أخفق زعماء الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على مرشحين لرئاسة المفوضية الأوروبية ومناصب عليا أخرى، وأعلنوا أنهم سيعاودون الاجتماع في 30 يونيو للمحاولة مجدداً.ثمة اختلاف حاد بين رؤساء الدول والحكومات في بروكسل، حتى إنهم يعجزون عن الاتفاق على كيفية إخفاقهم في الاتفاق.
بعد لقاء على مأدبة عشاء امتد حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن «المرشحين الأبرز» للعائلات السياسية الثلاث الكبرى الموالية للاتحاد الأوروبي استُبعدوا من الخلاف، وأضاف: «استُبعدوا الليلة، مما يفسح المجال أمامنا لإعادة إطلاق هذه العملية».
المرشحون البارزون
في المقابل، بدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أقل وضوحاً، وقالت إن رئيس المجلس دونالد تاسك أفاد، بعد مشاورات مكثفة، أن ما من أكثرية تدعم أياً من المرشحين الثلاثة الأبرز: عضو البرلمان الأوروبي الألماني مانفريد ويبر من حزب الشعب الأوروبي المحافظ، والنائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس من الاشتراكيين، ومفوضة شؤون المنافسة مارغريث فيستاغر من الليبراليين، لكنها تركت الباب مفتوحاً أمام احتمال تبدل هذا الوضع.حاولت ميركل ومسؤولون آخرون الإشارة إلى أن حظوظ هؤلاء المرشحين السياسية ما زالت محفوظة، مع أن قادة المجموعات الاشتراكية والليبرالية الوسطية في البرلمان أعلنوا يوم الخميس أنهم لن يدعموا ويبر، مما حرمه من الأكثرية بين القوى الموالية للاتحاد الأوروبي.لطالما شكّل اختيار لائحة جديدة من قادة الاتحاد الأوروبي مهمة صعبة تتطلب مفاوضات مكثفة. ففي عام 2014، دامت هذه العملية طوال الصيف، ولم يُحسم القرار النهائي حتى أواخر شهر أغسطس، ولكن بخلاف عام 2014 حين رسمت صفقة بين مرشحَي المحافظين والاشتراكيين البارزَين جان كلود يونكر (الذي أصبح رئيس المفوضية) ومارتن شولتز درب المضي قدماً بوضوح، يواجه رؤساء الدول والحكومات الثمانية والعشرون اليوم حالة ضياع كامل.أوضحت ميركل أن أحزاب اليسار الوسطي واليمين الوسطي الرئيسة ما عادت تملك العدد الكافي من المقاعد في البرلمان بغية التوصل إلى صفقة بينها، وأن عليهم راهناً توسيع البحث على نطاق أوسع بغية تشكيل ائتلاف أكثرية موالٍ للاتحاد الأوروبي يشمل الليبراليين على الأقل والخضر على الأرجح.شددت ميركل في مؤتمر صحافي موجز في الساعات الباكرة من يوم الجمعة: «نريد بالتأكيد حلاً مشتركاً مع البرلمان الأوروبي».من اللافت للنظر أن ميركل تفادت الإجابة مباشرةً عن سؤال عما إذا كانت هي أو حزب الشعب الأوروبي متمسكَين بويبر، علماً أنها كانت قد أوضحت سابقاً أنه مرشحها المفضل. قالت إن على قادة الاتحاد الأوروبي وأحزابهم أن يأخذوا في الاعتبار تقييم تاسك.تابعت: «لا شك أن البرلمان سيتبنى موقفاً وسنرى عندئذٍ ما يعني ذلك، لذلك لا يمكنني أن أقدّم جواباً نهائياً عن سؤالك إلا في ختام هذه العملية، لكن هذه حالة تضع أمامنا تحديات كبيرة. هذا واضح بالتأكيد».تشمل هذه التحديات التي تحدثت عنها ميركل واقع أن ويبر يُعتبر عضواً بارزاً في الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب الشقيق لحزبها الديمقراطي المسيحي، ونتيجة لذلك ستُضطر المستشارة إلى خوض محادثات حساسة مع قادة من حزبها والاتحاد الاجتماعي المسيحي على حد سواء بغية تحديد السبيل إلى المضي قدماً.خيارات تاسك
في مؤتمر صحافي بدأ بعيد الساعة الثانية بعد منتصف الليل، لم يجب تاسك مباشرةً عن سؤال عما إذا كان القادة قد رفضوا نهائياً ترشح ويبر خلال مداولاتهم.ذكر تاسك، الذي ينتمي أيضاً إلى حزب الشعب الأوروبي: «نحتاج إلى المزيد من الوقت لنناقش المشهد برمته، لذلك سنعود إلى هذه المسألة نحو نهاية شهر يونيو، وما زال من المبكر اليوم توقع الأسماء».أشار القادة إلى أنهم سيجتمعون مجدداً في بروكسل عشية يوم الأحد 30 يونيو بعيد عودة عدد منهم من قمة مجموعة الدول العشرين في أوساكا باليابان، ولكن من المتوقع أن تتواصل المناقشات غير الرسمية بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي في اليابان مع مشاركة تاسك، ويونكر، وميركل، وماكرون فيها، فضلاً عن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي.عندما سئل يونكر عن الأسباب التي تجعل القادة مقتنعين بأنهم يملكون فرصة أفضل للتوصل إلى اتفاق بعد عشرة أيام فقط، أجاب أن فرص تحقيق ذلك لن تتحسن على الأرجح. وقال: «لا أتوقع ذلك. ولكن لا بد من إنجازه».يتعرض القادة لضغط كبير بغية التوصل إلى اتفاق بشأن رزمة المناصب العليا قبل أن يعقد البرلمان الأوروبي الجديد جلسته الأولى في 2 يوليو وينتخب رئيساً.صحيح أن عشاء يوم الخميس لم ينتهِ باتفاق، إلا أن ماكرون أكد أنه لا يعتقد أن القادة أخفقوا. وقال: «لا أشعر بأنني اختبرتُ إخفاقاً».ولكن في إشارة إلى ضآلة التقدم الذي حُقق ومدى اتساع البحث عن رئيس للمفوضية الأوروبية في الوقت الراهن، سُئل تاسك عما إذا كان قد طرح اسمه الخاص، فنفى ذلك.تعكس مواقف بعض القادة ثقافاتهم السياسية الوطنية. على سبيل المثال، بدا ماكرون الذي لم يعتد بلده سياسات الائتلافات أكثر حزماً في قوله إن المرشحين الرئيسيين استُبعدوا، في حين أعرب روته الذي يتمتع بخبرة كبيرة في عقد الصفقات مع الأطراف المنافسة عن حذر أكبر.الحاجة إلى الوقت
أخبر روته المراسلين: «تحتاج المسائل إلى بعض الوقت، تماماً على غرار تشكيل حكومة. في هولندا، استغرق تأليف الحكومة الأخيرة سبعة أشهر، لذلك لا أعتقد أن ما يحدث كارثة كبيرة».وأضاف: «لا يحظى أي من المرشحين البارزين بالأكثرية حالياً ليرأس المفوضية، سواء كان ويبر، أو تيمرمانس، أو فيستاغر». إلا أنه استدرك مشدداً على أن هذه نتيجة «الشوط الأول» فحسب.روته أحد المفاوضين في المجلس الذين يعملون لمصلحة الليبراليين، غير أن الحكومة الهولندية دعمت في موقفها الرسمي تيمرمانس الاشتراكي الذي تبوأ سابقاً منصب وزير الخارجية الهولندي. أكّد روته أن تيمرمانس ما زال يملك فرصة، إلا أنه تابع: «لا يمكن توقع ما سيحدث مطلقاً».رغم ذلك، أكّد روته أن «القادة سيتوصلون إلى حل في مرحلة ما». وصرّح: «ستُحل المسألة عاجلاً أو آجلاً، فلا يمكننا إبقاء يونكر في منصبه طوال حياته».في المقابل، عبّر رئيس حزب الشعب الأوروبي جوزيف دول عن استيائه من استبعاد الأحزاب الأخرى ترشح ويبر، مشيراً يوم الخميس إلى أن يونكر يستطيع بالتأكيد أن يبقى في منصبه بعد انتهاء ولايته رسمياً في 31 أكتوبر ربما حتى الربيع القادم.أقر يونكر أثناء مغادرته المجلس بعيد الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل أنه سُرّ نوعاً ما بصعوبة مداولات رؤساء الدول والحكومات، وأضاف: «لاحظتُ بمرح كبير أن من الصعوبة بمكان استبدالي».* ديفيد هيرسزنهورن* جاكوبو باريغازي* وريم ممتاز