جدة الذي أسس لتوافق جماعي وحشد للرأي العام الكويتي ومنح الأسرة شرعية مؤكدة متداخلة في شراكة ضمت كل طوائف المجتمع، ترسم صورة جديدة للدولة الكويتية على قاعدة هذه الشراكة التي تجلت في رفض الاحتلال ومقاومته عبر ائتلاف تلقائي وطني ضم القبائل والتجار والمثقفين ورجال السياسة والمال.وشكّل الشيخ سعد الحكومة السادسة عشرة في أكتوبر 1992، ودخل الوزارة ستة نواب، وهو عدد غير عادي، سعى الشيخ سعد فيه إلى توسيع قاعدة الحكومة انعكاسا للرغبة في وجود أكبر عدد من الاتجاهات، وعاد فيها الشيخ صباح الأحمد بمنصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وهي من الحكومات القليلة التي أكملت عمرها الدستوري، حيث استقالت في أكتوبر 1996م.عزز برلمان 1992م واقع الكويت بأنها بعد الغزو تختلف عما قبله، كان البرلمان أكثر تنوعا وأكثر فاعلية وأكثر ثقة وأكثر إلحاحا، جاءت هذه الروح المتفاعلة وليدة الغزو الذي يثير تساؤلات دائمة عن عدم اتخاذ قرارات كان يمكن لها إفشال الغزو، في إشارة الى غياب مشاورات اجتماعية وسياسية حول التهديدات، وكان يمكن أن تأتي منها أفكار تؤمّن استقلال البلد وسلامته، وتنقذه من العدوان، كانت مداولات المجلس تتميز بحس وطني مرتفع، مع وعي بضرورات ترسيخ أمن الكويت والترحيب بالآليات التي اتخذتها الحكومة حفاظا على سلامة الوطن.
إعلان دمشق
وجدت دول مجلس التعاون في دبلوماسية كل من مصر وسورية نقاطا يمكن ان تشكل أساسا واقعيا وفعالا خاليا من الشعارات، يستوعب دول المجلس ويتماثل مع النزعة البراغماتية التي تمارسها كل من القاهرة ودمشق، اللتين شاركتا ضمن التحالف الدولي لتحرير الكويت.وحرصا من هذه الدول (مجلس التعاون وكل من دمشق والقاهرة) على الحفاظ على الزخم التعاوني الذي تميزت به العلاقات بين هذه الدول خلال تحرير الكويت، وحفاظا على الاعتدال في الدبلوماسية العربية، رأت هذه الدول أن تقنن علاقاتها في إطار يتم الاتفاق عليه لتنظيم المسار السياسي والاقتصادي، وأي مسار آخر على مرتكزات تشمل التعاون الاقتصادي والتشاور السياسي، والعمل من أجل تطوير العلاقات العربية لكي تنسجم مع قواعد الدبلوماسية العالمية.كما قررت دول مجلس التعاون توسيع دورها في مشاريع البنية التحتية وقنوات التنمية في كل من مصر وسورية، في إطار برنامج في حدود عشرة مليارات دولار مع تنسيق سياسي، وتأسيس شبكة للتشاور والتنسيق السياسي والعسكري فيما بين هذه الدول.توقيع الإعلان
من هذه الوقائع جاء إعلان دمشق الذي تم التوقيع عليه في 6 مارس 1991م بمدينة دمشق، فوضع المبادئ التي تؤسس للنظام العربي الجديد، والتي جاءت من ممارسة واقعية أدت الى تحرير الكويت عبر ائتلاف عربي - دولي، من دول أعضاء في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة وضد دولة عضو في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، ولها سيادتها وهويتها واستقلالها في تعبير قوي عن رفض مقولة النظام العراقي عن الحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار، مع إبراز رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت أي مبرر، مع الإيمان بالعمل العربي المشترك القائم على الاقتناع والتقبل المتبادل، واحترام إرادة الدولة الوطنية واستقلالها.قطعت دول إعلان دمشق شوطا جيدا في مسار تنفيذ المبادئ والانسجام مع روح الميثاق، ولم يكن أحد من الأطراف يتوقع أن تتغير الحقائق في مصر عام 2011م ويأتي نظام آخر لم يلبث أن جاء نظام غيره يستوحي في كثير من فلسفته مبادئ الإعلان.كما تعرض النظام السوري للتصدي في جبهته الداخلية، بعد أن تولى بشار الأسد الحكم خلفا لوالده الذي توفي في يونيو 2000م.ومهما كانت التطورات، فلا شك في أن ما نعيشه اليوم من تقارب بين الدول العربية جاء بوحي من ميثاق دمشق.الخليج وآفاق المستقبل
أثبتت صيغة مجلس التعاون ملاءمتها لواقع الخليج المتماثل تاريخيا وسياسيا واجتماعيا وشعبيا، ففي هذه الصياغة الجامعة للمرونة التي لا تخنق وتمنح الدول الأعضاء المساحة الكافية للتحرك الفردي أو الثنائي في إطار المجلس، وفيها الواقعية السياسية والاجتماعية والتلاقي الاقتصادي والتشابه الثقافي، تجمع الجهود، وتعمل لتقريب المواقف، إذا تعذر توحدها، وتوفر الاطمئنان لكل طرف، ولا تضيق على أحد، وتتحرك بقناعة الجميع، وتضع في اعتبارها التباين في مستوى الدخل بين الدول الأعضاء، وهي صيغة مريحة قد تتباين الاجتهادات فيها، لكنها لا تختلف، وقد تتباعد الآراء لكنها لا تصطدم بتحركها البطيء، لكنه يتناسب مع قدرة الدول الأعضاء على التنفيذ.أغنت هذه الصيغة منطقة الخليج عن المشاركة في مساعي الدول الراديكالية نحو تحقيق وحدة عروبية تجمع بين العراق وسورية، وربما مصر، وقد يكون الأردن، والتي لم تر النور رغم صخب الشعارات، لأنها تتجاهل بكل بساطة الدول الوطنية وتعبر فوق واقعها وتسفه فلسفتها وتصغر من شرعيتها، وتحقر من أدبياتها، فالدولة الوطنية في الخليج ترتكز على شرعية تاريخية وتراث اجتماعي متداخل مع قيادات اصحاب القرار وأهل الحل والعقد، فعندما بدأت صيحات الراديكالية تقترب من الخليج رأت القيادات الخليجية ضرورة حماية هذه البقعة الحساسة ذات الاستراتيجية الاستثنائية ببناء نظام سياسي يجمع ويوحد وينسق ويؤمن الديمومة في أمن واستقرار، يصمد أمام الخيار الفوضوي الذي تفرزه الشعارات.وقد أظهر الغزو العراقي لدولة الكويت أن الدول العربية بشكل عام لم تدرس تاريخ الخليج، ولم تتعرف إلى المواقف والمزاج، فكان الملك حسين يردد أنه يسعى الى حل عربي مضمونه - كما كشفت الوثائق - استرضاء العراق بجزء من الكويت، وعلاج مشكلة الذين يملكون والذين لا يملكون، وقد سجل الرئيس بوش في مذكراته انه تحدث بصراحة مع الملك حسين عندما زاره بمنتجعه الصيفي في 16 اغسطس 1990، فهو يضغط في اتجاه حل وسط يمكن به حل المشكلة، وظللتُ أقول له: لا يوجد شيء كهذا، يجب أن يتم الانسحاب وعودة الحكم الكويتي وتحدث عن الذين يملكون والذين لا يملكون.وفي 31 أغسطس 1990، اجتمع وزير خارجية بريطانيا المستر هيرد مع الملك حسين، ونشرت وثائق اللقاء في أول يناير 2017م، وفيها أن الملك حسين جادل بأن العودة الى الوضع كما كان سائدا في السابق في الكويت ببساطة ليست ممكنة، لابد أن يحصل استفتاء من نوع ما في الكويت، ويجب ترتيب القضايا مثل توزيع الثروة بين من يملك وبين من لا يملك.من أهم عناصر السيادة في الدولة الوطنية هي سيادتها التامة على موارها الطبيعية، وتكرس الأمم المتحدة هذا المبدأ، وكل جهودها في التعامل الاقتصادي والاجتماعي مع الدول الأعضاء، ولا يوجد في القانون الدولي ولا في المواثيق الخلط الغريب في ادعاءات توزيع الثروة.فدول الخليج مدركة مسؤولياتها العربية والإقليمية والدولية في المشاركة ببرامج التنمية في جميع بقاع العالم، وهي في الصدارة بالمؤسسات الدولية وفي المراكز المالية وفي القروض المباشرة، وتعي مسؤولياتها في النظام العالمي الجديد.كان إجماع العالم على رفض الاحتلال العامل الأكبر في تحرير الكويت، وكانت معارضة الغزو العالمية مؤسسة على الالتزام بقواعد الأمن والاستقرار في العالم، ورفض اللجوء للقوة لتحقيق المكاسب وتأكيد الدعوة لحل المشاكل بالوسائل السلمية والمفاوضات ومقاومة الابتزاز والتآمر على سلامة الدول الأخرى.وفوق ذلك، فإن العالم يؤكد أن سلوك صدام يضعه خارج القواعد الانسانية والأعراف الحضارية، وأن السكوت عنه سيؤدي الى تسيده للمنطقة بكل حساسيتها وثرواتها، ولن يسلم منه أحد.ومع هزيمته وإعدامه، ومع نهاية القذافي، وتآكل حكم الأسد، صار الفضاء العربي السياسي أكثر واقعية، وتميز سلوك دول الجامعة العربية بالواقعية السياسية التي هي المبدأ العملي للعلاقات بين الدول، وصار التطرف مكروها واقتباس شعارات الماضي فتنة، والادعاءات الثورية سفسطة، مع إبراز ترسيخ القناعة بالاحترام المتبادل كقاعدة بين الدول الأعضاء، وتعميق المسارات التي تحقق المنافع بين الدول.الدولة الوطنية
تعاظمت مكانة الدولة الوطنية، يحصنها الإدراك بأن الجامعة العربية منظمة عربية تجمع شمل دولا ذات سيادة من أجل الوصول الى اتفاق جاد للمزيد من التنسيق والتعاون والتكامل في المجالات التي تفيد الجميع، في ولاء تام للمبادئ التي جسّدها ميثاق الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات حقوق الإنسان، والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، مع التفاعل مع المستجدات العالمية، والانفتاح على التيارات الفكرية المختلفة.وإن صيغة مجلس التعاون القادمة تحمل مرتكزات جديدة لتحديد المطلوب من كل عضو من أعضاء المجلس، وتحدد مكاسبه، فأهم عنصر مستجد في لائحة التغيير الابتعاد التام عن الدبلوماسية التي قد تضر بدول المجلس، جماعات وأفراداً، مع تقبّل مبدأ حق المجلس في فرض عقوبات على الدول المخالفة، مع وضوح مفصل في نظام المجلس حول القضايا الاستراتيجية، وأبرزها مفهوم الاعتماد على الذات لتأمين استقرار الدول والحفاظ على وحدتها الترابية، وتأكيد شرعيتها التاريخية، عبر آليات تمكن العمل العسكري الجماعي للوصول الى الهدف المنشود بالتدرج، مع إبراز الجدية في السير نحو هذا الهدف مهما كان الثمن.من فوائد مجلس التعاون
جميع الدول الأعضاء استفادات من مجلس التعاون، إذ وفّر لها إطار القوة الجماعية ونقلها بثقلها السياسي، وموقعها الاستراتيجي الى العواصم التي تملك مفاتيح الاستقرار والسلام في جميع أطراف المجتمع العالمي، وامتدت فوائد المجلس الى الاعتراف الدولي بمكانة دول مجلس التعاون في التوافق السياسي، وفي التنمية الاقتصادية وفي مسارات التجارة، وأهم من ذلك خصوصية دول المجلس في دبلوماسية النفط العالمية، القائمة على عقلانية التوازن بين حقوق المنتجين وحقوق المستهلكين، مع تعاون مفتوح في تطوير تكنولوجية النفط، وتوظيف ما تحفظه خدمة لاحتياجات المجتمع العالمي، وبأسعار مقبولة للطرفين.كما تميّز العمل السياسي الخليجي بالاعتدال في التعامل مع القضايا العربية والاقليمية المرتبطة بالسلم والأمن العالميين.فلا يمكن تجاهل دور الدبلوماسية الخليجية في تطويق الراديكالية العربية والإقليمية؛ سواء الحزبية العقائدية أو الإسلامية، مع شراكة خليجية بارزة في حروب العالم ضد الإرهاب.يظل مجلس التعاون الأبرز في مفاتيح العمل العربي المشترك على الخصوص في مسارات التنمية والتجارة، والحضور المؤثر في المنتديات الاقتصادية، ومجالس النقد، والتمويل، إضافة الى دور المجلس في العطاء الإنساني، والتبرع لمواجهة المجاعات وضحايا الإرهاب من اللاجئين العرب، وغيرهم في هذا الكون الساخن.مجلس التعاون وفر سياجا قويا للدولة الوطنية الخليجية، وعزز مواقعها إقليميا وعالمياً، واستخرج من تجاربه خلال ثلاثة عقود نهجا خليجيا جماعيا مميزا، ومن هذه الخبرة تأكد مبدأ الوحدة الخليجية الجماعية من خلال زخم العطاء والقناعة بمسيرة مجلس التعاون.تقرير مجلس الأمة عن الغزو
قال السفير الكويتي في بغداد، المرحوم إبراهيم البحوه، أمام لجنة تقصي الحقائق البرلمانية إن «العراق يعرف كل دبيب حركاتنا بفضل المجموعات التي تعمل في الكويت تحت علم السفارة العراقية، دون المرور على السفارة الكويتية أو القنصلية لأخذ الفيزا، فالمخابرات العراقية ترسل مندوبا بقائمة تقول إن هؤلاء سيحلون محل المجموعة التي كانت في الشهر الماضي بأسماء ورواتب غير معروف حقيقتها.ويضيف السفير الكويتي في بغداد أنه طلب من «الخارجية» العراقية تنظيم هذا الإجراء، حيث يكون طلب الفيزا عن طريق «الخارجية»، هذا الطلب لم ينفذ، وكان الرد العراقي أن هذا الإجراء موجود قبل تعيينك سفيرا في بغداد، وأن الاتفاق قائم في ظروف الحرب وسيستمر، وإن وجهة النظر الكويتية مطابقة مع هذا الإجراء فاستمرت الحال كما كانت عليه.ويتحدث وزير النفط الكويتي خلال الغزو، رشيد العميري، أنه عقد اجتماعا سريّا غير معلن في فندق الريجنسي في الكويت يوم 28 يونيو 1990م مع وزير النفط السعودي السيد هاشم ناظر، الذي مكث 6 ساعات في الكويت فقط، ثم سافر الى العراق، وأنه أبلغ الوزير العميري عندما قابله في زيارة ودية في منزله بجدة بعد الغزو بأنه سافر من الكويت الى العراق، وقابل وزير النفط العراقي، ووجد لديه جميع تفاصيل الاتفاق الذي تم بين الوزيرين السعودي والكويتي، في فندق الريجنسي بالكويت، عن الآبار والإنتاج والوضع النفطي العام، عن طريق موظفين من الجنسيات المختلفة، بمن فيهم العراقيون وآخرون من العرب.والاختراق الأمني ليس محصورا في إدارة النفط، بل في كل مظاهر الحياة بالكويت، ومن المؤكد أن القيادة العراقية درست نفسية المسؤولين الكبار أصحاب القرار ومزاجهم وميولهم وتوجهاتهم تجاه العراق، وتجاه القضايا العربية والعلاقات مع الدول الكبرى، كما درست آلية اتخاذ القرار في الكويت، ومن هو المؤثر في سلّم القيادات، وكذلك أجرت مسحا متواصلا لتوجهات الرأي العام الكويتي وأولوياته ومفاهيمه العروبية، ومن هم القوة المؤثرة في توجيه الرأي العام، ودور الثقافة السياسية الكويتية في القرار السياسي الكويتي.كما وصل الاختراق الى وكالة الأنباء الكويتية ومكاتبها في الخارج، كل ذلك يتم أمام أعين الكويتيين الذين بالغوا في حسن النية، وبشكل عام لم يألفوا العيش في بيئة تآمرية، ولم يمارسوا فنون التخوين والتلوث.