لا أعتقد أن هناك أكثر عدلاً وإنصافاً في المشاعر الإنسانية من شعور الكراهية!لطالما أذهلتني بتقنيتها المعقدة في كيفية تحقيقها لعدالتها، وآلية عمل نارها الملتهبة التي تنمي لظاها بصبر وتؤدة صيّاد محترف!
للكراهية طريقتها الخاصة في تربية شوكها وسكاكينها الحادة وبحكمها الصارم وقصاصها الفيصل، فلا تمنح فرصة ثانية للمرافعة لمن تصدر ضده حكمها، أو تسمح له بإيجاد حيلة للاستئناف!وسرّ عدالة الكراهية يكمن في أن عقابها ينال من القلب الذي يحتضنها قبل أن تفكر في النيل ممن هي موجهة ضده، متّبعة نهج المثل القائل صانع السم لابد أن يتذوقه، وهي –أي الكراهية- لا تجعل صانع السم يتذوقه فقط، بل هي تجعله يتجرّعه في كل لحظة وفي صحوته ومنامه، لا يهنأ له نفَس ولا تهدأ له نفْس طالما أنها مشعلة مصابيحها في قلبه، ونارها ترمي بشررها وجمرها في صدره، وكلما اشتدت حدّة الكراهية في قلب حاملها اشتد سعيرها جحيماً يحرق جذع كل شجرة نخرها السوس مغروسة بين حناياه حتى لا تبقي له يابساً أو أخضر، إلى أن تتفحم روحه وتصبح كتلة من السواد، ومن ثم رماداً ينتثر في داخله ينبت شوكاً، كلما حاول لمسه سال الدم غزيراً ليتشكل جداول تسقي حقول الشوك في روحه وتغذيها لتنمو أكثر، فتفيض الكراهية من داخله لتظهر للعيان على كل ما يصدر من خارجه، هذا حتى قبل أن تصيب في أذاها الآخر، هذا إذا أمكن لها ذلك!إن تربية الكراهية في داخل المرء ورعايتها واحتضانها تربية لا تحمد عاقبتها السيئة، وتشبه إلى حد بعيد محاولة تربية ذئب متوحش شرس وجعله مستأنساً يأمن المرء شرّه ويألف عشرته ويطمئن إليه، الكراهية لا تُستأنس ولا يمكن ترويضها من خلال تعديل سلوكها، فلها صفات غير قابلة للتغيير، ومنها أن سلوكها المؤذي يبدأ أذاه في المكان الذي ترعرعت فيه، وأن انتقامها لن يوفّر حتى من احتضنها أو يجازيه إحساناً، وهذه قمة في العدل ندر أن نجدها في مشاعر أخرى، لأن الكراهية لا تنبت من العدم، وإنما هي محصلة مشاعر سلبية أخرى لا تقل عنها تعقيداً، ولا تكون أدنى منها شرا، كالحقد، والبغض، والغيرة، والحسد، والتعصب، والعنصرية، والخوف، والرغبة في الانتقام، ومشاعر أخرى لا تقل سوءا، مما يجعل نزعها من منبتها أمراً أشبه بالمستحيل ويتطلب معجزة كبرى، كل هذه المشاعر الشريرة هي بشكل أو بآخر عقاب للنفس التي تحمل بذرة الكراهية وتسقيها من حميم تلك المشاعر، لذا فإن الكراهية تقتص من قلب حاملها قبل أن يصل انتقامها لآخر بزمن ربما يطول وربما لن يجيء، لذا فليهنأ بالاً هذا الآخر، وليمد رجليه كأبي حنيفة، ويطمئن كاطمئنان مِرْبِعٍ لسلامته من الفرزدق، حتى وإن أصابه بعض شررها وشرها، وليعلم أن الكراهية قد انتقمت من صاحبها أولاً، واقتصت منه قبله، ولينم قرير العين لتحقيق العدالة!
توابل - ثقافات
الكراهية... كم هي عادلة!
27-06-2019