يغادرنا مجلس الأمة في إجازته الصيفية المعتادة، وهو لم يترك في المجتمع إلا المرارة والأذى في نفوس الناس، ومزيداً من الإحباط العام المنتشر في كل مكان. ضعف الأداء في الغرضين الرئيسين له، وهما التشريع والرقابة، صار لا حاجة للتدليل عليه. فالرقابة ضعيفة جداً، والحكومة سائرة في دربها بلا هوادة، خارج نطاق التغطية، لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم. مع أن تراجع المؤشرات التنموية صار "يطز" العين، ولا حياة لمن تنادي. أما أسلوب الاستجوابات التي تتم رفعاً للعتب أو لتسويات سياسية فقد صار هو السائد، مع استثناءات بسيطة هنا أو هناك. وتبقى إشكالية التشريع أكبر، خاصة في عملية "السلق" للقوانين الأخيرة. فالقانون حال صدوره سيبقى مديراً لحياة الناس ومؤثراً على حاضرهم ومستقبلهم، حيث إنه صار لنا فترة من الزمن ونحن نراقب القانون تلو القانون يصدر لرغبات شخصية، أو توجهات طائفية، أو فئوية، أو حكومية استئثارية، مما يجعل تلك العملية التشريعية فاسدة، وفساد التشريع لا يعدو كونه تشريعاً للفساد الذي أصبح سيد الموقف، وشعار المرحلة. صدور القوانين الفاسدة الاستدلال، حتى في مكوناتها وتناقضاتها الداخلية، وتصادمها مع قوانين أخرى، صار أمراً معتاداً، لدرجة أن العودة عن القانون، أو التراجع عنه، أو تعديله حتى قبل أن يتم تطبيقه، صارت ملحوظة، إضافة إلى تلك القوانين التي ألغتها المحكمة الدستورية كلياً أو جزئياً.ولو كان الأمر ممكناً لدعونا، أثناء قيام النواب بإجازتهم، إلى إغلاق المجلس، ومنع الأعضاء من الدخول، بسبب استهتارهم بالتشريع، وحرصهم على التلاعب بالقيم الدستورية، وتفانيهم في ذلك، إلا من رحم ربي، حتى يعودوا إلى رشدهم، ولا أعلم إن كان ذلك ممكناً، بما في ذلك الحكومة، فهي جزء من المجلس، أو يعود الشعب إلى وعيه وينتخب من هم أصلح، وأكثر فائدة للمجتمع.
لا نتحدث هنا عن سوء الإدارة، ولدينا منها نماذج لا حصر لها، كما لن نتحدث عن الفساد الضارب في العمق، ولكن ربما عما هو أكثر فداحة، وهو العملية التشريعية التي صارت فوضوية. فكما أن الحكومة تتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك الاستهتار التشريعي، فإن عدداً كبيراً من النواب هم شركاء في الذنب سواء بسواء.
أخر كلام
فساد التشريع... تشريع للفساد
03-07-2019