لماذا يتردد رؤساء أميركا في شن الحروب الكبرى؟
قال الرئيس الأميركي ترامب إنه أوقف حرباً مع إيران قبل 10 دقائق من بدئها، عندما علم أن هناك 150 مدنياً سيقتلون جراء القصف، هكذا. بالطبع، ترامب ذاته لا يصدق هذا الكلام، ولكنها مستلزمات العرض لأن الحقيقة هي أن قرار الحرب لم يتخذ أصلاً. الموقف الشكلي للتراجع المفاجئ شبيه جداً بقرار الرئيس أوباما في 2013 بضرب النظام السوري لاستخدامه الكيماوي، ما أدى إلى غضب بعض دول الخليج. ولا أظن أن ترامب سيتعرض لذات الغضب الذي تعرض له أوباما، ولذلك مبرراته.عبر التاريخ الأميركي، وهو ليس بالتاريخ القديم، تكونت عقيدة راسخة ضد المشاركة المباشرة في الحروب الخارجية، وحكاية التردد في الحرب العالمية الثانية معروفة، وعندما شاركت في تلك الحرب على مضض، انتصرت انتصاراً أوقف النازية وشكل تحالفات دولية وجعل أميركا في المقدمة عسكرياً، تصوروا انفكاك العقدة حتى جاءت هزيمة حرب فيتنام، لتتعقد مجدداً بوضع قيود على الحروب الخارجية المباشرة، ليصبح النهج إما حروباً بالوكالة أو دعم أحد أطراف القتال وأحياناً دعم الطرفين. ومع أن فائض القوة الذي تملكه أميركا يغري باستخدامه، إلا أنه لن يحدث بسهولة، إلا في حالة خطر مباشر وإجماع وطني، وربما إجماع دولي، وما سيحدث لن يعدو عن ضربات محدودة صارت جزءاً من العادات والتقاليد الأميركية، آخرها نفذها ترامب في 2017 و 2018 بسورية.في 14 أكتوبر 1962 ، خيمت على العالم غيوم حرب عالمية ثالثة، حبس فيها العالم أنفاسه 13 يوماً، بما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية، بين أميركا والاتحاد السوفياتي حين قام الأخير بنصب صواريخ في جزيرة كوبا.
آراء مستشاري كينيدي اتجهت نحو المواجهة العسكرية، وكانت حافة الهاوية هي المصطلح السائد، بينما كينيدي كان متريثاً، حتى اتضح أنه كان قد فتح سراً قنوات اتصال مع نيكيتا خروتشوف الزعيم السوفياتي. لتنتهي الأزمة بسحب الصواريخ من كوبا وسحب صواريخ أميركية من تركيا. بالطبع التفاصيل والحقبة الزمنية والمتصارعون مختلفون عن الحالة الراهنة في المنطقة، فلا يمكن مقارنة الاتحاد السوفياتي بإيران. إلا أن عملية اتخاذ القرار، وطبيعتها، ومحدداتها واحدة.حتى الرئيس كلينتون، حاول الابتعاد عن العمليات العسكرية، بمفهوم "الاحتواء المزدوج"، لإيران والعراق، باستثناء عملية "ثعلب الصحراء" المحدودة للعراق سنة 1998.الاستثناء كان جورج دبليو بوش، الذي شن حربين رئيسيتين في أفغانستان والعراق، ولم تنجحا في إقناع الرأي العام بجودتهما، فالسياسة الأميركية عادة تنجح في البدايات، ولا تعرف كيف تنهيها. لماذا كان بوش استثناءً؟ كانت تفجيرات 11 سبتمبر بحجم تاريخي داخل أميركا عنصراً مهماً أوجد شعوراً بالتهديد وإجماعاً وطنياً على الرد. كما أنه، وهذا هو الأهم، كانت هناك سيطرة ساحقة على الإدارة الأميركية لمجموعة من المتطرفين أطلق عليهم "المحافظون الجدد" (بيرل وفيرث وغيرهما) ونائب رئيس مماثل لهم، عقيدتهم كلهم الحرب لا السلام.بالطبع بالإمكان تحليل الأسباب الموضوعية التي أدت إلى التردد في شن حرب بعينها، وربما تكون تلك الأسباب منطقية، ولكنها ليست بالضرورة حقيقية، أو هي المسؤولة عن اتخاذ قرار التراجع. فالأساس بالسياسة الأميركية في حالة الحرب هو التردد، وشن الحرب المباشرة هو الاستثناء، وسيبقى الأمر كذلك، حتى إشعار آخر.