الكاتب العربي والنشر
تنتهي مهمة الكاتب الأجنبي بالانتهاء من كتابة نصه الروائي، وربما مراجعته وإعادة كتابته الثانية تمهيداً للنشر. لكن، متى ما دفع به للناشر، فإن النص يدخل إلى عالم ومطبخ النشر الحقيقي، بدءاً بمروره بمختلف مراحل المراجعة "Editing": الإملاء والنحو وعلامات الترقيم، ثم المقارنة بين نسبة حضور السرد إلى نسبة وجود الحوار، وأخيراً قراءة العمل الروائي متكاملاً، وتمعّن المراجِع في تشويق العمل وسلاسته ووحدة وسرعة تدفقه، وأخيراً رسالته الإنسانية أو الرسالة الأهم التي ستعلق بوعي ومخيلة القارئ.هذه المراحل التي تأخذ المادة الإبداعية الخام من الكاتب، لتصل بها إلى القارئ، عبر مطبخ الناشر، من خلال تدقيق المراجِع وعمل مصمم لمتن مادة الكتاب؛ بقياس حرف الكتابة وشكله، وتوزيع الأسطر في الصفحة، ونوع الورق والقطع، وأخيراً دخول الكتاب/الرواية إلى قسم التصميم، لدى مصممين متخصصين في أغلفة الكتب، لاختيار لوحة تتناسب وعالم الرواية، وإكمال التصميم بإضافة عنوان الرواية واسم الكاتب ودار النشر. كل هذه الخطوات تتكامل بعيداً عن مؤلف الرواية، وكجزء أساسي من مهمة الناشر، وكجزء أساسي أيضاً من عملية تسويق الكاتب وإيصاله إلى أكبر شريحة من القراء.
الكاتب العربي، ويا حرام وألف حرام وأسف، يكاد يكون محروماً من كل هذه الرفاهية وكماليات النشر. فمجموعة كبيرة وكبيرة جداً من الناشرين العرب، لا ينهضون بمهمتهم على الوجه الأكمل! فليس هناك مصحح متفرغ للدار، وليس هناك قسم مراجعة "Editing"، وبعض الناشرين يتفضل على الكاتب بقراءة نصه بشكل شخصي أو عبر صديق للدار، ليقدم له ملاحظات تهم وتجمّل نصه الروائي. لذا يعاني المبدع العربي؛ الروائي والقاص والشاعر والمسرحي، معاناة كبيرة في إيصال نصه إلى القارئ على الوجه الأكمل. مما يضطر بعض المؤلفين إلى الإشراف بأنفسهم على مراحل تخلّق نصهم الإبداعي، بدءاً من حمله لمصحح لغوي، ومن ثم عرضه على مجموعة من الأصدقاء لأخذ آرائهم بخصوص النص، وأخيراً التفاهم مع الناشر حول الحرف والصف ونوع الورق، وأخيراً وهذه إحدى الموجعات الكبيرة بالنسبة للمؤلف العربي، اختيار الغلاف! فتصاميم الأغلفة في وقتنا الراهن غدت علما يُدرَّس في المعاهد والجامعات المتخصصة كجزء من التصميم، كذلك هي صنعة متطورة جداً. خاصة بعد التطور الهائل الذي وصل للتصاميم عبر الكمبيوتر وجميع المؤثرات التي تجعل من تصميم بعض الكتب لوحة جاذبة للقارئ حيثما نظر.الوجع الثاني الذي يصيب المؤلف العربي، هو ما يأتي بعد نشر الكتاب! فمجموعة كبيرة وكبيرة جداً من الناشرين يعتقدون أن مهمتهم تنتهي عند طبع ونشر الكتاب، ومن بعد ذلك يواجه الكتاب ومؤلفه قدرهما في النجاح أو السقوط. بينما ماكينة النشر في الغرب وأميركا واليابان والصين، تكمل مشوار النشر بأخذ يد الكتاب الطفل في المرحلة التي يحبو فيها، حتى يقف على رجليه ويبدأ رحلة المشي. نعم؛ كتاب أي كاتب ومهما علت مكانته حين يصدر من المطبعة فهو طفل يحبو! وهو بحاجة لمساعدة الناشر كي يصل إلى القارئ، مساعدة الناشر بالإعلان عن ظهور الكتاب قبل ظهوره، ومن ثم مرحلة الإعلان عن الكتاب بصورة غلافه، وأخيراً بإعلان تاريخ صدور الكتاب، وعمل جدور لإيصال الكتاب الوليد إلى: محرري الصفحات الثقافية في الصحف الأهم، وعمل الدعاية الكافية في وسائل التواصل الاجتماعية، وتنظيم وعمل جولة للكاتب في المعاهد والجامعات والمكتبات الأهم في بلده، وإيصال الكتاب إلى الجرائد والمجلات الخارجية، وترتيب مقابلات للكاتب لمساعدته على دعم كتابه في خطواته الأولى.أعلم أن الناشرين العرب، كبيرهم وصغيرهم، يشكو من حالة كساد سوق النشر العربي، ولذا يقوم بعض الناشرين بأخذ مبالغ من الكتّاب، وتحديداً الكتّاب الشباب كتكلفة للنشر. وكم استمعت إلى شكوى تدني سقف حرية النشر، وشكوى قلة البيع، وشكوى التزوير والنسخ المزورة التي تزحم النسخ الأصلية، وشكوى اختلاط الحابل بالنابل وأن عدد الكتب البائسة صار يفوق بمئات المرات عدد الكتب الجيدة. نعم لقد استمعت وتفهمت كل هذه الشكاوى، لكني أفهم أيضاً ضرورة أن يقوم الناشر بعمله على الوجه الأكمل، وهذا لا يخدم المؤلف والكتاب فقط، لكنه يعود بالمنفعة والربح على الناشر نفسه. النشر في مختلف دول العالم غدا سوقا كبيرا ورائجا، وكم نتمنى تفهم الناشر العربي لذلك.