نحن نعلم تماماً كيف تروى الحكاية، وقرار الحرب اتخذ منذ وقت طويل، وتلك أصبحت الغاية النهائية، ويتعين طرح الدليل من أجل تحقيق ذلك الهدف المنشود، نظام قديم يصبح فجأة تهديداً وشيكاً، والمنفيون الإيرانيون من ذوي الحد الأدنى من الاتصالات والعلاقات في بلادهم الذين يتمتعون بأرصدة مصرفية ضخمة وروابط واسعة مع مراكز التفكير اليمينية والشركات المتعددة الجنسيات وأجهزة الأمن في الغرب تعمل للإعلان عن أن الحرب يجب أن تشن على بلادهم. ويتم في هذا السياق سرد الكثير من روايات انتهاك حقوق الإنسان في تفصيل لا نهاية له: من النوع الذي يتم تجاهله من قبل النخبة في بلادنا إذا ارتكبه أحد حلفائنا، وينظر النقاد للحرب على أنها تهدد الأمن القومي وشعوب الدول المعنية، كما ينظر إلى أنصارها على أنهم من الفئة المعادية للوطن.
وفيما يمكن توقع التزام حزب المحافظين البريطاني بالقيام بعمل عسكري آخر ضد إيران فقد قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأجيل مثل تلك الخطوة الى موعد يحدد في وقت لاحق.وقد حدث ذلك من قبل في العراق وليبيا أيضاً وانجرف البلدان بسرعة نحو حرب أهلية شهدت حمامات دم وفوضى عارمة بشكل واضح، ويمكن للمرء في عالم عادل أن يتوقع الشريحة المؤيدة لمثل ذلك الإجراء العسكري الكارثي، الذي أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الضحايا وتشويه عدد لا يحصى من مواطني البلدين، وخلق موجة من ملايين المهاجرين الى دول مجاورة ونائية، إضافة الى مهجرين من داخل البلاد، كما عمل على تحويل البلدين إلى ساحة تظهر فيها عناصر عنف متطرفة.
وماذا بعد ذلك؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: ماذا بعد كل ذلك؟ والجواب أنه بدلاً من احتفاظ القوى الخارجية بنفوذها يمهد المتطرفون لشن حرب على إيران. وبعد أن أشار جيريمي كوربين إلى إعلان ادارة الرئيس دونالد ترامب مسؤولية طهران عن حادث تفجير ناقلتي النفط في الخليج، وحديث كوربين عن ضرورة التحقق من ذلك ودعوته الى قيام بريطانيا بعمل ما من أجل تخفيف التوتر في منطقة الخليج، واجه موجة عاصفة من الشجب والاستنكار. وتشير الفكرة هنا الى «أنك ستكون سياسياً أكثر احتراماً وتقديراً إذا دعوت الى الحرب وقتل الأطفال الأبرياء وهم نيام مما لو دعوت الى تحقيق السلام». ويمكن للمرء أن يتجاهل ترديد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لدعوة جيريمي كوربين لتحقيق السلام وقد ردت أوساط حزب المحافظين على تلك الدعوة– وخاصة مرشح الحزب لقيادته جيريمي هنت– بوصف «الشخص المثير للشفقة»، وتساءل لماذا لم يؤيد كوربين حلفاء بريطانيا والاستخبارات أو المصالح البريطانية؟موقف مثير للفضول
ويرى البعض أن ذلك الموقف يثير الفضول والاستغراب إلى حد ما، نظراً لأن زعيم حزب العمال اتبع الخط ذاته الذي أقره حلفاء بريطانيا في أوروبا، وربما يستغرب البعض كيف أن موقف كوربين إزاء تطورات الشرق الأوسط يمكن أن يفسر على أنه يرقى الى مستوى دعم «المصالح البريطانية».كانت ملاحظات وتعليقات مرشح قيادة حزب المحافظين مايكل غوف بناءة بصورة خاصة، حيث قال إن «تعليقات كوربين حول إيران تظهر من جديد أنه لا يصلح لقيادة البلاد ولا للثقة به لمعالجة أمننا القومي. وهذا هو الرجل الذي دعا الى غزو العراق بعد يومين فقط من هجمات 11/ 9 وظل مؤيداً على الدوام لذلك الغزو، وبحسب وزير الخزانة البريطانية السابق كن كلارك فإن وصول غوف الى الحكم قد يسفر عن خوض بريطانيا «3 حروب على الأقل على الفور». هذه الرغبة في الحرب يجب أن تخيفنا لأنه فيما لا يمكن لأمثال غوف الوصول الى رئاسة الوزراء فإن موقف نخبة حزب المحافظين واضح تماماً، وبالنسبة الى بوريس جونسون الذي أشاد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائلاً إنه مرشحه المفضل لحكم بريطانيا فإن «استعادة السيطرة على السلطة تعني أنه أصبح المدلل لدى ادارة دونالد ترامب بشكل واضح». وسبق أن أشار ترامب نفسه الى أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يمكن أن «يلعب بورقة إيران للبدء بحرب بغية ضمان انتخابه للرئاسة»، ولذلك فإن هذه استراتيجية مألوفة لدى ادارة ترامب التي تدفعنا الى التساؤل: هل يمكن بعد هذا كله أن نظن أن تلك الادارة لن تلتزم بدعم الموقف البريطاني؟اختلاف المواقف
ولكن في حين التزمت قيادة حزب المحافظين بخوض حرب أخرى كارثية وهي خطوة يمكن التنبؤ بها فإن «ائتلاف ترامب» سيقرر بكل تأكيد تأجيل مثل تلك الخطوة الى فترة لاحقة، وكانت هناك شرائح من «المعتدلين» أو «جناح الوسط» أو «الليبراليين» اعتبرت ترامب تهديداً للإنسانية، ولكن هذه الشرائح نفسها أشادت به عندما قصف بصواريخه المواقع السورية، ومن المؤكد أن تلك الشرائح ستؤيده من جديد عندما يوجه الصواريخ الأميركية الى إيران.الموقف السعودي
كانت الرياض منذ وقت طويل تؤيد تغيير سلوك نظام الحكم في إيران، وإذا أراد ترامب بعد تمزيق الاتفاق النووي والتوجه نحو الحرب كما يريد مستشاروه فسنجد هناك مجموعة من المعتدلين تقول إن الرئيس الأميركي يشكل خطراً حقيقياً وتهديداً للديمقراطية وللسلام العالمي، و»نعم» إنه كذلك ولكنني آسف لأن علينا دعمه فإيران تمثل الخطر الوشيك الذي سبق أن قلنا الشيء نفسه عن العراق وهذه المجموعة لا تفتقر الى الاتصالات أو النفوذ وسوف تستخدمهما في محاولة لتهميش خصوم آخر عدوانٍ مدمرٍ بقيادة أميركية، ونحن نعلم كيف ينتهي مثل هذا الفيلم، وقد شهدناه من قبل والحاجة الى حركة لوقف تكرار ما حدث في العراق وليبيا يتطلب القيام بعملٍ الآن.تؤكد إيران غرابة الأعذار المطروحة لهذه الحروب، وإذا كانت التهديدات للأمن القومي أو إساءة حقوق الإنسان حقاً هي الأساس لأجل القيام بتدخلٍ عسكريٍ فقد أطلقنا الصواريخ ضد دولة خليجية منذ زمنٍ طويلٍ، سواءٌ أكان ذلك بسبب تصدير الإرهاب الدولي أو لمجرد إلقاء القنابل على اليمن، لكن من الواضح الى أين نحن نتجه، فالحرب تلوح في الأفق، وذلك يجب أن يكون مصدر قلق أوسع، وإذا كان أنصار الحرب على العراق وليبيا قد نالوا ما أرادوا فإن كارثة أسوأ يمكن أن نتوقعها من توجيه ضربة عسكرية الى إيران.* أوين جونز