لا أعلم أصل تسمية الأطفال في اللغات الأخرى، لكن في العامية يقال للطفل "جاهل". نعم، هنالك أمور كثيرة قد يجهلها الطفل، لكنني أستنتج من هذه التسمية احتقار مرحلة الطفولة وعدم تقدير وعي وقدرات الطفل، فهو على الرغم من أنه جديد على هذه الحياة، فإن وعيه صافٍ نقي، لا تشوبه الأغلال والقيود الاجتماعية، لذا يمكنه أن يفكر ويبدع كما يشاء.تؤسفني رؤية محتوى الأطفال الإعلامي الحالي، فهو يخلو من المعنى ويتمحور حول تلقينهم الأساسيات كالأحرف الأبجدية فحسب دون سياق حقيقي. لاحظت كذلك كثرة استخدام هذه البرامج للألوان المشبعة الفاقعة دون تناسق، وذلك لجذب الأطفال مهما كانت الوسيلة. الذائقة الجمالية وقيم الخير والشر وحب المعرفة، كلها قيم يمكن أن يكتسبها الطفل مما يشاهده من محتوى، ولنا في برامج الطفل السابقة أسوة حسنة، فـ"المناهل" كان برنامجاً شاملاً فيه تأسيس سليم للغة العربية– المعرضة للانقراض!- ويحتوي على فقرات متنوعة تجمع ما بين المتعة والفائدة.
لكن يبدو أن التوجه الحالي ينصب نحو التطبيقات التفاعلية (interactive) على أجهزة الآيباد– معشوق الأطفال! وعلى الرغم من رفضي التام لاستخدام الأطفال الصغار لهذه التقنيات في مرحلة مبكرة– من سنة إلى خمس سنوات- لما لها من أضرار صحية مثبتة طبياً وتأثير سلبي على تطورهم الذهني، فإن هذه التقنيات ممكن أن تكون ممتعة ومفيدة جداً للأطفال الأكبر قليلاً، وذلك مع الحرص على تقنين وقت استخدامهم للآيباد وعدم تعيينه كحاضنة أطفال!وعلى الرغم من بعض الجهود المبذولة في مسرح الطفل، فإن الغالب العام منها يفتقر إلى أصالة الفكرة وجودة المحتوى، فالعديد من الأفكار يبدو مكرراً، بل تقليداً كاملاً لأعمال أجنبية سابقة. وبالطبع فإن قلة الإبداع وكثرة التكرار مشكلتان يعانيهما الإعلام العربي بشكل عام ولا يقتصر على إعلام الطفل.كذلك من المهم جداً جعل اللغة العربية جزءاً من حياة الطفل، ويبدو أن الإمبريالية نالت منا تماماً، فأصبحنا نشاهد الأمهات يكلمن أطفالهن بإنكليزية ركيكة ويفخرن بعدم قدرة أبنائهن على القراءة والمحادثة باللغة العربية، فأصبح لدينا جيل عربي كامل ذو أغلبية غير ناطقة باللغة العربية. وإذا استمررنا كذلك فسنشهد انقراض اللغة العربية– الذي نرى بوادره حالياً- بعد عقود قليلة، فانقراض اللغة هو انقراض للهوية وهدم لثقافة امتدت قروناً، ولابد أن نكون على قدر من المسؤولية كي نحافظ على هذه اللغة ونطورها.صادق الطفل ولا تكلمه بدونية، فهو أذكى وأكثر وعياً مما نظن، إذ نعتقد أننا من يعلم الأطفال وإذا بهم يعطوننا دروساً ثمينة في العفوية والتسامح والتفكير خارج القيود الرتيبة. انتهى زمن الطاعة والتلقين، وحان الوقت لأن نحاور عقل الطفل بما يليق بذهنه وخلق بيئة صحية تجيب عن تساؤلاته بما يناسب إدراكه. آن الأوان أن نرى الطفل كإضافة جميلة ومثرية في حياتنا بدلاً من رؤيته كـ"جاهل" فحسب.* "إن تربية الطفل يجب أن تبدأ قبل ولادته بعشرين عاماً، وذلك بتربية والدته". (سيمور)
مقالات - اضافات
جاهل
28-06-2019