الفساد الإداري والمالي
لقد سبق لنا أن نشرنا دراسة عن الفساد في جريدة "القبس"، لكنها كانت في أغسطس عام 2014، وكان عتب بعض الزملاء بأن توقيتها كان غير مناسب على الرغم من أهمية ما جاء فيها. واليوم عندما نستعرض سجل الفساد نجد استمراره بوسائل متنوعة، ولا يعتبر فساداً عاديا عندما يصل التلاعب والسرقات بالملايين، فهناك وسائل يستخدمها المزورون والحرامية يطلبون فيها مقابلاً مادياً وعينياً لمعاملة يحتاجها المواطن أو الوافد، ولا تنجز إلا بعد دفعها، ولا يستطيع الراشي أن يكشف أمرها أو أمر المرتشي لأنه شريك فيها من جهة، ولأن معاملته في المرة القادمة سيتم تعطيلها، والرشوة تدفع من خلال وسطاء لهم جزء منها من داخل المؤسسة أو خارجها، ولا يتورع البعض في طلب (الهدية) لإنجاز المعاملة! إن المشكلة تكمن في أن الكتابة عن هذه الحالات توقع الكاتب في حرج عندما تطلب منه أدلة على ما يكتبه، أو ربما يصل الأمر إلى القضاء الذي لا يقبل مثل تلك الممارسات، ويحدث ذلك من قبل مواطنين ووافدين على الرغم من الحالة المربحة مادياً لأولئك، لكن ليس للجشع وضعف الإيمان الديني والوطني عندهم حدود، سواء كانت الإدارة متخلفة والبلاد غنية أم فقيرة!
وهناك أناس محترفون في التحايل والتلاعب، ويجدون في دولنا مجالاً للإثراء، ولا يهمهم الحلال والحرام، والتبريرات جاهزة لأفعالهم، وكلامنا عام لأننا نطرح قضية أصبحت ظاهرة في مجتمعاتنا وعلاجها تربوي ثقافي. والغريب أن هذه الظاهرة كانت محدودة ولا تصل حد الظاهرة، ولكن بمرور الوقت وزيادة دخل الدول والأفراد تفشت وانتشرت، حيث تجد أناساً كانوا لا يملكون دخلاً أو محدودي الدخل أصبحوا من أصحاب الملايين! وليس هناك من يقول لهم من أين لكم هذا؟ وهناك استثناءات للقاعدة، فبعض الناس جاءتهم فرص الإثراء، ولكن نحن نتكلم عن الفساد الإداري والمالي في دولنا، وهو نتيجة لفساد أخطر، فهناك نواب اشتروا أصوات الناس في الانتخابات، وهناك موظفون يطلبون رشا على معاملات لإنجازها، وبدون ذلك يتم تعطيلها، وهناك سرقات لمبالغ طائلة، وهناك صفقات تتم في السر والعلن. ويعتقد البعض أن ذلك الفساد بسبب الحاجة، ولكن لم يكن موجوداً بهذه الصورة عندما كان المجتمع فقيراً، وليس موجوداً في المجتمعات الفقيرة، بل زاد وانتشر مع الغنى! وقد يتساءل البعض عن علاج مثل تلك الظاهرة تحت عنوان الفساد؟ إن فساد الضمائر من فساد العقول، وما يحدث زاد على الحد المعقول، لقد صار شعار المرحلة الفساد في كل مكان، ويبدو أن وسائل المكافحة غير مجدية، فقد طفح الكيل، والأوطان في خطر، فنحن غارقون غارقون غارقون.