مارينا تسفيتاييفا
الشاعرة الشهاب أو النار المشتعلة «مارينا تسفيتاييفا»، التي قال عنها جوزيف برودسكي: «لم يدوّ صوت أكثر شغفا من صوتها»، قامت الشاعرة د. رجاء الطالبي بترجمة قصائد رائعة لها مع المقدمة التي وردت في كتابة الخراب، مختارات من الشعر العالمي، سوف أقدم مقتطفات من مقدمة أحسنت الغوص في تحليل شخصيتها وما مر بها من أقدار عجيبة: «مارينا أيتها الفأرة الرمادية أين تركضين بسرعة في الليل والنهار الرمادي؟ تركت أدواتك المنزلية في هذا البلد التتاري الحزين، تجرين وتعرقين، أين تركضين، ولماذا تجرين، تتعثرين، تبكين، تبكين بسهولة، في الألم، وفي اللذة، دموعك كانت تجعلك تفقدين طريقك القصير، لتلتحقي بالمكان الذي سوف تشنقين نفسك فيه. هذا كثير، أكثر مما ينبغي، لا يمكنك التحمل، ستالين القذر، الحمر الدنيئون، كذبوا عليك، سيأخذون منك كل شيء. لكنهم لن يحصلوا على كل شيء. في ركن حفرت حفرة، ليس قبرك، سيكون الهواء رحبا لهذا، مخبأ لغرامياتك وآمالك. شريطة أن يجد أحد ذخيرة سنجاب الموت، مؤنه الأبدية لكل الشتاءات التي ستأتي فوق الأرض. توجد هناك مختلطة بهذه الأرض السوداء حقيبة صغيرة، في هذه الحقيبة رسائل حب حارقة تجعل الجليد القادم يذوب. رسائل حبيبك الذي لن تلتقي به أبدا، رسائل من هذا الرجل الذي يجعل سنته الأخيرة تحتضر، رسائل إلى من دفعته شعلتك للإيمان باستمرار بالحب والكتابة. هذا الرجل هو ريلكه، مراسلاتك جعلت مبالاة العالم تتراجع». كان يقول: مرثية لمارينا تسفتاييفا ( قصائد من ريلكه إلى مارينا) مارينا، كل هذه الضياعات في الكل الكبير، سقطات النجوم / يمكننا أن نرتمي من كل مكان، مهما تكن النجمة / لا نستطيع أن ننميها / في الكل الكبير مغلقة هي الحسابات». امرأة من نار عاشت حياة قصيرة متوهجة ومشتعلة بالعشاق والعشيقات، وحياتها كانت حرة فضائحية مليئة بالفقر واللامبالاة ومنكسرة بالفواجع، يسجن زوجها المتهم كعميل مزدوج ثم يُعدمه أصدقاؤه السوفييت في أكتوبر 1944، يقبض على أختها أناستازيا ولن تراها بعد ذلك، وابنها الذي تعبده سيموت في الجبهة في يوليو 1944، وستموت ابنتها إلينا جوعا بين ذراعيها وعمرها ثلاث سنوات، أما ابنتها عاليه فقد أرسلوها إلى سجن الأشغال الشاقة، وهي التي ستجمع شعر أمها وتبعثها من جديد لكل العالم.
ستنهي مارينا تسفيتاييفا حياتها بحبل علقته على أشجار السندر، لتموت في سن التاسعة والأربعين، بعد أن فقدت زوجها وابنها وابنتها والشعراء الكبار أصدقاءها الذين سبقوها بموتهم مثل «أنا اخماتوفا»، وماندلستام ، والكسندر بلوك، وباسترناك.هذه مقتطفات من قصائدها: من أين يأتي هذا الحنان؟ / هذه الموجات ليست الأولى / والتي وضعتها بعذوبة فائقة / على شفاه أخرى / داكنة مثل شفاهك./ كما النجوم تظهر / ثم تختفي / من أين يأتي هذا الحنان؟ / عيون كثيرة / تجلت / ثم اختفت أمام عيوني / ولا أغنية في عتمة / ليالي الماضية / من أين يأتي هذا الحنان؟ / ماذا أفعل، أيها المغني / الشاب، أيها العفريت الذي يمضي / كل شخص يملك مثلي / حاجبين طويلين».« يا دموع الحب، هيجان! / منهما - يتدفق / أيتها البوهيمية المنتحبة! / في إسبانيا: الدم! / أسود، أيها الجبل الذي يبسط / ظله على العالم كله! / إلى الخالق: حان الوقت / لتسليم ورقة / رفض الوجود والمتابعة / مأوى اللاناس / أرفض أن أعيش فيه / مع الذئاب المتسلطة / في الأزقة - صراخ: رفض / لا! - تسلل: رفض / على طول الظهور الموثقة بالأغلال / آذان مسدودة / وعيناي مشوشة الرؤية / في عالمك الأخرق / لا أقول سوى: رفض».يموت الشعراء ولا تموت قصائدهم، تبقى مشتعلة بكل طاقات مشاعرهم وانفعالاتهم خلال تدفق القصيدة، لذا يبقى وجعهم وفرحهم ينتقل إلى القارئ ليحزنه أو يبهجه لأن كتاباتهم بقيت حية نابضة بتلك المشاعر التي حبست في الورق. «مارينا، مارينا، يا فأرتي الرمادية الصغيرة، احتياجك للحب العنيف كان من المستحيل إشباعه في هذه الأرض.مارينا مخلوقة من شغف، أن ترمي بنفسها في العاصفة رأسها في المقدمة أصبح بالنسبة لها ضرورة، وهواء حياة».